
الله كما يراه «تسلا»
كتبت د. شيرين العدوي
مع تكبيرات العيد “لبيك اللهم لبيك” تتزلزل قلوبنا وتهتز نبضاتها، ولا نعرف لماذا نتوضأ من فيض النور، وننسلخ من أجسادنا ونشف كأننا نطير في فضاء بلا أجنحة ؟ هذا الشعور الغريب جعلني أتأمل رحلة العالم الفذ نيكولا تسلا للأبدية؛ صاحب الاختراعات التي سبقت عصره في علوم الفيزياء والهندسة. فأخيراً كشفت وثائق ومقابلات مخفية عن عمق رؤيته الفلسفية والروحية التي تجاوزت حدود المادة لتلامس جوهر الوجود، فإيمانه بقوة الله والنور الكوني الذي يربط كل شيء تتضافر من خلال حواراته النادرة بصورة مكتملة لأسطورة لم تكن ترى العلم بمعزل عن الحقيقة الروحية.
ففي حوار نادر معه يعود لعام 1942 كشف عن بحثه عن مصدر لطاقة الكون، تلك التي تضيء الأرواح لا المصابيح. هذا البحث لم يكن مجرد سعي علمي، بل تجربة شخصية عميقة، حيث اختبر لحظة سكون مطلق سمع فيها صوتاً بلا لسان يقول له: “أنت مجرد أداة، نوري فيك”. من لحظتها ويرى تسلا أن الله ليس كما صوره البشر بعقولهم البشرية المحدودة، فقد خلعوا عليه صفات بشرية تتفق مع محاولة تقريب الصورة الذهنية لأقرب نموذج مرتق في الكون وهو هو ذاته؛ فالإنسان أرقى ما على الأرض، ولذلك تخيل الله نموذجاً أعلى منه فقط، فله سمع وعين وبصر ويد وقد ساعدته كل النصوص المقدسة على هذا الفهم.
فعندما يقول عز وجل «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار»، أو «يد الله فوق أيديهم». لكن تسلا يرى أن الله أعظم من ذلك، فهو قوة النظام اللامحدود، كيان يسري في كل ذرة وموجة، وأن ما يشعر به الناس عند الدعاء هو ذاته ما أدركه بالعلم. وكلا الطريقين يؤديان إلى نفس الكيان الذي تجاوز الموت هذا التلاقي بين الروحانية والعلم كان حجر الزاوية في فكر تسلا؛ حيث اعتبر أن العلم الحقيقي هو «أن يرى الله في قوانين الطبيعة».
ولذلك كل هذا الكون واحد صنعته قوة واحدة عظمى وكل وحداته من مادة وروح مرتبطة بشكل موجات نورانية تتحرك بين قوى الخير والشر. وقد خرج تسلا من هذا بأن الموت ليس نهاية؛ لأن الجسم عبارة عن ذبذبات وموجات كهربية. فحين يموت الجسد ينطفئ التردد المادي فقط.
وتنتقل الروح إلى قناة أخرى؛ ولذلك هي أبدية بعد الموت تتحرك بحرية في الكون من دون تقييد، وقد حاول التقاط تردد هذه الأرواح المنطلقة بأجهزته؛ فتمكن بالفعل من التقاط ذبذبات بلا مصدر معروف تحمل معنى عميقا. فنحن جميعا مرتبطون ببعضنا بذبذبات تتآلف وتتنافر طبقا لانسجام هذه الموجات الترددية؛ ولهذا نسعد أحياناً ببعضنا وأحياناً أخرى نتنافر، وهذا يفسر لنا مفهوم أننا عندما ندخل إلى أماكن العبادة ترتاح نفوسنا من كثرة ترددات الدعاء.
وفي تجربة مؤثرة لتسلا عام 1918 بعد إصابته بمرض شديد شعر بأنه انفصل عن جسده وشاهد والدته المتوفاة محاطة بنور لم يره من قبل، ما رسخ قناعته بأن الموت ليس خاتمة بل بوابة عبور. إننا كبشر إرث النور اللامتناهي، والمادة فينا هي الضوء المتجمد. أما الضوء الحقيقي فمظلم يختبئ بداخله أعظم أسرار الكون.