
التحضير لانتخابات البحرين 2026 – 4
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
عقدٌ كاملٌ من الزمان مَر على البحرين منذ بدأت الدولة في فرض إجراءات مشددة ضد المعارضين الذين اعتبرتهم معرقلين للعملية السياسية، بدأ ذلك في العام 2014 حين تم تقليص صلاحيات مجلس النواب، وبدأت سلسلة من القرارات والأحكام القضائية التي تم بموجبها حل بعض الجمعيات السياسية الوازنة، ولم تكتفي السلطات بذلك بل دشنت عصراً من التضييق على مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، منعت خلاله آلافاً من النشطاء والإداريين من الترشح لمجالس إدارات الجمعيات الأهلية والتعاونية والخيرية والنسائية والمراكز الشبابية والأندية الرياضية، فهل جاءت النتيجة كما أراد من اختار هذا المسار المتشدد.
بكل صدق وموضوعية، أستطيع القول إن قلة محدودة من النشطاء هي من إنسحب من الساحة، لكن أغلب السياسيين والمشتغلين بالشأن العام لايزالون يديرون العمل السياسي والأهلي بشكل أو بآخر، وربما أصبح تأثير بعضهم أكثر بكثير من ذي قبل، فلقد تحرروا من القيود الرسمية والحاجة إلى الإلتزام بالمحاضر ورفع التقارير بشأن الأعمال التي يقومون بها والإتصالات التي يجرونها مع مختلف الجهات والأفراد داخل وخارج المملكة، وكما يقول المثل الشعبي المعروف “اللي يبغي الصلاة ماتفوته”، لقد كان توجهاً مستعجلاً ومشورة غير موفقة جاءت بنتائج عكسية، وقد حان الوقت للتراجع عنها بكل شجاعة وجرأة.
إن تلك القرارات غير الموفقة ساهمت في رسم صورة سوداوية لمشهد الحُريات والانفتاح السياسي الذي أراده جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه واجهة للبلاد، ووفرت مادة قانونية وحقوقية وسياسية كبيرة يستفيد منها من يريد محاكمة نوايا النظام والتصيد عليه، وملاحقته في مختلف المحافل الأممية والدولية، وبعيداً عن الصور الجميلة التي يختلقها بعض الإعلاميين والسياسيين المتزلفين والمحسوبين على أو القريبين والمستفيدين من السلطة ومغازلتها، فإن مملكة البحرين قد خسرت جزءاً من سمعتها وصورتها الجميلة التي تحققت في السنوات الأولى من عمر المشروع الإصلاحي، حين أصبحت أيقونة للتحول الديمقراطي في المنطقة، ومضرباً للمثل في الحريات والانفتاح والتواصل واحتضان المعارضين الذين عادوا للوطن بالمئات بعد عقود من الغربة.
لقد أدت قرارات العزل السياسي مفعولاً عكسياً عن ذلك الذي توخاه من أشار بها على بيت الحكم في البحرين، فالسياسيون والنشطاء المجتمعيون في مختلف المواقع تمكنوا من التأقلم مع قرارات العزل السياسي والاجتماعي، بل إن قرارات العزل قد ساهمت بدون قصد ربما في الزج بأجيال جديدة من النشطاء في ميدان العمل العام، لا تمتلك الأجهزة المعنية والأمنية خلفيات عنهم وعن إمكانياتهم وقدراتهم وآرائهم ومستوياتهم الفكرية، الأمر الذي يستوجب منها بذل المزيد من الجهود للتعرف على تلك الكوادر التي دخلت الميدان عنوة وفي ظروف استثنائية، والسلطة بحاجة إلى وضع أسس جديدة للتعامل معهم، خاصة وأن أغلبهم من جيل الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي الحديثة.
وإذا كان ولابد من المصارحة، فإن الدولة وبالتحديد التجربة الديمقراطية هي الخاسر الأكبر من صدور أحكام حل الجمعيات السياسية، وقرارات الإقصاء والعزل السياسي لآلاف من الناشطين السياسيين والمجتمعيين، فلقد أصبحت الإنتخابات النيابية ذات صبغة باهته، وأصبح مجلس النواب لا يكش ولا ينش، وربما لايعدو عن كونه لقاء أسبوعي مدفوع الأجر والمكافئات، يُشارك فيه عدد من الشخصيات المتنمقة والمعتادة على الكشخة والتعطر، وتدبيج الكلام الجميل، والقادرة أحياناً على إختلاق الانفعال لشد الجمهور والحصول على بعض التصفيق والمدح والثناء، ولا بأس من إطلاق النكات وتوزيع الإبتسامات في أحيان معينة، لكن أغلبهم فضل السكوت والصوم عن الكلام حتى يحظى بالمحبة والتقدير والإحترام وفق قاعدة ” الباب اللي يجيك منه الريح سده وإستريح”.
وحدها السلطة صارت اللاعب الرئيسي والأساس الذي يحاور نفسه ولا يخرج بجديد، فهي تقرر ماذا تريد وكيف تريد ومتى تريد، أما أغلبية النواب فهم يلعبون دور الكومبارس الذي يردد بضع كلمات حفظها عن ظهر قلب، وإيماءات ميكانيكية يقوم من خلالها بالكبس على أحد الأزرار الموجودة في لوحة الطاولة الأمامية، وقد إختار أغلبهم زر الموافقة عند التصويت على أي من المشاريع المحالة لهم من الحكومة الموقرة لكي لا يتعب نفسه أبداً، ولا يتعرض للوم أو العتاب، فربما تأهل لمنصب وزاري أو شوري في التعديلات التالية، حتى كادت هذه الأزرار تشتكي من كثرة الطرق والكبس الذي تتعرض له دائماً.
وأمام هذا المشهد البائس الذي فرّغ التجربة الديمقراطية من كثير من مضامينها السياسية والإدارية والحداثية، يُطل برأسه سؤالٌ مشروع، هل حان الوقت لمعالجة هذه التداعيات السلبية، وهل يمكن أن تقوم الجهات المعنية بمراجعة القوانين والقرارات التي استصدرتها واختبرتها طيلة عشر سنوات من العزف المنفرد على القانون بالحزم والإصرار، لكنها لم تؤتي سوى الحصرم والندامة وتؤدي إلى راجع مكانة المملكة على المستوى الدولي وفق كافة مؤشرات الحرية والشفافية وحقوق الإنسان، إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب شجاعة كبيرة نحسب أن من يريد تطوير التجربة الانتخابية في العام 2026 مطالب بدراستها بتأن تام والتعامل معها بجرأة ،حتى ولو كانت الأجوبة المطلوبة مؤلمة، فالولادات الجديدة لا تأتي إلا بعد مخاضات عسيرة، وللحديث صلة