شعب لبنان العظيم غائب أو مُغيّب؟
تحقيق: ريم المحب
في السابع عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2019 نزل الشعب اللبناني إلى الشارع للإحتجاج على الضرائب المُستمرة عليه ورفض المزيد من الأعباء المادية التي أثقلت كاهله وهو لم يعُد قادر على تحمّل ذلك، فإمتلأت الساحات بأعداد هائلة من المواطنين في مختلف المناطق اللبنانية. وقد كان من اللافت خروج فئة من المواطنين يُعتبر أنها كسرت حاجز الخوف لتفترش الساحات والميادين للتعبير عن غضبها وسخطها مما وصلت إليه الحالة الإقتصادية في لبنان.
اليوم وعلى الرغم من تدهور الوضع الإقتصادي وإنهيار العملة اللبنانية مُقابل سعر صرف الدولار الأميركي وما يتبعه من غلاء فاحش وإرتفاع جنوني في أسعار السلع وفقدان عدد كبير من السلع الأساسية بالإضافة إلى إنقطاع الأدوية وحليب الأطفال، والتي إذا وجدت فأسعارها خيالية بسبب رفع الدولة الدعم عنها وبالتالي أصبحت بعيداً عن متناول المحتاجين إليها. أما الكهرباء فحدّث ولا حرج فهي مقطوعة بشكل شبه نهائي عن معظم المناطق اللبنانية وأسعار إشتراك المولدات الكهربائية باهظة جداً ولا يمكن للجميع تحمّلها، والمياه أيضاً مقطوعة عن بلاد المياه ويجب شراؤها فالمواطن يدفع فارتورتين للحصول على ماء للإستخدام والشرب والدولار في إرتفاع مستمر بين ساعة وأخرى وترتفع معه الأسعار كافة بدون حسيب أو رقيب وغيرها من الأزمات التي تعصف بالشعب اللبناني، كل هذه الأزمات تحصل والشعب اللبناني قابع في منزله ولا يتحرك يُشاهد ما يحصل وأقصى ما يفعله هو التعبير عبر وسائل التواصل الإجتماعي عن عدم رضائه عن الوضع الإقتصادي المتدهور الذي وصلت إليه البلاد. وقد نُشاهد بعض الأشخاص الذين ينزلون إلى الشارع لإحراق الدواليب وقطع الطرقات تعبيراً عن غضبهم وسخطهم من الوضع الراهن ولكن هذه التحركات لا يُمكنها أن تؤدي إلى أي مكان ولا تتُحقق أي مطلب حيثُ أنها لا تؤثر على السياسيين بأية طريقة.
هذا التخاذُل الذي يُمارسه الشعب اللبناني يدفع الجميع إلى التساؤل عن السبب وراء ذلك والجمود الذي يُحيط بهذا الشعب المعروف بإعتزازه بكرامته ورفضه لأي إستغلال، ولماذا لم يتوجه إلى الشارع كي يُطلق صرخته كما فعل في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2019؟ “أساس ميديا” كان لها وقفة مع بعض المواطنين الذي شاركوا في تحركات 17 تشرين الأول/أكتوبر وطرحت عليهم هذا التساؤل: لماذا الشعب اللبناني غائب عن الساحات للإعراب عن إمتعاضه من الوضع الإقتصادي المتدهور الذي آلت إليه البلاد؟ وما هي الدوافع التي كانت متوفرة سابقاً وأنزلتهم إلى الشارع والبقاء فيه إلى حين إسقاط الحكومة وهي لم تعُد موجودة الآن؟
ي.ن. سيدة لبنانية من منطقة جونية تبلغ من العمر 58 عاماً وهي لا تعمل حالياً بسبب الوضع المُتردي في لبنان أجابت: “الطبقة الحاكمة فاسدة، الصرافين فاسدين، التجار فاسدين، القادة فاسدين…، وبالنسبة لي فالثورة إن لم يحصل فيها دم فليست ثورة وفي ثورة 17 تشرين الأول/ الناس أحبوا أن يحدثوا تغييراً ولكن لم يكُن هناك قاعدة قيادية موحّدة فكانت عبارة عن بعض الأشخاص الذين حاولوا مُمارسة القيادة لكنهم فشلوا في ذلك، وأنا أعتبر أن هذه الثورة لم تنجح أبداً.” وتابعت السيدة: ” الناس اليوم لم تنزل إلى الشارع بسبب الوضع المالي المُتأزم في البلاد وكُل شخص يسعى لتأمين قوت يومه وحماية نفسه والبقاء دون الحاجة للاخرين فبذلك يكون قد فاز، وبالنسبة لسعر صرف الدولار فهو مُمنهج بين أيادي أشخاص لا يملكون ضمير ولا أخلاق تمنعهم عن التحكّم بحياة الآخرين وبالتالي فمعظم من في البلد هم فاسدين. كما أنه اليوم لم يعُد بإستطاعة أحد التعرض للضرب والإهانة وفقدان عينه أو يده والتحقيق معهم وزجهم في السجون، فقد جربوا هذه الطريقة ولم يصلوا إلى أية نتيجة بل العكس بقي الوضع على ما هو عليه وإلى أسوأ فالغلاء مُستمر ومُتصاعد والأسعار في إرتفاع سريع لذا فالناس لن تُعاود النزول بعد هذا الفشل. والثورة بحاجة إلى أناس شُجاعة مُستعدة للموت لإنجاحها وليس أشخاص ينزلون للإستمتاع والغناء والرقص فقد مات الحماس، خاصة في ظل غياب قيادة موحّدة وهدف واحد يجمع المُشاركين؟ كما تحدثت السيدة ي. عن غياب الجهة المُحركة للمواطنين والذي إعتبرهم طابور خامس يُجيش الشعب ويحثه على النزول مع تنظيم هذه التحركات وذكرت أيضاً سفر العديد من الأشخاص بعد يأسهم من المحاولة وتعرضهم للقمع والإهانة؟”
وفي بيروت كان لقاء مع السيدة ل.ع. البالغة من العمر 56 عاماً وهي ربة منزل فأخبرتنا: ” لقد نزلنا بسبب الوضع المُتردي آنذاك وقد كانت هُناك مجموعات على تطبيق الواتس أب تُنظم التحركات وتُعلمنا بمكانها وزمانها، وقد كانت التنقلات أسهل مما عليه اليوم بحسب الغلاء الفاحش لأسعار المحروقات الآن وقد شاركت بكثرة في هذه الحراكات للإعتراض على الأوضاع المعيشية الصعبة التي كنا نعيشها ولرفض فرض أية ضرائب جديدة. اليوم الوضع مُختلف فلم يعُد بإمكاننا التحرّك بسهولة بسبب إرتفاع أسعار المواصلات والمحروقات كما ذكرت سابقاً وبسبب تعرُّض المُحتجين للقمع والمُحاكمة كأنهم مُجرمين خاصة عند دخول فئة من المُجتمع في الإحتجاجات لتحويلها إلى فوضى بالإضافة إلى عدم وجود دعوات توجّه إلينا عبر مواقع التواصل الإجتماعي للنزول إلى الشارع، وكذلك أيضاً هُناك العديد من الأشخاص قد غادروا البلاد لعدم قدرتهم على تحمّل الوضع القائم وعدم قدرتهم على إجراء أي تغيير.”
في الشمال مدينة طرابلس- الميناء كان لنا لقاء مع السيد ك.ب. البالغ من العمر 46 عاماً ويعمل في مجال الديكور والمفروشات فأخبرنا: ” في البداية لقد نزلنا للتعبير عن غضبنا من الوضع القائم والمُطالبة بالتحسين كما فعل باقي المُشاركين، ولكن عندما شعرنا أن القضية قد تغيرت وتسيّست عُدنا إلى منازلنا ونحنُ كنا قد نزلنا بسبب غلاء الأسعار والأزمات الكثيرة في البلاد. اليوم المفروض كل الشعب اللبناني أن يُعاود النزول إلى الشوارع والساحات، ولكننا لا نقوم بذلك بسبب وجود أشخاص مؤذيين في الطرقات والذين ينزلون اليوم هُم أشخاص مُسيسين ونحن نعرف لمن يتبعون لذلك الناس تمنّعت عن النزول إلى الشارع مع العلم أنّ هذا خطأ برأيي فالمفروض على الناس النزول إلى الشارع ومُطالبة المسؤولين لحل الأزمة. والحل –برأيي أيضاً- يتمثّل بنزول الناس إلى منازل السياسيين لأن قطع الطرقات على الشعب ليس حلاً فنحن نقطع الطرقات على بعضنا البعض، كما يُمكنهم الذهاب إلى قصر رئيس الحكومة في طرابلس وإلى منازل الزعماء والنواب فلا هُم ولا أولادهم أفضل منا ولا من أولادنا فهُم يعيشون أفضل حياة وأولادهم يرتادون المدارس في حين أننا غير قادرين على تأمين معيشتنا والبعض غير قادر على الإشتراك بالمولد وليس لديه الماء. المُتظاهرون قد أضاعوا الهدف الذي هو منازل السياسيين وإذا حققوا ذلك يتغير وضع البلد، غير أنهم لا يقومون بذلك لأن هناك خوف لدى اللبنانيين فمنذ فترة ذهب بعض المحتجين إلى منازل السياسيين فأطلق مرافقيهم النار عليهم الأمر الذي أخافهم ودفعهم للتراجع خاصة أنهم كانوا قد ذهبوا برفقة أولادهم وعائلاتهم فقد تعرضوا للقمع، ولكن كان المفترض الذهاب بأعداد كبيرة إلى منازل السياسيين الأمر الذي يضع حاجزاً أمام قمعهم. ومن جهة ثانية وكي لا تكون التجمُعات كبيرة يقوم بعض السياسيين من شراء بعض الأشخاص الذين حالتهم المادية معدومة فيدفعون لهم للقيام ببعض التحركات التي لا تطال نفوذهم.
وفي الجنوب مدينة صيدا كان لنا لقاء مع السيد ح.ب. مواليد عام 1964 ويعمل في مجال الصناعة فقال: ” الثورة بالنسبة لي مسيسة وهي من فعل السفارات كما كان يُقال وهذا ما أثبتته الأيام لغاية الآن وبالنسبة للنواب فهم مثلما كانوا والناس لا تزال تتبع نوابها وهذا ما يحصل لنا. لقد نزلت عدة مرات مع أولادي لكن عندما وجنا هُناك غناء ورقص وأراكيل لم أعد أهتم بالنزول، فكُل شخص لديه منظوره الخاص لهذه الأمور.” وتساءل: “أين المسؤولين عن الثورة ؟! فالكُل مُسيّس وما زالوا لغاية اليوم يدعوهم للنزول ثم التوقف والقصة أصبحت بدون مغزى وأنا غير مؤمن بهذه الأمور. الذين ينزلون الآن ربما هُناك ينزل من وجعه وحرقة قلب على الوضع الإقتصادي المُتدني والذي يُحرك هذه الإحتجاجات الآن هُم الأشخاص الذين يُدفع لهم لتحريك الشارع، وأنا غير مُستعد للنزول والتكسير والإخراق إنما إذا أصبحت الأمور جدية فأنا أول المُتضامنين وسننزل مُجدداً إلى الشارع.” وفي سؤال عن عدم نزول الناس إلا الشارع على رغم سوء الأمور أجاب: ” الناس اليوم يخشون النزول بسبب القمع والتعنيف الذين تعرضوا له من قبل الجهات الأمنية وجهات أُخرى موجودة على الأرض ، هكذا أصبح وضعنا وطالما أن الأمور تسيست فلا يوجد ثورة قريبة.”
وفي النبطية – جنوب لبنان كان لنا لقاء مع السيد ع. ا. البالغ من العمر 52 عاماً وهو لا يعمل حالياً بسبب الوضع المُتردي في لبنان وأخبرنا: ” لقد شاركنا في بالإحتجاجات بكثافة رفضاً للمحاصصة والتراكمات الحاصلة في البلاد فلا يوجد إستشفاء، أدوية ,مواد أساسية مفقودة … لقد نزلنا للإعتراض على أية ضرائب إضافية لعدم القدرة على تحمّل أية أعباء جديدة وقد بقينا طويلاً بالساحات والناس قد نزلت بكثرة حيثُ قيل أنها كسرت حاجز الخوف ونزلوا للمطالبة بلقمة عيشهم وحاجاتهم الأساسية غير أنّ هذه الإحتجاجات لم تصل لمصاف الثورة، وقد تعرّض المحتجين للقمع والطرد من الساحات كما تعرّضنا للتخوين والإعتداء الجسدي… اليوم وبسبب الغلاء الفاحش فالناس أصبحوا مخدرين همهم الأوحد تأمين لقمة عيشهم، وللأسف هُناك أناس يعتمدون على مساعدات المسؤولين وبالتالي فهم مرتهنين لهم كما يوجد جهل عند بعض المواطنين الذين يعتبرون أن طائفتهم هي حمايتهم والناس قد خافت من حملات التخوين والقمع التي طاولتهم، كما أن نتيجة الإنتخابات الأخيرة قد خيبت آمال الناس فلم يعُد لهم أي أمل في أي تغيير.”