دروس بالغة الأهمية .. بين الكويت وسورية .. 

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

وكأن التاريخ يعيد نفسه بصورة أكثر سوداوية وظلاماً، فعندما تضخمت الذات لدى الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وإغتر بنفسه وقوته وجبروته قرر إجتياح أراضي دول الكويت العزيزة، بعد فشل حربه العدوانية على جارته المسلمة إيران، تلك الحرب التي استمرت ثمان سنوات طحنت الأخضر واليابس في البلدين، فبعد سنتين من وقف حرب الخليج الأولى شنت قوات صدام هجوماً كاسحاً وغادراً على الكويت يوم الخميس الأسود 2 أغسطس 1990، اجتاحت فيه الحدود الدولية في غضون ساعات لتحتل الكويت وتعيث فيها قتلاً ودماراً وفسادا.

وعندما ظن صدام أن الأمور قد استقرت له، بدأ في التفتيش عن عملاء أو إنتهازيين يشاركونه جريمته الكبرى التي لا تغتفر، ويقبلون بتولي مسؤوليات الحكم في الكويت المحتلة (سماها المحافظة العراقية 19 تحت شعار عودة الفرع إلى الأصل) ، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، فلقد رفض الشرفاء الكويتيين من كافة فئات الشعب رفضاً باتاً التعاون مع منطق الإحتلال، وتمسكوا جميعاً بالشرعية التي مثّلها الأمير الراحل جابر الأحمد الصباح أمير الكويت أنذاك وحكومته الوطنية برئاسة سمو الشيخ سعد العبدالله الصباح، وسرعان ما أعلن عن إستمرار عمل هذه الحكومة في المنفى، وبدأت قيادة معركة إستعادة الكويت وتحريرها من الإحتلال البعثي العبثي، وحينها وقفت كافة دول العالم إلى جانب الحق الكويتي بكل قوة وعزيمة.

 

لقد حاولت العديد من الدول العربية التوسط لايجاد حل دبلوماسي، يخرج القوات العراقية الغازية من أراضي دولة الكويت، لكن الأنا المتضخمة والغرور القاتل الذي كان يعيشه صدام حسين، جعله يتمسك برأيه وغروره ويرفض الإنسحاب، وما لبث أن تشكل التحالف العسكري الدولي الذي قادته أمريكا وضم أكثر من 30 دولة بينها عدد من الدول العربية أبرزها المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون ومصر وسوريا، وشنت قوات التحالف هجوماً عسكرياً عنيفاً ضد العراق دُمرت فيه الكثير من مقدرات الشعب والجيش العراقي، حتى خضع صدام حسين وإنسحب صاغراً ذليلاً من الكويت، ثم لم تكتفي أمريكا وحلفائها الغربيين بذلك بل واصلوا القصف والتدمير والحصار والتجويع حتى أسقطت صدام حسين ونظامه الدكتاتوري في 8 أبريل 2003، وفي الوقت الذي عادت فيه الكويت إلى أصحابها، تم إلزام العراق بسداد كافة تكاليف الحرب وإحتلال الكويت، ووضعت العراق تحت العقوبات وفق الفصل السابع من قانون مجلس الأمن وفقدت الحق والقدرة في التصرف بامواله وموارده.

 

وكأننا نشاهد ماحدث في الكويت الحبيبة يتكرر في سوريا مع الكثير من المفارقات، أهمها تمسك الكويتيين بشرعية حكم الصباح المحبوب، وتخلي السوريين عن شرعية حكم الأسد المكروه، وهنا لابد من قراءة الفوارق بين حالة الكويت تحت الإحتلال والأسباب التي أدت الى سقوط سوريا إلى مستقبل مجهول، كالتالي:

أولا: الكويت:

1- العراق الجار العربي غدر بالكويت وإستباح أرضها.

2- التف الشعب الكويتي حول قيادته ولم يتخلى عنها

3- رفض الساسة وقادة الرأي في الكويت التعامل مع المحتل البعثي وأفشلوا مخططه الاحتلالي.

4- تضامن المجتمع الدولي مع الشرعية الكويتية وأعلن الجميع عن دعمها واستمرار الإعتراف بها.

5- تجاوبت دول العالم مع دعوة حكومة الكويت لتحرير بلادها من الإحتلال العسكري البعثي.

6- استمر عمل السفارات الكويتية في كل دول العالم بشكل اعتيادي.

7- شارك عدد من الدول العربية والاسلامية في التحالف الدولي لتحرير الكويت بما أسبغ عليه الشرعية المطلوبة.

8- شكل عدد من أبناء الشعب الكويتي مقاومة شعبية تنسق مع الحكومة الكويتية في الخارج.

9- استقبلت دول الخليج أبناء الشعب الكويتي واحتضنتهم وتعاملت معهم كما تتعامل مع مواطنيها.

10- وقف الكويتيين في الخارج إلى جانب حكومتهم سياسيا واجتماعيا وشعبيا، ومنحوها الاحتضان السياسي.

11- تمكنت الحكومة الكويتية من استصدار القرارات الأممية اللازمة لرفض الإحتلال العراقي، والموافقة على عودة الشرعية بالقوة.

12- انتصر الشعب والحكومة الكويتية وعادت الشرعية إلى دولة الكويت.

13- اُلزمت العراق بتعويض كافة الخسائر الكويتية تحت البند السابع.

14- عاد الشعب الكويتي المهجر إلى وطنه محتفلا بعودة حكومته.

15- استعادت الكويت عافيتها وعادت لدورها الدولي الرائد.

 

ثانيا: في حالة الاحتلال لسوريا:

1- تركيا الإسلامية غدرت بجارتها العربية وأعدت العدة لاسقاطها واحتلالها.

2- الشعب السوري العظيم كان مستعداً للتنازل عن النظام البعثي بعد سنوات من القمع والحصار ولم يكن لديه خيار آخر.

3- رحبت أغلب مكونات الشعب السوري بالنظام السوري الجديد رغم كل ما قيل عن عنفه ودمويته.

4- لم يكترث المجتمع الدولي بسقوط النظام البعثي بل وقف إلى جانب القوى الجديدة بما يشي بأمور ستتضح مستقبلاً.

5- تخلى الحلفاء المقربين للنظام البعثي السوري عنه بشكل سريع وانسحبوا في وقت قياسي.

6- تجاوبت السفارات السورية مع التغيير بشكل سريع وقامت باستبدال علم البعث بالعلم الجديد.

7- وقفت الدول العربية والإسلامية تنتظر نتيجة تحرك المعارضة المدعوم من تركيا، ثم بدأت في الإعتراف بالنظام الجديد.

8- بعد انقضاء أكثر من ثلاثة أسابيع لم يبدي الشعب السوري أي رغبة في مقاومة النظام الجديد، إلا من خلال بعض الارتدادات العرقية والأقليات التي خسرت بعض الامتيازات.

9- بدأت أغلب دول العالم بتشجيع المهاجرين السوريين على العودة لبلادهم.

10- استبشر السوريون المهجرون بالنظام السوري الجديد وتوافق أغلبهم على منحه الفرصة للاستمرار.

11- وقفت الأمم المتحدة إلى جانب النظام الجديد، وسعت الدول الكبرى لرفع العقوبات المفروضة عليه وعلى قادته.

12- انتقل عدد من القيادات الرسمية العسكرية والسياسية إلى جانب النظام الجديد وتخلوا عن النظام البعثي وهو أمر متوقع.

13- تدرس أمريكا رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وخاصة إلغاء قانون قيصر .

14- نجحت تركيا في التمدد داخل الحدود الجغرافية السورية بحسب اجنداتها المخططة مسبقاً ووجدت من يرحب بها.

15- استغلت اسرائيل الفرصة وقامت بضربات مؤلمة للجيش السوري واحتلت قسم كبير من أراضي سوريا.

 

تسبب احتلال الكويت في اسقاط نظام البعث في العراق بعد عام ونصف من إحتلالها، بينما تفوقت تركيا وأنصارها على النظام البعثي السوري وتمكنت من إسقاطه بعد 15 عاماً من التحريض والتحشيد ضده وتدريب المتمردين السوريين وتمويلهم والتخطيط لهم لاحتلال سوريا بدعم من أمريكا وحلفائها، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل ستشهد الأيام القادمة بروز مقاومة شعبية تعارض النظام السوري الجديد، وهل سيتسبب سقوط نظام البعث السوري في إرتدادات تؤدي إلى سقوط أنظمة أخرى، وعلى رأسها النظام الأردوغاني في تركيا، وكيف سيتعامل السوريون ونظامهم الجديد مع الإعتداءات الصهيونية التي قامت بتدمير مقرات وقواعد ومقدرات الجيش العريي السوري فور سقوط نظام البعث مستغلة الفوضى والإرباك الذي حدث، وإلى متى ستبقى سوريا كعكة يتقاسمها مثلث التسلط والارهاب “تركيا أمريكا والكيان الصهيوني”.

وهل يمكن أن يتغير المشهد وينقلب السحر على السحرة والشياطين المتآمرين، لا شك ان المستقبل القريب زاخر بالأحداث السياسية والاقتصادية لكن غير معروف لصالح ستكون هذه الأحداث ؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى