![](https://ajwaapress.com/wp-content/uploads/2025/02/6622.jpg)
المطلوب السرعة لا التَّسرُّع في تشكيل الحكومة
يحرصُ دولة الرئيس المكلف على إنجاز عملية تشكيل الحكومة في أسرع وقت، ولكن من دون تَسرُّع، تجنُّباً لأي خلل قد ينعكس سلبا على الحكومةِ العتيدة من حيث التَّضامن الحُكومي، أو إعاقةَ جهودها المُستقبليَّةِ الراميَةِ إلى وَضعِ الدَّولَةِ على سِكَّةِ النُّهوض وإخراج لبنان من عِزلتِه.
وبعيداً عن الهَّباتِ السَّاخنة أو الباردة التي تبُثُها وسائل الإعلام على اختلافِ مشاربها، والتَّصريحات المُرتفعة الأسقف، والمقالات المُسيَّسَةِ التي تُنشر عبر الصُّحفِ ووسائط التَّواصل الإجتماعي، يبدو أن أياماً معدودة أو ساعات تفصلنا عن الإعلان عن تشكيلةِ الحُكومة بصيغتها النِّهائيَّة وتوقيعِ مرسومِ تَشكيلها، ويبدو أيضا أن توزيع الوزارات على المكونات السِّياسيَّةِ أضحى ثابتاً، ولم يبقَ سوى وضع اللَّمساتِ الأخيرةِ على قائمَةِ أسماء الوزراء، كما يبدو أن مُعظَمَ الأسماء المُتداولةِ لم يسبق لأصحابها أن وزِّروا في حُكوماتٍ سابقة.
يُدركُ دولة الرئيس المُكلَّفِ حجم التَّحدِّياتِ التي ستواجهُها حُكومتُهُ العتيدة، كما يعي جيِّداً حجمَ المَسؤوليَّاتِ التي أملاها خِطابُ القَسمِ وكلمتُهُ التي ألقاها عند قُبولِهِ التَّكليف، كما حَجمَ الآمالِ التي يُعلِّقُها الشَّعب اللبناني على العَهدِ والحكومَةِ في إحداثِ نقلةٍ نوعيَّةٍ في أداءِ السُّلطَةِ التَّنفيذيَّةِ بعيداً عن المُمارساتِ السِّياسيَّةِ السَّابقَةِ التي أوصلت لبنان الى ما هو عليه من انهيار.
اعتمدَ الثُّنائي منذ تسميَة الرئيس المُكلَّف مُناورةً تكتيكيَّة دفاعاً عن مُكتَسباتِه، بحيث بادرَ إلى الامتناعِ عن تسمِيَةِ الرئيس المُكلَّف، ولمَّحَ بعدمِ مُشاركتِه بالحُكومة وعدمِ منحها الثِّقة، وزعمَ أعضاءُ كتلتيهِ أن هذا الأمر يُفقدُها الميثاقيَّةِ باعتبار كتلتيه تحتكران تمثيل المُكوّن الشيعي في مجلس النواب، واتَّضحَ لاحقاً أن تلك المناورة من قبيل الابتزاز السِّياسي لتَحقيق مكاسب فئويَّة، واستكملها بتكتيكٍ آخر يقومُ على عَدَمِ القبول بوزراء يُشكلون استفزازاً له، ما أتاح له فرصةَ وَضعِ فيتوات على بعض الأسماء المُرشَّحةِ لتَولي وزاراتٍ محسوبة القوى الأخرى. وهذا ما جعله شريكاً ثالثاً في عمليَّةِ تشكيل الحكومة، قادرٌ على التَّحكُّمُ بتَسمِيَةِ الوزراء، من خلال تسهيل تسميَةِ أشخاصٍ مُقرَّبين منه أو مَحسوبين على المُقربين منه، أو من ضعفاء مِطواعين لا يجرؤون على التَّصدي لتَوجُّهاتِه؛ وهذا إن حصلَ سيَجعلُ الحكومَةَ القادِمَة غير مُتوازِنَة ويرهن قراراتِها بإملاءاتِ مِحورِ المُمانَعَة.
ودولتُه ليس بغافلٍ عن مُناوراتِ بعضِ المُكوِّناتِ الهادفةِ إلى حُصولِهم على امتيازاتٍ فئويَّةٍ بتَعليَةِ سُقوفِ المَطالبِ أو التلويحِ بالإحجامِ عن منح الثِّقَةِ للحُكومةِ والإمتناعِ عن المُشاركةِ فيها؛ ورغم ذلك يبدي دولتُه حرصاً على التَّواصُلِ معهم للإبقاءِ على شعرَةِ مُعاويَة بينه وبين تلك المُكوِّناتِ تداركًا لأيٍّ تَأثيرٍ سلبيٍّ على انطلاقَةِ الحُكومَة.
وإدراكاً منه للمسؤوليَّاتِ الوطنيَّةِ المُلقاةِ على عاتقه، يؤكِّدُ الرئيسُ المُكلَّفِ على أنه ملتزمٌ بالمبادئ التي سبق له وأعلنها من باحةِ قصرِ بعبدا، والتي تتمحورُ حول عدم الجمعِ ما بين النِّيابةِ والوزارة، وعدم احتِكارِ أي حزب أو مكونٍ طائفي لوزارة من الوزارات، وأن يكون الوزراء من غير الحزبيين، وذلك لمُقتضياتٍ توفيرِ فرصِ النَّجاحِ للنُّهوضِ بالدَّولة؛ كما يُؤكِّدُ على أنه يَتعاملُ مع جميعِ المُكوِّنات الطَّائفيَّةِ والمَذهبيَّةِ والحِزبيَّةِ وفق مَعاييرَ واحدة مُتجرِّدةٍ، وخارج منطقِ الغالبِ والمَغلوب، تجنُّباً لشعور أي مُكونٍ أنه مُستهدفٌ أو عًرضةٌ للإقصاء، وفي المقابل يبدي حِرصاً موازياً على عدمِ إتاحةِ المَجال لمن أخرجوا من السُّلطَةِ، «عبرَ البابِ» لمَسؤوليَّتهم عن حالةِ الإنهيار التي أوصلوا الدَّولةَ إليها، من العَودَةِ إليها عبر نافِذَةِ التوزير في هذه الحُكومَة، وإن يكن من خِلالِ تَسمِيَةِ مُقرَّبين منهم أو مَحسوبين عليهم وزراء يكونون بمثابةِ مندوبين عنهم فيها.
دولتُه لم يخفِ نيَّتَه في إبداءِ بعضِ المُرونةِ تجاه المُمانعةِ، والإستجابةِ لمطالبِهم المُشارِ إليها وإن شكَّلَ ذلك تجاوزاً للمبادئ التي أعلنها، وذلك حِفاظاً منه على التَّماسُك الوطني في ظُروفٍ حسَّاسةِ يمرُّ بها لبنان، ورغبةً منه في توفيرِ مناخٍ سياسي ملائمِ لانطِلاقةٍ سَلِسَةٍ لمَسيرة الإصلاح والنُّهوض؛ وآثر ذلك رغم عِلمِه بأنه قد يثيرُ حفيظةَ باقي المُكوناتِ الوطنيَّة وفي طليعتِهم من سمُّوه لتولّي عمليَّةَ تشكيل الحُكومةِ وبذلوا جُهداً لافتاً لِتسهيل تسميتِه بتخلِّيهم عن تسميَةِ حُلفاءَ لهم لِضمانِ نجاحِ المنحى التغييري. ولكنه قطع عهداً على نفسه ألَّا تتسبَّبَ مسايرته للمُمانعةِ بتفريغ المبادى التي وضعها لتشكيل الحُكومة من مَضمونها، وألَّا تأتي على حسابِ أيَّةِ أطرافٍ أو مُكونات أخرى أو بما يُضرُّ بالمَصلحة الوطنية.
بأخُذُ البعضُ على دولةِ الرئيس المُكلَّفِ المنحى غير المَسبوق الذي يَعتمدُهُ في المُشاوراتِ غير الملزمة حول تشكيل الحكومة، وتَسميَةِ الوزراء فيها، ويرون أنه يُحابي المُمانعةِ على حِساب المُكونات الأخرى، وبخاصة من لم يُسمّونه في الاستشاراتِ المُلزمة، ولم يلبّوا دعوته في الموعدِ الذي حدَّدَه لهم في الاستِشاراتِ غيرِ المُلزِمَةِ التي أجراها، ولم يبدوا تجاوباً إلَّا بعد أن أبدى استِعداده للاستِجابَةِ لمَطالبِهِم في اجتِماعٍ عقدَهُ مع رئيسِ المَجلسِ النيابي كمُمثلٍّ عنهم، وأصرّوا على الإحتفاظِ بأهمِّ الوِزاراتِ (وزارة الماليَّة) وبتسميَةِ شَخص بعينِه ليتولى شؤونها خلافاً للمبادئ التي ألزمَ الرئيس المُكلَّف نفسه بها، كما أصرّوا على تخصيصهم بوازارات أربعٍ أخرى ينفردون بتسميَة ثلاثة وزراء لها، على أن يُسمّي الرئيسان رابعٌ من خارج المَحسوبين عليهم، ويخشى البعضُ أن تأتي تَسميتُه على غِرارِ سابقَةِ ما عُرِفَ بالوزيرِ الملك.
لا يُخفى على أحدٍ أن تشكيلَ الحكومةِ يأتي في مرحلة تشهد فيها منطقة الشرق الأوسط ولبنان تحولاتٍ جَذريَّةٍ مَصيريَّة، ولبنان على مفترق طرق يجعله رهن خيارين مُتباينين: الأول تقليدي – راديكالي وقد أوصلَ لبنان الى ما هو عليه من إنهيار، والآخر تغييري نهضوي، يُشكِّلُ توجُّهاً واعِداً لإخراج لبنان من المأزق الذي يتخبَّط فيه منذ عقدين من الزمن، وينتشله من مُستنقعِ الحروبِ العبثيَّة، ويُخرجُهُ من عُزلتِهِ الدَّوليَّةِ ويُعيدُهُ الى بيئتِه العَربيَّة.
ويدركُ المُتبنّون للمَسار التَّغييري أن الفرصَةَ مُتاحةٌ للسَّيرِ قدُماً في المَسارِ النَّهضَوي شَرطَ عدَمِ التَّفريطِ بالمُسلَّماتِ التي حُدِّدت في خِطابِ القَسمِ وكلمَةِ الرَّئيس المُكلَّف فور تكليفِه، وهذا يملي على الأخير عدمِ التَّخلي عن المبادئ التي أعلنها، وعلى القِوى التَّغييريَّةِ والسِّياديَّة الدَّاعمةِ له الثَّباتَ على مواقِفِها. هذه التَّوجُّهات ستحكُمُ على ما ستكون عليه صورةُ حُكومَةِ العَهد الأولى، والتي ستكونُ مسؤولةً عن إرساءِ مُرتَكزاتِ الإصلاح وتَحديد أُطُرِهِ وآليَّاتِه، وهذا يملي تشكيلَ حُكومَةٍ مُتماسِكةٍ وفاعِلَة، على أن يكون وزراؤها من ذوي الكفاءَةِ العِلميَّةِ والخبرات العمليَّةِ الواسعةِ، ولديهم القابليَّة للتَّعاونِ في ما بينهم على نحوٍ يتَمكَّنون من بلورَةِ رؤيَةٍ موحَّدةٍ لتَحديثِ الدَّولَةِ والنُّهوضِ بالوَطن.
إن إخراجَ لبنان من آتون الحروب ووَضعِه على سِكَّةِ النُّهوض يستوجِبُ أن يُصارَ عند تشكيل الحُكومةِ وتسميَةِ الوزراء إلى إعارةِ الانتباه إلى أمورٍ جوهريَّةِ منها:
أ- التزام السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء بروحية وثيقة الوفاق الوطني كما بالقرارات الدوليَّة وبخاصَّةٍ القرار ١٧٠١ بكل بنوده ومندرجاته، وباقي القرارات المشار اليها في متنه، ولا سيما لجهة حصرِ السِّلاحِ بالقِوى العسكريَّة والأمنيَّة الرسميَّة، وبَسطِ سُلطةِ الدولة على كافة الأراضي اللبنانية، وعدمِ المُماطلةِ في تنفيذهِ، وخاصَّةً لجهةِ سَحبِ السِّلاحِ من جميع المُنظَّماتِ والأحزابِ اللبنانيَّةِ وغير اللبنانيَّة بما فيها المُنظمات الفلسطينيَّة، وتولي أجهزة الدولة الرسميَّة فرضِ الأمن على كامل الأراضي اللبنانيَّة بما في ذلك المُخيَّمات؛ وهذا يوجبُ إعارةَ الإهتمام اللازمِ عند تسميَةِ وزيري الدِّفاع والداخليَّة.
ب- إرساءُ الإستِقرار الأمني ومكافحة الجريمة وإجراء الانتخابات: من خلال تعزيز الأجهزة الأمنية وإعادة النظر بهيكليتها واعتماد التخصُّصِيَّة في وحداتها الاقليميَّة، والتَّحضير المُتقن للانتِخابات، وهذا يوجب إعارة الاهتمام اللازمِ عند تسميَة وزير الدَّاخليَّة.
ج- تحقيقُ العدالة من خلالِ إصلاح الجهاز القضائي وإعادة بناء الثقة به، وتهيئته ليكون قادراً على البتّ بالملفات العالقة أمامه في أسرع وقت، وفي طليعتها انفجار المرفأ والاختلاسات المالية، والتَّعدِّيات على الأملاك العامة، والاغتيالات السياسيَّة؛ وهذا يوجب إعارة الإهتمام اللازم عند تسميَةِ وزير العدل.
د- أن تتولى الدولةُ حَصراً مسألةَ إدارةَ قبول الهباتِ وتلقّي المُساعداتِ والأموال المُخصَّصةِ لإعادَةِ إعمارِ ما تهدَّمَ بنتيجَةِ الحربِ مع العدو الإسرائيلي وترميم الأبنيَة والمُنشآت المُتضررة التي يمكنُ إصلاحها، والتَّعويضِ على أهالي الشُّهداء، ومُعالجةِ مُصابي الحرب والمُعوَّقيها، وهذا يوجبُ إعارةَ الإهتمام اللازمِ في تَسميَةِ وزراء الماليَّة، الأشغال، الصِّحَّة، والشؤون الإجتماعيَّة.
هـ- النهوض بالاقتصاد من خلال التَّركيز على القطاعاتِ الاقتصاديَّةِ المُتاحة بما في ذلك القِطاعاتِ التَّقليديَّةِ، وسائرِ القِطاعات الخدماتيَّة السياحيَّةِ المَصرفيَّة والاستشفائيَّةِ والتعليميَّة، وهذا يوجبُ إعارةَ الإهتمام اللازمِ عند تسميَةِ وزراء الزراعة، الصناعة، الصِّحَّة، السِّياحة، الماليَّةِ والتَّربيَّة.
و- إصلاح القطاع المصرفي بغرض استعادة الثقة في هذا القطاع، وضمان الودائع وتحديد جداولٍ زمنيَّةٍ مقبولةٍ لإعادة الايداعات الماليَّة لأصحابها، وهذا يملي إعارة الإهتمام اللازم عند تسميَةِ وزير الماليَّة.
ز- إصلاح القِطاع العام بما في ذلك الأجهزة الرقابيَّة والإداريَّة، بتطويرها وتحديث هيكليَّاتها على نحو يُفعِّلُها ويُرشِّدُ استخدامَ الطاقاتِ البشريَّةِ ويَزيدُ من مُستوى انتاجيَّتها ويرفعُ مُستوى جودةِ الخدمات التي يُقدِّمُها في أوقاتٍ قياسيَّةٍ وبأقلِّ كلفَة؛ وهذا يملي إعارة الإهتمام اللازم عند تسميَةِ وزير التَّنمية الإداريَّة.
وأخيراً ثمَّةَ ملاحظةٌ ينبغي الإشارة إليها، وتكمنُ في الإشارةِ إلى أنه ليس من موجِبٍ يقضي بتمثيل جميع القوى السياسيَّةِ في الحُكومة العتيدة، وإن كان من الهامِّ أن تحظى الحُكومةُ بثقةِ الغالبيَّة، إنما الأهم أن تكونَ الحكومة المُشكَّلةُ فاعلة ومُتضامنة.
اللواء