ما الذي ينقص الضفة وفلسطين الـ48 لتحقيق نصر إعجازي؟ على رغم الصمت عن نصرتها

بما يخالف الكثير من التقديرات والمعطيات وبصورة لافتة تثير الريبة

ميخائيل عوض

عزمت إسرائيل وقررت بعد جولة العنف مع الجهاد الإسلامي في غزة ومرور سنة على حرب سيف القدس ذبح الضفة في سعي عدواني محموم لتصفية المقاومة فيها، وعادت إلى ذات التكتيكات؛ عزل واستفراد و ترقيد وتحييد وتوجيه ضربات قاصمة. فتركز حينا على جنين اسطورة أساطير المقاومة  ثم تتفرد بنابلس، بينما المناطق والقطاعات الأخرى في حال تفرج أو ركود. وتحاول إقعاد غزة عبر إغراءات لها وتوظيف الوسيط المصري والممول التركي، والمعلم أردوغان، لتحييدها، واشغالها بالجوع والمكاسب بزيادة العمالة في إسرائيل ووعود إعادة الإعمار وإغراء حماس بوعد الدويلة– الإمارة وبمطار ومرفأ وتنمية واقتصاد. وتحفيز حماس للانحياز للتهدئة ولهدنة لخمسين سنة.

وحركة الجهاد الإسلامي التي تميزت ورفضت السلطة والمشاركة بأي انتخابات أو أجهزة لعدم الانشغال عن التحرير الكامل وعدم إفساد الكوادر والقادة على رغم أنها مؤهلة لقيادة حقبة المقاومة إن تراجعت أو تراخت حماس، وقد خاضت معركة الأيام الثلاثة بجرأة وفرادة ولم تبخل بالشهداء، وتحت شعار ثوري بامتياز، وحدة الساحات، تغيب عن السمع وعن الحضور ولم تسجل موقفاً لقادتها العسكريين والسياسيين ولا مبادرة حتى على حراك شعبي تضامني في غزة أو بلاد اللجوء، والأكثر إثارة للتساؤلات والاستعراب موقف محور المقاومة وفصائله ودوله وكأنها أشاحت النظر، وأدرجت أولويات على حساب الضفة والقدس وفلسطين على رغم آلاف التصريحات والخطب والتوجيهات التي رسمت في الأذهان صور وتخيلات عن أن اليوم الموعود وتحرير القدس والصلاة في الأقصى باتت أقرب وأيسر، ولا تستوجب انتظار المهدي ولا عودة السيد المسيح.

فسورية منشغلة بأزماتها وينهشها الفقر وخطر الجوع، وكان حرب التجويع أتت أكلها، حتى أنها تتحمل الإهانة الوطنية وتتعرض لاعتداءات إسرائيلية متواترة تستهدف بنيتها المدنية من مطارات ومرافئ، ومواقع عسكرية حصينة وفي دائرة شعاع أمن قاعدة طرطوس وحميمم الروسية، ولا تحرك ساكناً لتعيد تكرار وعدها بالمكان والزمان المناسبين.

حتى التزام السيد حسن نصرالله وقادة المقاومة والفصائل بالثأر لدم القائد قاسم سليماني بطرد الأميركي مهزوماً يحمل جثث ضباطه وجنوده… “فتحرير فلسطين عندها أيسر وأهون” وتحويل تحدي  الحرب إلى تحرير القدس، على غير العادة لم ينجز ولا من مؤشرات على تحقيقها، وإيران بين انشغالات معالجة أوضاعها والاحاطة بالتحركات التي فجرتها المؤامرة في بنيتها، وعروض النووي ومكاسب التفاهمات مع أميركا كأول دفعة 7 مليارات دولار التي كانت محتجزة في كوريا الجنوبية بمقابل إطلاق سراح أميركي. والحشد الشعبي في العراق مأزوم ومستهدف، وأنصار الله وسلاحهم ومسيراتهم وصواريخهم تستعرض في الشوارع لتأمين شروط تمديد الهدنة وتحقيق المزيد من المكاسب وتحصيل الحقوق.

ولبنان ومقاومته مشغولة بالترسيم والتفاوض مع الوسيط الأميركي- الإسرائيلي، وائتمان شركة توتال على الحقوق ويتعزز الانشغال بالأوضاع الداخلية والازمات المتعاظمة، والسعي للحد من أثار ومخاطر حرب التجويع التي استهدفت لبنان للمساومة على المسيرات والصواريخ الدقيقة والاستثمار بالثروات، وقد رهنت المقاومة موقفها وقرارها ومستقبل سلاحها والمئة ألف مجاهد الجاهزين بما تقرره الدولة، والدولة في حالة عطالة وانهيار تقودها شيا وتمسك أميركا برقاب زعمائها ومدراءها وتهددهم بالعقوبات ومصادرة الأموال.

هكذا يمكن رسم صورة سوداوية للواقع، ويذهب البعض إلى نعي الضفة وانتفاضتها المسلحة والمقاومة، والتبشير بإنهاء القضية الفلسطينية وتصفيتها.

فإن نجحت إسرائيل في تأديب الضفة ونحرها فلا معيقات أمام تصفية القضية الفلسطينية وقد حققت إسرائيل بضغوط أميركية ما كانت تحلم به من تتبيع وتطبيع مع الكثير من العرب ودولهم ونخبهم، ولم يبقَ في الميدان إلا سورية المدمرة والمشغولة بجوعها وحاجاتها، وتجري محاولات اخضاعها بحرب التجويع والمعارك بين الحروب، لمقايضة موقفها القومي وتمسكها بفلسطين- جنوب سورية، بإعادة التفاوض لتفعيل وديعة رابين، وبوعود إعادة الاعمار والاطعام. فسورية منهكة، وإيران جار أشغالها بأزماتها وتوتراتها في بيئتها ومسارح نفوذها، وبانشغال روسيا بأوكرانيا وحرب الحصارات والضغوط ومع استدراج حماس ولجم الجهاد وإشغال حزب الله والمقاومة بالترسيم وبالأزمات والتوترات الداخلية، تصبح الظروف مؤاتيه لتصفية القضية الفلسطينية وشرطها اجهاض مقاومة الضفة لتأديب فلسطيني الـ48.

في المقلب الآخر، وبقراءة متأنية، وباستعراض الوقائع والمعطيات الملموسة والمعاشة، يمكن بيسر التثبت من أن كل المعطيات والظروف الموضوعية موفورة لتنتصر الضفة، وتنتزع انتصاراً اعجازياً يجاوز الانتصارات الإلهية التي حققتها المقاومة في لبنان وغزة.

وبين المعطيات والظروف الموضوعية الوافرة نستعرض:

1- الشعب الفلسطيني في مناطق انتشاره الأربع راهن وأيد وانتظر حلولاً عبر النظم العربية وعبر منظمة التحرير والكفاح من الخارج، ثم عبر التفاوض والاتفاقات والتطبيع وأغرته فكرة الدولتين، ولم يحقق أي شيء من الرهانات والأوهام سوى مزيداً من التهويد للضفة والقدس والتعديات السافرة على المواطنين وأرزاقهم، والمزيد من الاستيطان والعدوانية، وانكشاف سلطة أبو مازن على الخيانة الوطنية، بل التآمر على القضية والشعب ولخدمة الكيان والقتال لحمايته، وأي شعب يصل إلى هذه النتيجة لا يكون أمامه إلا خيار المقاومة، وقد مارسته الضفة ولم تلقِ السلاح ولا خمدت روحها الثورية والمقاومة، وقد تجددت بعنف وحيوية في 2016 و2017 بمقاومة الدهس والسكاكين والانتفاضات والمرابطة في الاقصى وبالمواجهات مع سلطة أبو مازن واجهزة دايتون ومنذ سيف القدس تحولت بثيبات واستمرار إلى السلاح الناري والعبوات المحلية الصنع والعمليات في الداخل وعلى الجنود والحواجز والمستوطنات، وتزداد شهرياً بمعدلات كبيرة فتؤشر إلى مستوى تصاعد روح المقاومة والانخراط فيها على رغم عمليات الاعدام والاعتقال وتدمير المنازل التي تمارسها إسرائيل وتزيد من بطشها وعدوانها.

2- كان مخيم جنبن البؤرة الثورية التي لم تلين قناتها فأصبحت محافظة جنين وامتدت إلى نابلس جبل النار، ويبدو أن الخليل تتحفز ولن تتآخر، وإلى هذه البؤر ما زالت النقب وبئر السبع واللد والجليل تؤرق الإسرائيليين، وقد صرح غانتس وزير دفاع إسرائيل بالقول: لم يسبق لإسرائيل أن كانت بهذا الضعف وقد فقدت السيطرة على النقب والجليل، إشارة إلى حجم التحولات في فلسطيني 48 ومناطق وجودهم الكثيف.

3- مساحة الضفة وحدها تزيد عن مساحة البيئة الاجتماعية للمقاومة في لبنان بالضعفين، وهذه ميزة لصالح مقاومة الضفة، كما أن عدد سكان الضفة العرب الفلسطينيين يزيدون قرابة الضعفين عن عدد الشيعة في لبنان. فلجهة المعطيات الموضوعية المقررة في نتائج الجاري في الضفة تميل الكفة لصالحها ولصالح تصعيد انتفاضتها المسلحة وزياده مفاعيلها، وليست لصالح إسرائيل بالمقارنة مع ما واجهته إسرائيل في لبنان وغزة وهزمت.

4- ما ينقص الضفة بالمقارنة مع غزة ولبنان لانتزاع انتصار إعجازي والهي هو غياب الاتصال الجغرافي الذي توفر للمقاومة اللبنانية مع سورية والقدرة على الاحتضان والتمويل وتأمين السلاح، إلا أن غزة يوم فرضت على نتنياهو أبو الاستيطان تفكيك مستوطنات غلافها مهزوماً تحت النار وبلا تفاوض، كانت محاصرة ولم يكن لها سند ممتد جغرافيا، ومع هذا توفرت لها شروط وامكانات وقدرات النصر وانتصرت.

5- ما كان غائباً ونقصاً للضفة والـ48 غياب القيادة الجريئة والمبدئية والمقاومة بلا هوادة وغير القابلة بالمساومات والتفريط والتهدئة، وهذه باتت تتوفر لها فنموذج فتحي خازم ابو رعد الضابط السابق في الأجهزة الأمنية وفتح، لا ينقصه شيء من صفات القائد، بل أكثر، فقد تشبه بالسيد نصرالله وقدم ولديه شهداء ولم يذرف دمعة أو ترتجف شفتيه وهو يتلو خطبه الحافزة على المقاومة والمؤكدة لوعد النصر والتحرير.

6-  قد تنشغل دول وفصائل المقاومة عن الضفة لجهة نصرتها وفتح ساحات اشتباك وحروب لحمايتها، لكنها لن تنشغل عن تأمينها بالسلاح والحاجات والمستلزمات، وفي واقع اليوم والشبكات وقدرة البشر على تعلم واكتساب مهارات تصنيع المتفجرات والأسلحة والانفاق، لم يعد تأمين الضفة والجليل والنقب أمر مستحيل. فمن اين تأتي مئات آلاف  الطلقات التي تنفق في هجمات على المستوطنات والحواجز بقصد الاقلاق والتخويف وليس فقط بقصد تحقيق الاصابات المؤكدة.

7-  والأهم في الشروط الموضوعية والظرف وبما يشابه كثيراً تجربتي غزة ولبنان، فجيل المقاومة بالسلاح والعبوات والدهس والسكاكين شاب وجديد ومن خارج تشكيلات وثقافات الفصائل والتجارب القديمة وتقاليدها وانماطها في التفكير والعمل، وربما هذه من بين أسباب تجاهل الفصائل والمنظمات لما يجري في الضفة وتركها تواجه لوحدها.

8-  في واقع الأمر ومعطيات الواقع واحداثه وتوازنات القوى في الساحة الفلسطينية وفي إسرائيل وأزماتها الحادة والانفجارية وفي توازنات القوى الاقليمية والعالمية، وكلها تغيرت وتتغير وليست في صالح إسرائيل وحلفها أيضاً تتوفر بيئات حافزة للضفة و48 لاستمرار المقاومة وتصاعدها، بلوغاً لانهاك الجيش والاجهزة الإسرائيلية، وتقليص فاعلية اجهزة السلطة ومؤسساتها، وصولا لانتزاع نصر إعجازي وإلهي أثمن مما تحقق لغزة وللبنان.

ومن غير المنطقي تجاهل أن يكون صمت الجهاد الإسلامي وتظاهر المقاومة في لبنان بالانشغال بالترسيم والأزمات الداخلية، وعدم الرد الفوري السوري على التحرشات الإسرائيلي، وصمت إيران تعبيراً عن عجز أو رهاب أو تجاهل لأهمية الضفة ومقاومتها وضرورة نصرتها، ولو اقتضت الأمور حرب اقليمية أو أيام قتالية، فقد سبق للسيد نصرالله إن حذر من أن تتسبب القدس والأقصى بحرب اقليمية وكررها، والأقصى تنتهك قدسيته بسفور وعدوانية وباستهزاء.

وعليه، فالاحتمال الأرجح أن محور المقاومة وفصائله يتأهبون للمواجهة ويراقبون عن كثب الجاري ويتظاهرون بالتجاهل بقصد التضليل، وإكمال الاستعدادات لوضع وعود وعهود السيد حسن نصرالله وقادة المقاومة والحرس الثوري وإيران موضع التنفيذ، وقد اقتربت لحظة الفعل.

فمصلحة إيران وقدرتها على الإحاطة بالتوترات التي تجري بها بتخطيط من الأطلسي وحلفه  لخدمة إسرائيل، وغالب الظن أن إيران لن تفوت الفرصة وتنشغل بقتال الصغار ما دامت قادرة على منازلة الكبار، وغالب التقدير أنها لن تكرر تجربة سورية ومصيرها.

والمقاومة في لبنان واليمن والعراق تدرك أنها أن تخلفت عن الاستجابة لإسناد الضفة وتركتها لتبطش بها إسرائيل، فالدور آتٍ عليها والأفضل لها أن تساند الضفة وتنصرها لكف شر إسرائيل والأطلسي، بل وللجمهم وإنهاء واحدة من أخطر منصاتهم العدوانية، فكسب معركة التجويع تكون أيسر مع إسناد الضفة و48 لانتزاع النصر واضطرار الأميركي للانسحاب مهزوماً من سورية والعراق.

كيفما ذهبت الأمور وأي كان قرار ومبادرة محور المقاومة وفصائله، فللضفة وفلسطين 48 رب يحميها وشعب الجبارين الذي امتشق المقاومة لقرن، وما زالت روحه الثورية المقاومة تزداد لهيباً وتوقداً لن يتركها ولن يفرط بمقاومتها وتضحياتها.

نعم الانتفاضة المسلحة في الضفة وفلسطين 48 قادرة على ابتداع نصر الهي وإعجازي، ونحن في مساراته والظروف ناضجة والبيئات موفورة، فلن يهزم شعب قاتل لقرن ولم يستسلم في زمن تتوفر فيه ظروف الانتصار.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى