توشك الفتنة أن تقع… فمن يردعها؟

بقلم محمد حسن العرادي- البحرين

قبل أيام اتصل بي أحد المرشحين السابقين لانتخابات مجلس النواب البحرين عن دائرتنا الانتخابية (الدائرة السابعة في المحرق – عراد وحالتي النعيم والسلطة) وكان القلق والخوف يساوره “وما أحسبه إلا صادقاً وحريصاً ومخلصاً” خائفاً أن تقع فتنة مذهبية بين المواطنين في مدينة عراد، وبالتحديد في حدود المجمع 244، أخبرني بأن هناك بوادر خلاف مذهبي بين الشيعة والسنة بسبب قيام مجموعة من المواطنين الشيعة بالعمل على تشييد مسجد في تلك المنطقة التي يغلب عليها الوجود السني، وأن هناك تحركاً جدياً يقوده بعض القانطين في ذلك لجمع التواقيع من ابناء الطائفة السنية الكريمة على عريضة أهلية للحيلولة دون إقامة المسجد.

في الوهلة الأولى، أصبت بذعر شديد واستغراب لهذا المستوى المتدني من الوعي الذي يعيش فيه قطاع كبير من أبناء وطني، وأبديت فزعي من هذه النغمة المذهبية النشاز التي تريد أن تفتعل معركة وهمية بين المواطنين على أسس مذهبية فقلت له متسائلاً، وما هي المشكلة في بناء مسجد بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءه، أليست المساجد لله، أم ترى بأن هؤلاء المواطنين يريدون أن يؤسسوا ماخوراً للهو والعربدة واشاعة الفحشاء والمنكر، وربما معبداً يهودياً أو كنيسة مسيحية لتنصير المواطنين في هذه المنطقة المسلمة، ثم اردفت متسائلاً: لماذا الفزع من مثل هذه الخطوة، فالبحرين تعج بالمساجد في كل المناطق، ويُترك للناس حرية التعبد والصلاة فيها من دون قيد أو مشكلات أو تصنيف.

وأضيف لذلك بأن مدينة عراد تمثل نموذجاً للوحدة الوطنية، فهي منطقة مختلطة ويوجد فيها مواطنين من المذهبين الكريمين على علاقة طيبة ومنفتحة بشكل كبير، وليس هناك ما يعكر صفو هذه العلاقة بينهما منذ عقود طويلة، بل إن أهالي قرية عراد وأهالي المحرق كانوا على وفاق وانسجام تام منذ أيام التصييف في (النزلة) شمال منطقة عراد أيام القيظ، ولست أرى أي مبرر لهذا الاستنفار المذهبي، خاصة بأن المنطقة تحتضن عشرات المساجد المخصصة لأبناء الطائفة السنية (أكثر من 25 مسجداً تتبع إدارة الاوقاف السنية)، فإذا وجدت الدولة أن هناك حاجة لمسجد أو أكثر (يتبع إدارة الأوقاف الجعفرية) فما الضير في ذلك؟

صدمني الأخ الفاضل المتصل بطلب التدخل للحيلولة دون إقامة هذا المسجد واقناع القائمين على المشروع بغض النظر والتراجع، وقال لي: هل تقبل أن يقام مسجد للطائفة السنية داخل قرية عراد، ونحن نعلم بأن أكثر من 99% من سكانها شيعة، قلت له: ولماذا أمانع ذلك، فهذه المساجد لله وجميعها يجب أن تكون مفتوحة للجميع، وقد دأبت (إدارة الأوقاف السنية) طوال السنوات الماضية على تدشين العديد من المساجد في مناطق وقرى ذات أغلبية شيعية ولم يعترض احد ولم يرفع عرائض إحتجاجية، (حسب تصريحات مسؤول في إدارة الأوقاف السنية يتم إفتتاح مسجد جديد شهرياً) ولم نسمع بأن هناك تحرمات وتحريض ضد إقامة هذه المساجد من قبل المواطنين الشيعة، فلماذا يفتعل البعض مشكلة ويؤسس لفتنة مذهبية لا تخدم سوى أعداء الاسلام، وقد تكون باباً ومدخلاً لاثارة الضغائن والصدامات والتصدعات المجتمعية.

إنني أعتقد بأن هذا النوع من التفكير والسلوك المذهبي المستفز لا يتناسب مع اهمية تكريس العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وكان الأجدى بأهل المنطقة احتضان ودعم هذه الخطوة التي ستكرس التسامح والتعايش بين ابناء الوطن، ولا بد ان نعمل جميعاً على دعوة المحتجين والمعترضين لتقبل فكرة إقامة المسجد بترحاب وسعة صدر ومحبة، لكن صاحبنا عاد وأصر على أن القائمين على العريضة يبررون تحركهم بأن نسبة المواطنين الشيعة في ذلك المجمع قليلة ولا تبرر إقامة مسجد خاص بهم، وكان جوابي أن إقامة المساجد لاتحتاج إلى مبررات، خاصة وأن مثل هذه الأعمال مرهونة بقرارات وتراخيص رسمية، ومتى ما توفرت الموافقات اللازمة وحصلت على مسوغات شرعية، فإن على الجميع الامتثال والتجاوب مع التوجيهات الرسمية.

إنني أدعو هنا إلى أن يتم التنسيق بين إدارة الأوقاف السنية وإدارة الأوقاف الجعفرية بإشراف الجهة المعنية في وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، بحيث يتم التفاهم والتعاون في إصدار التراخيص اللازمة لاقامة المساجد ودور العبادة وفق ما يحقق المصالح العليا للأمة الإسلامية ويدعم وحدتها وتراص صفوفها خاصة ونحن نواجه سيلا من المؤامرات الصهيوتية التي تعمل ليل نهار على اثارة الفتنة والكراهية والانقسام فيما بيننا، كما أدعو تلاحم المجتمع والإلتفاف حول الدين والتقوى والتعايش بين الطوائف والمكونات المجتمعية، خاصة وانهم جميعاً مواطنون وأخوة في الوطن منذ عهود بعيدة، ومن غير المناسب الاتيان او التمسك بأفعال تُشرذم المجتمع وتزرع الشقاق والبغضاء بين أبناءه، خاصة وأن حكومتنا الرشيدة قد عززت رؤى التسامح والتعايش وقد دأبت على العناية والرعاية بإقامة وتشييد المساجد وصيانتها وتجديدها ورعايتها دون تفريق، وآخر خطواتها المشكورة والمقدرة تلك التوجيهات الصادرة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الموقر لصيانة عدد من الجوامع والمساجد في مختلف أرجاء المملكة.

وبالمقابل فإن هناك دوراً كبيراً يجب أن يلعبه المثقفين من أبناء الوطن، دور يقوم على تعزيز الوحدة الوطنية ونشر النفس الإيجابي بعيداً عن المتحمسين والمتحفزين لإثارة الأحقاد والضغائن المذهبية بقصد أو بدون قصد (فإن طريق الفتن مفروش بالنوايا الحسنة)، وهذا الوطن كما كان يقول الراحل سمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه طائر لايمكن أن يطير إلا بجناحين سليمين، ولسنا في وارد المغالبة والتنافس على من يمثل الأكثرية والأقلية ومن يمتلك عددا اكبر من المساجد ودور العبادة بين المكونات المجتمعية، خاصة واننا جميعنا أبناء الوطن نتمتع بذات الحقوق والواجبات، ونعيش على تكريس التسامح والمحبة المتبادلة.

لقد آن الأوان لأن نبتعد عن هذه التحركات التي تنادي بالانفراد والسيطرة والتجاوز على قرارات ورؤى وتوجهات البلد نحو تعزيز التعايش والوحدة الوطنية، أو تسعى لإلغاء الآخر بدون مراعاة لعشرة وجيرة ونسب وتصاهر اصبح حقيقة يلمسها ويعيشها الجميع، فهذا الوطن لنا جميعاً وهو حضن حاني لكل من يحيا على أرضه الطهور، نعم فالوطن يتسع للجميع ولا يجب أن نتوقف عند الانتماءات المذهبية بهذا الحدية، بل علينا ان نطوعها للتقريب والتعاون بين مختلف المكونات وان نتباها بهذه الفلسيفساء الجميلة التي تجعل من بلادنا واحة امن وامان وتعايش بسلام، أما مسألة التعبد وطريقة أداء الواجبات الدينية فإنها خيار واسع، لا يجب أن يحتكره أحد ما، ويمنع الآخرين من خياراتهم تحت منطق الأكثرية والأقلية المقيتة التي طالما اظت الى اندلاع حروب اهلية كاحنة خربت البلدان والأوطان، علينا أن نشيع التعايش والتسامح وسعة الصدور والأفق وقبول الآخر فهي مقومات الأوطان المستقرة التي تُعنى بالبناء والتنمية من أجل أن ينعم أبنائها جميعاً بحياة كريمة هادئة آمنة في ظل دولة المؤسسات والقانون، فهل يقوم عقلاء القوم بوأد هذه الفتنة وردعها قبل أن تستشري وتتفاقم.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى