طوفان الأقصى للتحريك أم للتحرير؟

ميخائيل عوض
برغم مرور 37 يوماً على جولة طوفان الأقصى، وتشغيل ستة جبهات في الحرب الاقليمية الجارية بمساحة ملايين الكيلومترات، وبعدد سكان يفوق المائتا مليون إنسان غالبيتهم من الشباب، وليست مقتصرة على غزة ومساحتها التي لا تجاوز الثلاثمائة وستون كيلو متر مربع والمحاصرة لعشرين سنة وتقتل وتصبر وتصمد، وتبدع، وتنتج رجالاً هم درة رجال الحروب وأثمنهم.

وبرغم كل ما هو جار، ووصف الحرب من قبل خبراء عالميين مشهود لهم بأنها الحرب العالمية الثالثة، ووصف كبريات الصحف العالمية السيد حسن نصرالله بانه الرجل الذي يملك مفاتيح الحرب العالمية.
ما زالت نظرية المؤامرة جارية، كما تنظيرات اقتصادية لا علاقة لها بالوقائع والمعطيات والتطورات.

والنظريتان تقومان على أن حماس إخوان مسلمين والإخوان لا يؤتمن منهم وعليهم.

وأن نجاح ويسر العملية يسمح بالاستنتاج أنها مخططة مسبقا ومتفق عليها مع أميركا وربما إسرائيل، وأن شطب شمال غزة وتهجير الغزيين إلى الجنوب بقصد تمرير قناة بن غوريون القاتلة لمصر وقناة السويس في سياق التطبيع السعودي- الإسرائيلي، لتأمين الطريق الهندي بديلاً عن الطريق والحزام الصيني.

وتجزم النظريات المشككة بأنه كيفما جاءت النتائج فستعزز خيار التسوية وتصفية القضية الفلسطينية، وإعادة تشغيل المخطط الأميركي لتفتيت المنطقة وتقسيم المقسم فيها، لتفويض إسرائيل وتأمينها وتأمين السيطرة الأميركية وكسر اوراسيا الصاعدة
وتنطلق من فكرة أن أميركا وإسرائيل قوى قهري وقدرية يستمر الزمن طوعهم وطوع مشاريعهم وخططهم ومصالحهم.

إلا أن الواقع ينفي وينسف تلك النظريات واقتصاداتها.
فمن بدأ الجولة حماس ومحور المقاومة سارع لدخول الحرب وتنسيق الجهد على الجبهات، ولم تبدأها أو تخطط لها إسرائيل، والثابت أن لا كتائب القسام ولا محور المقاومة يعمل مع أو عند إسرائيل وأميركا وقادة حماس لم يعلموا بالعملية إلا بعد تنفيذها بساعات.

أما تحقيق أهدافها بسهولة وبنتائج تفيض عن الحروب الكبرى يعود لدقة التجهيز والسرية والمفاجأة وللظروف التي وفرت أسباب وشروط نجاحها الباهر وبلوغها درجة العمل الاعجازي والعجائبي، وفي تجارب الشعوب كثيراً ما يشبهها وبمستوى عجائبيتها، ناهيك عن أن إسرائيل أصلا في حالة أزمة بنيوية وعميقة وجيشها مترهل وأنماط دفاعها قامت على دور التكنولوجيا التي يمكن تعطيلها، والحروب تحتاج لحسمها وإنجاز أهدافها، الرجال والرجال المحاربون هم في صف وجند محور المقاومة كما أثبتت التجارب والحروب منذ خمسين سنة.

وبكل حال لا يعيب حماس ولا كتائب القسام أن تكون إخوانية أو متحالفة معهم أو على هامشهم، ولا عيب عليها توسيط قطر للتفاوض، فالميدان هو الحاسم وليس طاولات التفاوض وتشاطر المتفاوضين.
ويسجل للقسام هذا الإنجاز العبقري مضافاً إليه القتال البطولي والتحكم بمسارات الحرب وبامتلاك قدرة على السيطرة والتحكم والاتصالات في حرب حقيقة وفي وجه عملية تدمير شاملة وبمشاركة أميركية واطلسية مباشرة في الحرب وإدارتها.
وبكل الأحوال فالعملية أسقطت قدرات إسرائيل وأسطورتها وكسرت كل الحملات التي صورتها سوبرمان وقوة قاهرة لا يجرؤ أحد على مهاجمتها.

وغزة تستنفر وتستنهض العالم، والحراك الشعبي عارم ومتصاعد وتغير غزة في ثقافة وقيم الشعوب كما عرت الأطلسي والأنكلو ساكسوني.

وكيفما انتهت الحرب وأي سبيل ستتخذه أيام إسرائيل العادية باتت معدودة، فبقائها مسألة أيام إذا عصفت الحرب وتحولت إلى حرب يوم القيامة في مختلف الساحات، واسابيع أو أشهر إذا استمرت الحرب لأسابيع وأشهر، باعتبار أن إسرائيل وأميركا لا تتحملان حرب استنزاف طويلة ولا النخب الأوروبية. وإبادة مليونان من فلسطيني غزة تعني ابادة إسرائيل والقواعد والمصالح الاطلسية في الاقليم، واذا توقفت الحرب وعدنا الى حرب الجولات وترصيد النقاط فغزة وفلسطين منتصرة وإسرائيل ستنفجر على نفسها ويستحيل عليها قبول حل الدولتين والانسحاب وتفكيك مستوطنات يهودا والسامرة والجولان. وانتصار غزة والنقمة لأطفالها سيدفع بالفلسطينيين الى التمسك بالحق القومي كاملا اي تحرير فلسطين من البحر الى النهر، وتتقاطع استطلاعات الرأي ورأي الخبراء بان اكثر من مليونين من المستوطنين بمجرد وقف النار سيرحلون ويختل لتوازن الجغرافي بصورة دراماتيكية والسلاح الصواريخ والرجال سيصيرون في الضفة كما هم في غزة والضفة في قلب فلسطين وعلى احتكاك من مسافة صفر مع الجيش والمستوطنين.

بغض النظر عن من قرر العملية وما هي اهدافها عند تنفيذها إلا أنها أطلقت تفاعلات وستطلق نتائج بأبعاد استراتيجية وما فوق استراتيجية لجهة ما تحقق فيها وما كشفت عنه، ولجهة تأثيرها على امريكا وانتخاباتها ومستقبل وجودها في الاقليم وذات الشأن بإزاء النخب الاوروبية الحاكمة والتي سارعت لكشف حقيقتها نصيرا لإسرائيل وتدمير المشافي وقتل الأطفال والنساء.

فليس من مكان لمشروعات اسرائيلية أميركية ولا فرصة لإنشاء قناة بن غوريون، أو نجاح استراتيجية تفتيت المقسم في العرب، فذاك زمن أصبح من الماضي وطوفان الأقصى دفنه وإلى الأبد.

أي كانت دوافع عملية طوفان الأقصى، ومقاصد المبادرين شكلت ارهاصا للمستقبل وقررت ان الحل الوحيد للصراع بات تصفية اسرائيل وليس تصفية القضية الفلسطينية.

ولن يكتب بعد اليوم سطرا واحدا في مشروعات التطبيع الإبراهيمية ولا في احتمالات انجاز تسوية للصراع العربي- الإسرائيلي فقد انتفت ظروف وشروط التسوية مع قتل اسرائيل لرابين لأنه اعطى وعدا بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967 فكيف تستطيع جهة ان تفرض على اسرائيل ما رفضته مع رابين وقد اختلت بنيتها وتوازناتها المجتمعية لصالح المتطرفين والمتدينين.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى