
لبنان الانتخابات الرئاسية: ثلاثة احتمالات أرجحها الاستعصاء فالانهيار 2/2
فرنجية الفرصة الذهبية ولكن...
ميخائيل عوض
من الأنباء السارة والمؤشرات التي قد تضيء شمعة في ليل الفراغات اللبنانية الكالحة، ما قاله الباحث قاسم قصير، من أن السيد نصرالله التقى كوادر الحزب والمقاومة، وحثهم على التفكير بالمستقبل والاسترشاد بالماضي وإعطاء الاهتمام الأكبر للأوضاع الداخلية لاستنباط رؤية ومشرع، وأضاف قصير معلومات عن وثيقة تعدها البطريركية، وتتحاور مع حزب الله لتشكل تفاهماً وإن حصل، فالمنطقي بحسب تقديرنا قد يحل محل تفاهم مار مخايل الذي قتله الوزير جبران باسيل عن سبق تصميم وتصور، وأفقد عهد الجنرال عون فرصة أن يكون منصة التغيير والعبور بلبنان من عهود الفراغات إلى النهوض بتجديد وظائف الكيان المأزوم وتطوير النظام المفلس ليكون له قابلية الحياة.
وكلام قصير يكتسب مصداقية من قائله ومن تركيز خطب وكلام السيد حسن نصرالله في إطلالته على الأوضاع الداخلية، التي باتت على ما يبدو تحتل أولوية عنده على الانخراط في الساحات الاقليمية. ويتعزز هذا الاتجاه بعد تفاهم الترسيم البحري وتراجع أهمية السلاح واحتمال نضوب وظائفه إذا ما حزم حزب الله أمره وتلبنن على حساب إسلاميته وشعارات التأسيس وفي أهمها، يا انا قدس قادمون…
بين ارهاصات تحولات حزب الله واحتمالات تغير أشرعته أن تحققت وسيادة حالة الفراغات في النظام والدولة والمؤسسات، وتسارع الأزمات المالية والاقتصادية مع بدء تطبيق الموازنة ورفع تعرفة الكهرباء والدولار الجمركي، وتفلت الدولار بعد تبديد ونفاذ احتياطيات المصرف المركزي، وفي واقع أن الكتلة الشيعية تتمظهر بأنها أم وأب النظام وقد ورثته مفلساً ومأزوماً وتتعمق فراغاته وتتصاعد نذر انهياره، نقرأ في الواقع وتوازناته ومعطياته ثلاث احتمالات بسيناريوات مختلفة.
الاحتمال الأول: والأرجح، استمرار الفراغات وبلوغ القاع والارتطام الانهياري وعلاماته المرجحة كثيرة لا تعد ولا تحصى، فالمجلس بفوضاه وبغياب الكتل الطائفية الكبيرة يفتقد لميكانزمات إنتاج صفقات وتسويات تؤدي إلى انتخاب رئيس وتشكيل حكومات لم الشمل المحاصصة .
الشارع في حالة قرف وكمون ولا وهم أو رهان عنده على وعود اختبرها، وعلى قوى صاعدة أو مخارج بعد الانتفاضة الثورية وتبديدها بـ13 نائباً هواة ولا تغييرين أو فاعلين.
والفراغ في السنية السياسية وعجز السفير السعودي عن إملائه يعطل التوافق المعتاد على الرئاستين، وانهيار المارونية- المسيحية السياسة وبلوغ الصراع بين قطبيها التيار والقوات منزلة الموت أو الحياة مع فقدان الوجود المسيحي لوزنه العددي والنوعي، وضعف تأثير البطريركية على رغم ما أطلقته من مبادرات ومواقف أقصى اليمين لاحتواء الحالة وعجزها عن توحيد القوى والتأثير بالشارع واستنهاضه لتفويضها الأمر، تفقد التسويات عامودها الثالث ولا امكانية موضوعية لتلبية حاجة وتحقيق شعارات الكتلة الشيعية الحاكمة بالتوافق والتحاصص عبر الحوار، ورفض دعوة رئيس المجلس للحوار خير دليل وقاطع.
لهذا يبدو احتمال وسيناريو استمرار الفراغات والعجز عن إجراء الانتخابات الرئاسية، وتالياً تحقيق وعد معاونة وزير الخارجية الأميركية باربرا بانفجار اجتماعي، وتحلل وانفراط عقد المؤسسة العسكرية يكتسب مصداقية وله حظوظ أعلى من احتمال انجاز الانتخابات، وكلام البطريرك ودعوته لمؤتمر دولي يصب المياه في طاحونة احتمال الانهيار وليس تأمين تفاهمات على إجراء الانتخابات.
الاحتمال الثاني: الاتفاق على ترئيس قائد الجيش على رغم أن القوات اللبنانية حاولت حرقه بترشيحه، وبتبنيها خيار رئيس محارب ومن لونها ورفضها للتسويات، ويبدو أنه احتمال منطقي، فالقائد أثبت جدارة ووطنية وحرصاً على المؤسسة وحماها وعبرها أمن الانتخابات النيابية وأمن الاستقرار السياسي والوطني، والعلاقة بينه وبين حزب الله ممتازة كما صرخ الباحث قاسم قصير، ولم يسجل على حزب الله موقفاً ضده ولا وقعت احتكاكات أو اشكاليات بين الجيش والحزب في عهده، إلا أن حظوظه محكومة بتفاهمات إيرانية- أميركية، وعلى رغم كثرة التسريبات والتحليلات التي سيقت عن قرب تحويل إيران أشرعتها إلى الغرب وطلاقها مع آسيا والشرق ومغادرتها محور المقاومة، وسوق أدلة على ذلك كالترسيم البحري في لبنان وإنجاز العراق لاستحقاقاته بتمكين حلفاء إيران، والقول إن التفاهمات تقتضي توليه أميركا وتفويضها في لبنان كتفاهم تهدئة وإدارة مصالح وتقطعاتها، إلا أن المعطيات والوقائع تنفي قاطعة امكانية أن يقوم تفاهم أميركي- إيراني لتسليم لبنان للإدارة الأميركية ليكون قائد الجيش رمزها وأداتها، فلا الواقع اللبناني يحتمل ولا توازنات القوى الإقليمية وتبدلاتها، وما هو جار عالمياً بعد حرب أوكرانيا واشتداد أهمية والصراع على شرق المتوسط، وصعود قوى ومحاور دولية واقليمية فاعلة ومعنية تجيز أن تتفرد إيران وأميركا في تقرير تسوية وإدارة للبنان، وبتجاهل عدائي لسورية ولروسيا ولمشروعات أوراسيا والطريق والحزام.
لهذا يبدو احتمال قائد الجيش والمرغوب شعبياً، وخاصة مسيحياً وغير المرفوض شيعياً وسنياً، ومع كل هذا تبقى فرصه أضعف من الأول وأقل رجحان.
الاحتمال الثالث: فرنجية رئيساً ولتخرب البصرة…
ما سرب عن طلب رئيس الحكومة للنواب السنة الـ11 بالتصويت لفرنجية عند نضج الظروف والإشارة إليهم منه، وما سرب عن أن رئيس المجلس النيابي أبلغ نواب كتلته بترئيس فرنجية بعد خلو القصر وإنتاج الظروف المناسبة، وذات التوجه عبر عنه رئيس المجلس في خطبه وفي إطلالاته وإطلالات نواب وقادة حركة أمل، وقد أفصح السيد حسن نصرالله في إطلالته بمناسبة يوم الشهيد بوضوح ما بعده وضوح أن مرشح الحزب هو فرنجية وساق مواصفاته كمواصفات للرئيس المطلوب والممكن. وذات المغزى كشفت عنه زيارة الوزير جنبلاط واجتماعه المطول مع الرئيس بري وما صرح به.
وحده الوزير باسيل من تحالفات حزب الله رفع سقف التحدي والممانعة وجعل معركته مع فرنجية معركة مصير ومستقبل.
الموقف التصعيدي جاء بعد فشل لقائه مع السيد نصرالله ورفض فرنجية عرض الاتفاق على مرشح ثالث، وعدم تلبية سورية لرغبة باسيل زيارتها، وعدم تحقيق زياراته لقطر ما هدف إليه وسعى.
ويزيد في حظوظ فرنجية لقاء الأونيسكو للتذكير باتفاق الطائف وحماته ورعاته الذي نظمته ودعت إليه السفارة السعودية وحفاوته بحضور فرنجية، ما يعطي مؤشرات على أن الكتلة السنية في البرلمان ستصوت لفرنجية وعند احتساب الأصوات يمكن لفرنجية أن يبلغ الـ65 صوتاً في الدورة الثانية وربما أكثر، وقد بدأت ظواهر التشققات في مواقف نواب كتلة التيار الحر تتصاعد في تفرد نائب رئيس المجلس النيابي في الجلسة الأخيرة للبرلمان، وأيضاً في الضغوط التي تسعى لإلزام التيار، إما بترشيح شخصية وخوض الانتخابات لأجله أو الانحياز لمرشح والخروج على الورقة البيضاء التي أصبحت أقرب إلى النكتة.
فرص فرنجية أو ليكن الفراغ كبيرة وراجحة، على رغم تصريح باسيل بأن التعطيل حتى تأمين الرئاسة لعون لا تنطبق حالته على فرنجية، وهو بكل حال قول جائر واستفزازي لحزب الله وللكتلة الشيعية قبل أن يكون افتعال أزمع مع فرنجية.
وبافتقاد الدكتور جعجع للفرصة ولغياب امكانية انتخاب ميشال معوض ولاستحالة انتخاب مرشح للتيار الوطني الحر ولمأزق انتخاب قائد الجيش، تصبح فرصة فرنجية كبيرة والتوازنات المادية تميل لصالحه والظروف تستوجب رئاسته.
إلا أن وصوله إلى الرئاسة يتطلب نصاب الثلثين غير المستبعد تأمينه بذريعة أن لكل كتلة مرشح وتتعزز إذا رشح باسيل اسماً فيتحقق النصاب، وبتحققه تتوفر فرصة فرنجية القادر على تحصيل الـ65، وبكل الأحوال هو الأقدر على تحقيق أعلى الأرقام.
إلا أن وصول فرنجية للرئاسة ولو تم عبر اللعبة الدستورية وبإخراج متقن لمهندس اللحظات الصعبة في لبنان رئيس مجلس النواب، سيعتبر عند باسيل وتياره وعند القوات والكتائب والآخرين بمثابة معركة كاسرة قد لا تغطيها البطريركية وإن رغبت فلن تنجح، ولن تجمع حولها عناصر قوة ووزن في الكتلة المسيحية، عدا عن أن فرنجية سيعتبر خطوة كاسرة للنفوذ الأميركي في الدولة والمنظومة، ما قد يدفع إلى تمردات وتحركات رافضة ودعوات للانعزال والمقاطعة وتشكيل جبهات وقوى وتحركات مواجهة.
السؤال القاطع جوابه في الحسم بين أي من الاحتمالات الثلاثة الأوفر حظاً هو: هل قرر حزب الله في طور تحوله إلى اللبننة خوض معركة تطهير وتحرير الدولة ومؤسساتها من النفوذ الأميركي مهما كان الثمن؟
إذا جاء الجواب بالإيجاب، فلبنان على عتبة إجراء الانتخابات الرئاسية وفرنجية رئيساً ومعركة مع النفوذ الأميركي في الدولة والبنية الاقتصادية قد أزفت، وامكانيات الإحاطة بالأزمة وعلاجها باتت ممكنة وتتوفر عناصرها وشروطها ومهمة تطوير النظام وصيغته بتعديل توازنات المنظومة والطبقة، ومغادرة طريقة تشكيل الحكومات بالتوافقية والصفقات، وهذا يؤسس للشروع بابتداع دور ووظائف للكيان تتفاعل مع حقبة إعادة صياغة وتشكل المشرق والعرب والإقليم في سياق إعادة هيكلة التوازنات العالمية، وتوفير وظائف للكيان تواكب ما حققته المقاومة في الانتصارات الثلاثة، وفي ثلاثة إلى تحريرات وبذلك تصير كلمة لبنان وثلاثيته الذهبية هي العليا في الصراع مع “إسرائيل” وأدواتها وحلفائها في لبنان والعرب والاقليم، كما ستكون بمثابة تأكيد لما نقله الرئيس الفرنسي ماكرون لزواره عن لسان الأمير محمد بن سلمان، وإشارة إلى تحولات نوعية في السعودية، وتتأكد أنها بانعطافه للتصالح مع سورية وإدارة مصالحها في لبنان عبرها، تمهيداً للتفاهم على إدارة المشرق العربي وتنظيم العلاقة التفاعلية والإيجابية مع إيران.
أما اذا كان جواب حزب الله بلا ولاذ بالقول: إن الظروف لم تنضج بعد ولبنان لا يحتمل الاشتباك مع النفوذ الأميركي في الدولة والاقتصاد، فهذا يعني أن خيار توسيع دائرة الفراغات والانهيار سيكون الأرجح… ويصير الاستعصاء هو سيد الحالة، ولا حل للاستعصاء إلا بالكسر…