
حرب غزة تنهي عصر الهيمنة الغربية على البحار والممرات
فعن أي حرب حصارات وعقوبات تتحدثون؟
ميخائيل عوض
كان للبحرية البريطاني بصفتها دولة بحرية دوراً محورياً في تأمين الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس. ومع تراجعها وانكسار شوكتها التي مثلت حرب السويس 1965 نقطة تحولها وتراجعها الحدي، أورثت وتشاركت مع أميركا السيطرة على البحار والمضائق، وأصبحت أميركا بحاملات طائراتها وببحريتها وأساليبها القوة المهيمنة على المضائق والممرات والبحار، ما أمن لها التفرد والسيطرة على النظام العالمي ووراثته كقوة مهيمنة ومسيطرة تفرض ما تشاء وتلزم الدول وتضطهد الأمم والشعوب لتنهبها، وتفرض العقوبات والحصارات الظالمة على الأمم والشعوب التي ترفض الإملاءات والخضوع للمشيئة الأميركية.
فالسيطرة على البحار يؤمن السيطرة على التجارة العالمية والقدرة على فرض الحصارات والتجويع كما يؤمن القواعد وانتشار الجيوش البرية ويعطي الافضلية في الحروب التي تفتعلها أميركا وحلفها الأنكلو- ساكسوني
لم يكن لمحور المقاومة دور وحضور في البحار، حتى المياه الاقليمية طالما عجزت الدول عن تأمينها وحمايتها، فبلطجت أميركا وفرضت الحصار على الدول والفصائل واطبقت على ايران وسورية وغزة وعلى اليمن وكوبا وفنزويلا. وانهكت حروب العقوبات والحصارات الشعوب والدول ووضعت بعضها على حافة الجوع.
في السنوات الاخيرة تجرأت إيران وتمكنت من بحارها واهتمت بقوتها البحرية والصاروخية وتقدمت في صناعتها وصناعة المسيرات والزوارق السريعة، وخاضت حرب السفن مع إسرائيل واخضعتها.
كما خاضت حرب الممرات وظفرت بها وارسلت سفنها وحاملات نفطها إلى فنزويلا وسورية ولبنان عنوة، وهدد السيد نصرالله بأن السفن ستحمل بالمشتقات النفطية من إيران وتصل إلى لبنان وحال تحميلها سترفع العلم اللبناني وتحدى اسرائيل وأميركا أن تعترضها ووصلت.
كما أنجزت إيران والصين وروسيا المناورات البحرية في هرمز وبحر العرب، إشارة إلى تحالف عالمي ساع لمنع السيطرة الأميركية البريطانية على المضائق والممرات والبحار.
وبرغم الاحتكاكات وتبادل حجز الحاملات بين إيران وبريطانيا والأطلسي عندما تجرأت مضيق جبل طارق وحجزت شحنة متوجهة إلى سورية، فقامت إيران بحجز بواخر وسفن وانتصرت وفرضت إرادتها.
حتى حرب غزة كانت الأمور تجري بسلاسة وهدوء، وبطء، والخطط الإيرانية وحلفها اوراسيا ومحور المقاومة يتقدم لفرض نفسه في البحار، إلا أن حرب غزة استعجلت الكشف عن ميزان القوى البحرية في المتوسط والأحمر وبحر العرب والخليج. وهذه بحار وممرات ذات اهمية استراتيجية في التجارة العالمية وفي حروب العقوبات والحصارات، وفي تقرير لمن ستكون السيطرة ومن يسيطر على هذه البحار يتحكم بالاقتصاد العالمي وبالحروب أيضاً.
البحر الأبيض المتوسط برغم أنه حتى اللحظة لم يشهد احتكاكات بحرية، إلا أنه اصبح مسرح حرب اليد العليا فيها لمحور المقاومة فقد استعرضت أميركا أساطيلها وهددت وبلعت الموس عندما أنذرها علناً السيد حسن نصرالله؛ بأننا أعددنا عدتنا للتعامل مع أساطيلكم، وتحول موقف بايدن من تهديد حزب الله ولبنان وسورية إلى الضغط على نتنياهو لقبول الإهانات اليومية شمال فلسطين والامتناع عن التصعيد.
والبحر المتوسط عدا عن انهه أهم البحار كموقع جيبوليتكي حاكم وكان سيد البحار مع إمبراطورية قرطاج الفينيقية الأوسع والاكثر تقدماً في تاريخها. عبره جرى تعليم الشعوب التجارة والكتابة وصناعة اللون والسفن، هو مصدر تمويل وتجارة أوروبا الاساسي، ومدخل لشرق أسيا عبر قناة السويس، وبسيطرة الحوثيين على البحر الاحمر وتحدي البحرية الامريكية والبريطانية واستهداف مدمراتها والسفن الاسرائيلية التي تحت حمايتها اطبق المحور على شريان التجاري العالمي الأهم والذي تعبر منه 40% من التجارة وافقد قناة السويس أي قيمة ما دامت ممر آمن للأساطيل والبحرية وتمويل إسرائيل وأوروبا ونسبة 76% من واردات وصادرات إسرائيل تمر عبر الأحمر من والى إيلات، وأيضاً اسقط مشاريع قناة بن غوريون والتطبيع وتنشيط التجارة عبر إسرائيل الى الخليج واسيا، وتجويع مصر.
وضع الحوثي الاقتصاد العالمي ومستقبل اوروبا تحت السيطرة. والى مضيق باب المندب، وضع الحوثين بحر العرب- المحيط الهندي تحت الضربات. وبالأصل الخليج ومضيق هرمز تحت السيطرة التامة للحرس الثوري وبحريته الناشطة وقد فرض قوانينه الصارمة على حاملة الطائرات الأمريكية ومرافقتها التي عبرت هرمز الى القاعدة في البحرين.
هرمز والخليج ممول اول للعالم وخاصة الغرب من النفط والغاز، وله اهمية كبيرة في تقرير مسارات التجارة والصناعة والاقتصاد العالمي برمته.
غزة وحربها النوعية وبصفتها تقررت أنها حرب تحرير فلسطين من البحر الى النهر، تسقط اسرائيل وسمعتها وتكشف قدراتها وطبيعتها، وتسقط السيطرة الأنجلو ساكسونية على المضائق والممرات والبحار، وتضعف قدرات الغرب العسكرية والاقتصادية وتفقده التحكم بالتجارة العالمية وتالياً تسقط والى الابد حروب العقوبات والحصارات، وتجعل منها حرب تخسير أميركا والاطلسي عناصر قوة كان يعتد بها ويؤمن تفوقه واضعاف الأمم والشعوب والدول التي ترفض هيمنته واملاءاته.
أما بعد وكيفما ذهبت سيناريوهات حرب غزة، فهل تقبل بعد ذريعة تجويع الشعوب وإفقارها، خاصة شعوب ودول وفصائل محور المقاومة بذريعة الحصار والعقوبات…
إنه زمن طوفان الأقصى وتحرير فلسطين من البحر إلى النهر وقبر العالم الأنكلو- ساكسوني العدواني والظالم.
ولحرب غزة فضيلة أن حفز محور المقاومة لاستعراض قوته وقدراته البحرية، فأسقطت حرب الحصارات، فهل تشبع الشعوب ويعاد إعمار الأوطان وتسقط ذريعة لحصار والعقوبات؟