
المصالحة السعودية- الإيرانية في بكين… نهاية زمن وبداية أزمنة 3/
ماذا تستطيع أميركا؟ أين ومتى ستضرب الحرب؟ السعودية أمنت نفسها قبل أن تحسم امرها؟
ميخائيل عوض
ماذا تستطيع أميركا لإعاقة المصالحة؟ وهل الشهرين للاختبار والتطمين لتأمين انقلاب وغدر سعودي بإيران؟ ام هي تطمين لإيران وتحييد للسعودية من حرب اتخذ قرارها وكلفت بها إسرائيل، وجال في المنطقة وزير الدفاع وقائد الأركان الأميركية لتأمين مسرحها وحشد قواها وجيوشها..
لا شيء مضمون في المستقبل، ولا منهج يجيز للباحث خاصة المستقبلي بأن يجزم ويحدد المواعيد للأحداث والتطورات الآتية؟ وأن كانت سيناريوات المستقبل تحت ناظرنا، إلا أننا نستطيع ترجيح الاحتمالات ومن غير الجائز ضرب مواعيد محددة باليوم والساعة.
وبعقل منفتح، وتفاعلي، وبمنهج علمي، نأخذ الأمور والمعطيات لنعالجها واقعياً وموضوعياً.
المنطقي أن أميركا وحلفها لن يقبلوا الهزيمة والسقوط بالضربة القاضية ومن بكين، والمنطقي أيضاً أن تبذل أميركا التي تتراجع لكنها ما زالت قوية، وقد رعت السعودية والتزمت أمنها وأمن الأسرة منذ سبعين سنة ونيف، ألا تقبل خطوة انقلابية من الأمير الشاب والمتحمس والساعي إلى الملك وإلى دور محوري للسعودية في العرب والاقليم، وعينه على وراثة المكانة العربية وقيادة العالم الإسلامي ومحاولة إملاء الفراغ…
والمعطيات تفيد، بأنه اذا كان ما زال للأميركيين، أقلهم الديمقراطيين والبنتاغون الذين ناصبوه العداء، وحسبوه على لوبي الاأمركة الذي مثله ترامب، وحاولوا كسره وعزله، فإن كان لهم باع، ونفوذ وقدرة واختراقات فسيحاولون لجمه بل سحقه وقتله إن توفرت لهم السبل. فاحتمال اغتياله أمر قائم وهدف مؤكد للمتضررين من الخطوة، والنتيجة علمها عند الله وحده، فلا يتجرأ أحد على الجزم بها.
وإذا فشلت المحاولات وكان الأمير قد احتسب لها وأمن نفسه وقيادته، وهذا أمر منطقي، فقد أمضى تسع سنوات في هيمنته وانقلابه، وقبل الانقلاب كان بين الأمراء المميزين، وتالياً هو عارف بعناصر ومصادر قوة أميركا وشبكاتها واختراقاتها في السعودية والأسرة والأجهزة والمجتمع، فالمنطقي أنه قام بتصفيتها وأمن نفسه وحكمه، وسبق أن صدم بايدن واستهتر به في زيارته للسعودية، ورفض مطالبه وحقق ما طلبه بوتين مضاعفاً بما يخص الإنتاج النفطي، واستضاف قمة مع الرئيس الصيني بتكريم نوعي وتعاقدات مجزية جداً، ولهذا أرجح ألا يستطيعون هز ملكه وتفكيك قاعدته وعناصر قوته بالوسائط التقليدية وبإثارة الصراعات بين أجنحة الأسرة أو الأجهزة والتكتلات والقبائل وبالوهابية المسحوقة.
ولكن إذا كان لأميركا وحلفها أدوات كمثل القوى المتطرفة والإرهابية من فصائل القاعدة وداعش والنصرة وأخواتها، ونجحوا في حمايتها والمنطقي أن القواعد الوهابية التي تم سحقها تمثل لها بيئات حاضنة، وإذا كان للإخوان المسلمين من تنظيمات وعناصر قوة في السعودية فيصبح احتمال سوق السعودية إلى المتاعب والأزمات والفوضى، أمر راهن واحتمالاته كبيرة، ولكوننا لا نملك معطيات مادية موثقة فلا نستطيع ترجيحه كاحتمال، ولا نستطيع استطلاع مسارات الأزمة وتوازنات القوى فيها، إلا أن المؤكد أن أميركا لا تخرج من مسرح ولا تخسر ساحة إلا وتفكر بتدميرها وتركها خراباً، وإشعال الحرائق فيها ما استطاعت، فكيف بالسعودية والخليج عموماً وبإزاء إيران.
وأميركا تفتعل الحروب وتورط أوروبا والعالم بقصد التفرد بسوق النفط والغاز لتسويق منتجاتها من الصخري مرتفع الاكلاف والذي تحتاجه لترميم أزماتها، والحرب الأوكرانية ونسف خطوط نقل الغاز والعقوبات على روسيا، وقسر أوروبا لشراء النفط والغاز الأميركي بخمسة أضعاف أسعار الروسي دليل قاطع.
الحرب الأميركية بأداتها إسرائيل لتدمير الاقليم وتحطيم منافس رئيسي في أسواق النفط والغاز ، بعد إن فشلت بإزالة الروسي، ومن الأهداف المحورية ردع الصين وتأزيمها اقتصادياً وحرمانها من الطاقة الرخيصة لإسقاط منافستها العالمية وصعودها…
فليس من رادع بل كل الحوافز تدفع أميركا لمغامرة حرب تدمير واشعال الحرائق، بما في ذلك التضحية بإسرائيل التي باتت عبئاً ولم تعد كنزاً ثميناً، ودفعها للانتحار فهي كلب صيد أميركي فقد قدراته، وتوريطه بحرب حتى لو نتيجتها تصفية إسرائيل مكسب أميركي تتخلص منها، وعبرها تدمر إيران وربما الخليج، ومصادر الطاقة وتتفرد، وترتاح لعقود من خطر صعود الاقليم كمحور في العالم الجديد، ما يمنح أميركا فرصة لإعادة ترميم وضعها ومكانتها.
في الاحتمال، الحرب للتدمير وليست بدوافع الانتصار أو الربح، وبين الأهداف ترك الاقليم مدمراً وبحالة فوضى وأميركا تستثمر بالفوضى وتسميها خلاقة أيضاً.
ما الذي يحول دون الحرب؟
أميركا وأزماتها وتسارع احتمالات انفجار الاقتصاد.
الحرب الأوكرانية وخطر أن تمتد إلى أوروبا وحلفاء أميركا في آسيا، وحتى أميركا نفسها، واليوم وقع أول اشتباك مباشر بين الطيران الروسي والأميركي المسير فوق البحر الأسود وبمبادرة روسية.
وماذا عن الصين وروسيا الصاعدتان والمستهدفتان من حرب تدمير الاقليم؟
ماذا عن إسرائيل وازماتها المتفجرة، وتفكك وحدتها المجتمعية؟ فهل تستجيب وتقوم بعمل انتحاري؟ أم تسبقها الأزمات وتحول دون تمكنها؟
ماذا عن إيران والمقاومة؟ وما أنجزته من استعدادات وتحشيد لتبدأ الحرب كما قال السيد حسن نصرالله وأصر عليها، ووصفها بالحرب الكبرى، ووعد أن تقع وقريباً، فلماذا لا يبادر المحور ويجهض كل الاحتمالات؟ وقد أزفت الساعة ومن فلسطين وتتصاعد المقاومة وتتجذر وتزداد تنظيماً وقدرات، وقد ارتهبت إسرائيل وارتبكت ليومين من عبوة مفرق مجدو في شمال فلسطين عبوة زرعت في باص لنقل الجنود والمستوطنتين، واكتشفت وهي من شبيهات صناعة المقاومة ومحورها وليست بدائية كالتي يستخدمها المقاومون في جنين ونابلس، واعتبرتها إسرائيل تطور خطير جداً، وهي تطور وخطير وجدا أيضاً.
إذن، ليس من العلمي استبعاد الحرب واحتمالات الرغبة والحاجة الأميركية لها، لكن الظروف والبيئات والتوازنات وزمن الغليان والمتغيرات المتسارعة التي تعيشها المنطقة والعالم قد تقطع على هذا الاحتمال وهو الأرجح.
أما القول إن السعودية صالحت إيران ومن بكين وعينها وسعيها قائم للانضمام إلى جوقة التتبيع والتطبيع، فهذا تمني أكثر منه تحليل واقعي، وبكل حال إيران لم ولا تشترط على أحد لمصالحته ولإقامة علاقات متينة معه بعدم التطبيع، وتلك سلطنة عمان ودورها الوسيط أول من استقبل نتنياهو وربما أكثر المطبعين، والسؤال ماذا يربح بن سلمان من التطبيع المترنح ولماذا يذهب إليه؟
غداً، عن العرب والمسلمين في حاضنة المصالحات والدور الصيني
٠٠٠/يتبع