
لبنان ينهار… أين المفر؟
أجواء برس – تقرير سياسي
كتب ميخائيل عوض
طفح الكيل ووقعت القشة على ضهر البعير فقصمته، وبات لبنان مكشوفاً على كل الاحتمالات من دون ضوابط أو روابط وبلا أمل يرجى من حكومة يستحيل تشكيلها أو من تبني ودعم اسعافي لم يعد أحد قادراً عليه والقادرون لم يعد لبنان يعنيهم.
هذا ما صنعته أيدي الطبقة والمنظومة المافياوية، التي خلقت أزمة غير مسبوقة حتى خبراء صندوق النقد يصفونها أنها الأكثر عنفاً من كل الازمات التي سبقت منذ قرن ونصف.
من المسؤول؟ سؤال بلا جواب! فالكل يحمل الكل المسؤولية والناس في ضياع ليس أقل وطأة من ضياع المنظومة وتفككها وعجزها عن إنتاج إدارة للأزمة أو لتدوير زواياها بانتظار استحقاق الانتخابات النيابية أو رسو معادلات الإقليم والعالم على جديدها.
الانهيار أصبح حالة معاشه وكل يوم سيحمل المزيد من الأزمات والارتباكات والاختناقات، فالحاكم كالقضاء كالمؤسسات والسلطات في حالة من الضياع والارتجال والارتهاب، ولا أحد لديه حل أو جرأة على التفكير بحل من خارج الصندوق.
حاكم المصرف أبلغ الجميع أن لا قدرة له على تغطية الدعم والنفقات. فالكهرباء تراجع إنتاجها بمعدلات كبيرة، والبنزين ينضب وتتراصف الصفوف الطويلة على المحطات، والتوترات تتحول إلى السلاح على كيلو الرز المدعوم أو على عشرة ليتر بنزين والآتي أعظم.
لا أمل بمخرج ولا أحد يملك مفاتيح سحرية او اقتراحات عملية لوقف الانهيار، فكل فريق متمسك بشروطه وبرؤيته والكل يتصرف بقاعدة فليسط الهيكل على الجميع، والهيكل قاب قوسين من السقوط، فهل من ناجٍ؟ هل من خطط لما بعد السقوط والانهيار؟ من المستفيد؟ وما الذي ينتظر لبنان وأهله الطيبين؟
في الاحتمالات
1-انتفى احتمال تشكيل حكومة يرأسها الحريري ولم يعد من زمن لإصلاح الدستور لسحب التكليف، وكل ما قيل عن إجراءات وحلول تبخرت وضل الأمر بيد الرئيس المكلف وحده.
2-احتمال الاعتذار قائم لكنه في علم الغيب وعلى شروط المكلف غير المعروفة وأو المطروحة، وليس من توازن داخلي يلزمه أو يضمنه ويحقق شروطه، وبكل تأكيد ليس من ضمانات أو ضغوط خارجية، فالكل منشغل عن لبنان وغير مستعد لبذل حتى النصيحة.
3-الاستقالات النيابية وانتخابات مبكرة ربما أصبحت طبخة بائته على رغم أن الكل لوح بها وهدد وحاول الاستثمار وتذاكى، وجميعهم يعرفون التبدلات الجوهرية في المزاج العام، إضافة إلى أنهم جميعاً يعرفون أن الازمة في النظام وليس في المجلس الذي أنتج على أبشع صور النظام المشبع إفلاس والمتيبس إلى أقصى الحدود في أتفه قانون انتخابي عرفته الديمقراطيات الجدية، ويضاف أن الزمن لم يعد ملك من يبحث عن سقوط آخر أعمدة الهيكل، فالاستحقاق قد دنا زمنه. وإن لم يسقط المبنى على الجميع فالأرجح أن يمدد للمجلس الحالي بقوة الواقع وبسبب رهاب المنظومة أن تفقد السيطرة.
4- انعقاد مؤتمر حوار وطني بدعوة من الرئيس تشوبه تعقيدات واعتراضات كثيرة ووازنة من الطبقة، وأن عقد فلن يكون ذو جدوى ما لم يكن هدفه إحداث الفرز على أساس برنامج وسيناريو معد مسبقاً لعزل وتهميش أفرقاء وهذه مشروطة بتفاهمات عميقة بين عون وحزب الله، الذي لم يتحرر بعد من تحالفه مع أمل والرئيس بري.
5- الناس ستهيم على وجهها وسيتحول البلد لحارة كل من يده له، أي ستنشأ سلطات القوى والجماعات المنظمة حزبياً أو مافياوياً ومصلحياً، والمؤسسة العسكرية لن تستطيع الإحاطة وضبط التفلتات والأمن، وغالباً ستنكفأ إلى الثكنات وتتركز في المناطق التي لها فيها حمايات اجتماعية وكتل ضامنة، وقد اتحد الرأي والجهد على تأمينها بالحد الأدنى لحماية وحدتها وبقائها إلى ساعة الحاجة إن دنت. وكل ما قيل عن انقلاب أو ما شابه تبخر في الهواء، فالمؤسسة وتوازناتها والبلاد وأزمتها لا توفر فرصة لانقلاب أو إمساك المؤسسة العسكرية بالأوضاع ولو موقتاً لإدارتها، ولا حتى لتفويضها بالأمر برضى أركان الطبقة والمنظومة.
6-تبقى رهانات الجنرال عون وحلفه حزب الله غير معلنة ولا واضحة العناصر والحسابات المستقبلية، ومن الراجح أنهما وضعا على أوراقهم والخرائط السيناريوات وأعدوا خططهم للتعامل معها، وما يمكن استنتاجه من خطب السيد حسن نصرالله وإجراءات حزب الله الميدانية، ومن خطب الرئيس عون ومقابلاته، هو أنهما متحالفان وسيكونان معاً بالسراء والضراء وفي إدارة مرحلة الفوضى والانهيار بانتظار البناء على ما سيكون ولهما حلف إقليمي صاعد قادر على حمايتهما وتثبيتهما ركنان في إعادة الهيكلة وفرص العودة للنهوض. ففي الخطب لكلاهما تركيز على ضرورة مؤتمر تأسيسي وتغير جوهري في النظام وإنتاج طبقة سياسية جديدة، بعد أن أفلست محاولاتهما لتطويع الطبقة وأو تقليص دورها ونفوذها في النظام والمؤسسات، سعياً لإصلاح متدرج أو تغير سلس.
كيفما جرى التفكير بالأزمة وعناصرها وأبعادها وأثر ما جرى في الأيام الأخيرة، يصل إلى نتيجة واحدة مفادها الانهيار وسقوط الهيكل بات محققاً، وقد يكون مطلباً وقراراً لجهات محلية وإقليمية، فالبناء قد تآكل واستحال ترميمه ليكون الخيار البناء على إنقاذه، فماذا بعد؟ وكيف ستدار الفوضى؟
الثابت أن لا حرب أهلية ولا مناطق سيطرة كاملة آمنة مؤمّنة لأي جهة، وإن كان مثلث حزب الله الذهبي، بيروت الناقورة- بيروت المصنع- بعلبك الأكثر انضباطاً وتوفيراً للحاجات الضرورية والأساسية الحياتية وغيره من المناطق، فمتروك إما للجيش أو لقوى ومجاميع الأمر الواقع، وما زال خطر سيطرة جماعات مسلحة تقيم إمارات في بؤر ومناطق نفوذها قائماً، ولو بحظوظ أقل، مع ارتباكات تركيا وأزمات الإخوان المسلمين وتراجع دور ونفوذ قطر وتخلي السعودية والإمارات عن توظيف وإسناد الجماعات الإرهابية المسلحة، ويزيد في تراجع هذا الاحتمال إتمام سورية لاستحقاقها الرئاسي بلا أي تشويش أو تخريب وتزاحم الوفود العربية والعالمية على أبواب دمشق، وسريان الإشاعات والتحليلات عن تلزيم دولي للبنان لسورية التي لم تظهر حتى اللحظة اهتماماً أو حفاوة، وكأنها تدرس الأمر وتتصرف بتأني يبطن، إما عدم رغبتها لأولوياتها أو وهو الأرجح تدرس بعمق وتأني فرصتها لتصير نهائية وفي لحظتها المناسبة إنفاذاً لمشرعها الشامي والعروبي، لأنهاء سايكس- بيكو ونظمه وجغرافية، يحفزان على هذا أزمة الأردن المستعصية وخسارة إسرائيل لفرص استمرارها على ما كائنته من قوة ومكانة وحلفاء ومشروع.
الخلاصة
لبنان دخل حقبة الانهيار، والانهيار لن يترجم حرب أهلية ولا احتمال لتفاهمات على تقسيم أو فيدرالية أو كونفيدرالية، ولم يعد من مخارج من ضمن السائد والدستور وتوازنات المنظومة ومقولات اللاغالب واللامغلوب.
الفوضى الوصفة الوحيدة والفوضى سيرافقها توحش وجوع وعمليات تصفية وتوترات أمنية وتشليح وخطف، والمثلث الذهبي لحزب الله لن يستطيع التمايز طويلاً وحل معضلاته لمدة زمنية طويلة، ولن يبقى في منأى من الفوضى والتوترات والاختراقات والإرباك.
ما قد يحضره حزب الله وما قيل عنه إنه أصبح في جاهزية لتأمين المحروقات والأدوية والحاجات عن طريق إيران وحلفائه وبأسعار معقولة، نسبة لما هو متوقع من تحليق للأسعار وفقدان للمواد والأدوية، وإن فعلها سيؤمن حاجات لن تكفي وسيكون من النتائج كسر سلسلة الاحتكار المافيوية وتغيير اتجاهات وعلاقات السوق وقبول اللبنانيين للتوجه شرقاً، لا رغبة بل بفعل الحاجة وبضرب سلاسل الاحتكار وبسقوط القطاع المصرفي وتدمير المرفأ.
ستتغير قواعد ارتكاز النظام الموروث من حقبة الانتداب وستتغير توازنات البنية الاجتماعية والسياسية، وتالياً وظائف الكيان إن بقي كيان بالمعنى الدارج والمعتاد.
كيف ستعبر الفوضى عن نفسها؟ وبأي طرائق؟ تلك تعلنها الأيام الآتيات.
ماذا بعد الفوضى؟
فالاحتمالات تتراوح بين استمرار الفوضى طويلاً ليجهز على لبنان الذي عشناه ونعرفه ويصبح في آخر قائمة الدول والشعوب وتضيع كل ميزاته، أو سيتم تلزيمه لسورية وسورية ستسهم بإعادة هيكلته أولاً وابتداع وظائف جديدة له ونظام مختلف جوهرياً وهذه قد تستغرق وقتاً وعلى الأغلب سيتأخر السوري عن التدخل والإدارة إلى أن يصبح لبنان ثمرة ناضجة سهلة الهضم.
هذا ما صنعته المنظومة المافياوية وهذا ما سيحصده اللبنانيون الذين تفرقوا جماعات وشيع وقبائل سياسية تنام على مخدة حرير وعود وأكاذيب واوهام الزعماء ورجالهم في المؤسسات.
لم يعد مقبولاً من أحد أي كان وفي أي مستوى اجتماعي أو ثقافي ومهني أن يقول تفاجأنا وأخذنا على حين غرة، فالأزمة وعناصرها وسياسيات المنظومة والطبقة كانت معروفة وباينه وقد حذرنا وحذر منها عشرات الخبراء والمهتمين لكن الآذان كانت صماء والعقول في حالة تخدر وعطالة من جراء فتات ورشاوي المنظومة والطبقة السياسية، واليوم لم تعد الفرص كثيرة ولا زمانها طويل للإنقاذ الذي يمر حكماً عبر حكومة انتقالية بصلاحيات تشريعية للإحاطة بالأزمة وضبطها فمعالجها والعلاج ليس صعباً ولا معقداً ولا طويل الأمد.
إرادة الإنقاذ أن توافرت واجتمع أصحاب المصلحة فيها يمكن فرضها قبل فوات الأوان ساعة لا ينفع الندم.
فلبنان القديم انتهي ومات وتعفن وينتظر مراسم الدفن عساها ألا تكون مؤلمة جداً.