اقتصاد لبنان الميؤوس منه

دخل الوضع الاقتصادي في لبنان نفقا مظلما لا تعرف نهايته مع استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار لمستويات غير مسبوقة.

ويقترب سعر الدولار في لبنان من 11 ألف ليرة تحت سقف من الفوضى بالسوق وجشع التجار.

المشكلة الأكبر تكمن في عدم قدرة الدولة على وضع حد لهذا الانفلات نتيجة شحّ العملة الخضراء في السوق وتراجع الاحتياطي في المصرف المركزي الذي لا يزال يقدم الدعم للمواد الاستهلاكية الأساسية عبر سعر الصرف السابق الذي كان محددا بـ 1500 ليرة فقط وهو ما فتح الباب أمام التهريب، بينما حدد ما يعرف بـ “سعر صرف المنصة” في المصارف، أي تلك التي يسمح للبنانيين سحب ودائعهم بالعملة الخضراء، عند سعر الـ 3990 ليرة لبنانية.

وفيما يربط محللون وخبراء كل ما يحصل بالوضع السياسي المتعثر أساسيا معتبرين أن المشكلة سياسية بالدرجة الأولى والأهم اليوم تشكيل الحكومة الذي لا يزال يتسابق الفرقاء على حصصها، ما سيؤدي بالتأكيد إلى انفراج اقتصادي في الداخل إضافة إلى فتح باب المساعدات الدولية.

قرارات أمنية

وجاء قرار السلطة قبل يومين أمنيا بحيث لم يصدر عن الاجتماعي الأمني الاقتصادي المالي الطارئ الذي عقد برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون إلا قرارات أمنية لقمع الصرافين غير الشرعيين وإيقاف التطبيقات عبر الانترنت، على اعتبار أنها السبب في التلاعب بسعر الصرف، والدليل على أنه ورغم تنفيذ حملات ضد الصرافين وتوقيف التطبيقات المتخصصة بصرف الدولار فإن شيئا لم يتغير على الأرض.

وعلى وقع انهيار الليرة، شهدت محلات بيع المواد الغذائية والاستهلاكية في لبنان الأيام الأخيرة حوادث بين العاملين فيها والمواطنين نتيجة السباق لشراء ما توفر من سلع مدعومة.

وفي تقرير حديث لمرصد الأزمة في الجامعة الأمريكية “هو مبادرة بحثية تهدف إلى دراسة تداعيات الأزمات المتعددة في لبنان وطرق مقاربتها”، اعتبر أن الأسوأ لم يحدث بعد في لبنان مع تدهور قيمة الليرة لمستويات غير مسبوقة.

ولفت التقرير إلى أن الانهيار المتسارع لليرة اللبنانية الأيام الماضية شكل صدمة بتخطي قيمة الدولار في السوق السوداء عتبة العشرة آلاف ليرة ملحقة خسارة أكثر من 85% من قيمة العملة الوطنية، مشيرا إلى أنه “وإن ظهرت تداعيات انهيار قيمة الليرة جلياً في تدهور القدرة الشرائية للبنانيين والمقيمين في لبنان وما يرافق ذلك من تنافس محموم وأحيانا عنيف على ما يعرض من سلع وبضائع مدعومة في بعض المحلات، لكن الأسوأ لم يحدث بعد”.

نفاد الاحتياطات

ورأى المرصد أن لبنان اليوم أمام معضلة حقيقية والتي سببها الرئيسي غياب سياسة متكاملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى غياب تام لإرادة سياسية حقيقية لمواجهة هذه الأزمة خارج التعليمات المتفرقة الصادرة عن المصرف المركزي.

وأشار التقرير إلى “أن نفاد الاحتياطات بالعملة الأجنبية يجعل من استمرار سياسة تأمين دولارات للتجار والموردين بناء على السعر الرسمي أمر مستحيل وفي نفس الوقت فإن رفع الدعم سيأخذ الأمور في منحى خطير بسبب خطر تآكل كامل في القيمة الشرائية وتلاشيها لمعظم اللبنانيين والعاملين في لبنان الذين يتقاضون رواتبهم وأجورهم بالليرة اللبنانية مثل العاملين في القطاع العام والأجهزة الأمنية والعسكرية”.

وأمام كل ما يحصل تعتبر المحللة الاقتصادية فيوليت بلعة في تصريح لـ”العين الإخبارية” أنه طالما الأزمة السياسية مستمرة ولا تشكيل قريب للحكومة سيكون سقف ارتفاع الدولار مفتوحا وينتج عنه أزمات معيشية واقتصادية واجتماعية وعندها لن يكون مستبعدا أن نصل إلى النموذج الفينزويلي، حيث الحد الأدنى للأجور انخفض إلى حوالي 2 دولار ونصف الدولار”.

كما ترى بلعة أن التضخم قد يصل إلى ما فوق الألف في المئة بعدما كانت قد أعلنت “الاسكوا” إنه تخطى الـ150%، إذ إنه كلما ارتفع الدولار سيزيد التضخم في وقت يتم فيه طبع المزيد من كميات العملة اللبنانية في وقت نحن بحاجة إلى الدولار، وبالتالي المطلوب ليس معالجة النتائج إنما المشكلة من جذورها، كالتركيز على التطبيقات التي تؤدي إلى رفع الدولار في وقت يتمسك اللبنانيون بما يملكون من دولارات خوفا من المستقبل القاتم ونتيجة عدم الثقة بالأداء السياسي وبالطبقة السياسية كلها”.

تشكيل حكومة

وتجدد بلعة التأكيد على أن الأهم في لبنان هو تشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن على أن تكون من اختصاصيين وليس من ممثلين لأحزاب سياسية كي لا نعود إلى المشكلة السابقة ونستطيع فتح قنوات جدية وسريعة مع صندوق النقد الدولي لجذب أموال إلى لبنان عبر قروض أو مساعدات لإنقاذ البلد وإلا سنذهب إلى الأسوأ”.

وتشدد بلعة أن بقاء الأزمة على ما هي عليه الآن سينعكس على أمور عدة أهمها مشكلة استيراد المواد الأولية من الخارج وأبرزها القمح كما المحروقات التي تنعكس على إنتاج الكهرباء وبالتالي على حركة المصانع والمعامل والإنتاج والحياة اليومية والإنترنت وغيرها، وبالتالي على معظم العجلة الاقتصادية”.

مع العلم أن مصرف لبنان كان قد حدد مهلة 28 فبراير لزيادة رأس مالها بنسبة عشرين في المئة وتكوين حساباً خارجياً حراً من أي التزامات لدى بنوك المراسلة لا يقل عن ثلاثة في المئة من مجموع الودائع بالعملات الأجنبية، وهو ما ربطته تقارير إعلامية في لبنان بارتفاع سعر الصرف معتبرين أن المصارف تعمل على سحب الدولار من السوق وهو ما نفته جمعية المصارف نفيا قاطعا.

الإصلاحات المطلوبة

ويقول الخبير والاستشاري المالي مايك عازار لـ “وكالة الصحافة الفرنسية” إن “الإصلاحات المطلوبة تمسّ مباشرة بنظام الزبائنية التابع للفرقاء السياسيين، الذي يتغذى من القطاع العام”، موضحاً أنه من شأن أي “هيكلة للقطاع المصرفي أن تضع جزءاً من العبء على المساهمين في المصارف وكبار المودعين، وهما فئتان مؤثرتان سياسياً”.

ويوضح “من الأسهل على القادة السياسيين عدم فعل أي شيء وتحميل الناس الخسائر تدريجياً، وحكم بلد أكثر فقراً، بدلاً من إجراء أي من الإصلاحات”.

ويشهد لبنان منذ صيف 2019 أسوأ أزماته الاقتصادية التي فاقمت معدلات التضخم وتسبّبت بخسارة عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم.

ورغم ثقل الأزمة الاقتصادية، لم تثمر الجهود السياسية والضغوط الدولية عن تشكيل حكومة جديدة بعد أكثر من 4 أشهر على تكليف سعد الحريري حيث يتبادل المعنيون الاتهامات بالعرقلة وبوضع شروط مضادة عبر السباق

Marisolle

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى