
مصارحات وطنية ضرورية
كتب محمد حسن العرادي ؛ في هذا الزمن المفتوحة أبوابه على مصراعيها، زمن يختصر المسافات ويلغيها في ثوان معدودة من خلال تسارع وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجي، زمن يتجاوز الحدود ويُطيح بالخصوصيات، فتتداخل العادات بين الشعوب إلى حد التماهي، وتتراجع التقاليد إلى حد النسيان والإندثار أمام سيل الموضات والمهرجانات والفعاليات القادمة من شتى أصقاع الأرض، تغزو الثقافات المحلية وتحيل أكثرها إلى تراث وذكريات معلقة على الجدران.
زمن تنتقل فيه العمالة الوافدة بين الدول بسلاسة، كما تنفذ أمواج البحر بين السواحل وتتنقل الاسماك دون فواصل، زمن تنتشر فيها اعلانات الوظائف على صفحات المواقع الالكترونية العالمية وتجرى فيه المقابلات من وراء البحار، زمن تمارس فيه وكالات تصدير العمالة سطوتها ونفوذها واختراقاتها للاقتصادات الناشئة، وحتى اقتصادات الامبراطوريات الكبرى، زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، والديني باللاديني والأجنبي بالوطني، هل يعقل بعد كل هذا، أن تشترط مؤسسات وهيئات وطنية معرفة الانتماء الطائفي والأيدلوجي والسياسي للمتقدمين للوظائف لديها.
من المؤسف جداً إن بعض الجهات النافذة لا تزال تشترط ارفاق نسخ من جوازات الوالدين ونسخة من عقد الزواج، عندما يتقدم المواطن للالتحاق بأي وظيفة لديها، وكأنها تقول له ليس مهماً ما تمتلكه من شهادات أو خبرات، ليس مهما ما تستطيع إنجازه وابتكاره وتوفيره من وقت وجهد لهذه المؤسسة، المهم أن نعرف أصلك وفصلك ومذهبك وانتماؤك، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تحتاجون لذلك بينما أنتم توظفون الأجانب من كل الملل والنحل دون البحث عن تفاصيل حياتهم وانتماءاتهم.
في بلادنا الخليجية مئات الآلاف بل الملايين من الأسيوين والأوربيين والأمريكان والأفارقة، الذين قدموا من بلاد تفتح مسارات العمل السياسي بدون أي تعقيدات أو مساءلة، والعديد ممن يغزون أسواقنا يحملون انتماءات فكرية وأيدلوجية وسياسية، بل ان اغلبهم قد يكونون جنود احتياط في بلادهم، او أعضاء فاعلين في أحزاب سياسية تتصارع على السلطة، وهم عندنا يمارسون انشطتهم بحرية ولا أحد يحاسبهم، فلماذا تضايقون أبناء الوطن.
لقد آن الأوان لالغاء هذه الطلبات العجيبة المتعلقة بعقد الزواج والمذهب وأي تفاصيل شخصية تحدد الانتماء الاجتماعي والاثني والأيدلوجي لأي مواطن عند التقدم لأي وظيفة، تعزيزاً لروح الانتماء الوطني وتكريساً لمعنى المواطنة، التي نريدها جامعة لجميع المواطنين دون أي تمييز، وحمى الله بحريننا الغالية من كل شر ومكروه.