
السوق العقاري يتقلّص ويتحوّل الى الدولار الحقيقي
بعد عامين من النمو الاصطناعي، بدأت حركة المبيعات العقارية بالتراجع. وبعد مبيعات كثيفة خلال العام 2020، وأقل كثافة خلال العام 2021، كان الهدف منها تسديد قروض او التخلّص من وديعة عبر تحويلها الى محفظة عقارية، بدأ السوق العقاري في عملية توازن طبيعي عاكساً العرض والطلب بالدولار الحقيقي.
وجاء في التقرير: «من ناحية العرض، توقفت نسبياً عمليات تطوير المباني السكنية الجديدة منذ بداية الأزمة. كما توقف العمل في بعض المباني التي كانت قيد الإنشاء. هذا مع العلم أنّ المطوّرين الذين يسعون إلى إنهاء مشاريعهم في البناء هم تحديداً مَن أتمّوا عمليات البيع قبل العام 2019. ثمة تراجع في المشاريع الإنشائية في ظل الارتفاع الكبير في أسعار مواد البناء وانخفاض القدرة الشرائية لدى المطوّرين والمشترين على حدّ سواء. في هذا السياق، بلغت تسليمات الاسمنت في العام 2021 زهاء 19541 ألف طن، بانخفاض نسبته 39% بالمقارنة مع أرقام العام 2019.
ويسعى معظم مالكي العقارات وبشكل متزايد إلى بيع عقاراتهم بالدولار النقدي، ذاك أنهم سدّدوا للمصارف غالبية ديونهم بالدولار المحلي. ففي نهاية تموز 2022، بلغت محفظة التسليفات بالعملات الأجنبية زهاء 12.6 مليار دولار، مقابل 40 مليار دولار قبل اندلاع الأزمة في تشرين الأول 2019. وفي حين أن جميع العقارات القابلة للبيع مُسعّرة حالياً بالدولار النقدي، غير أنّ المشترين بالدولار النقدي نادرون، ما يترك أثراً سلبياً على نمطية السعر. ويأتي ذلك في أعقاب خفض في أسعار العقارات بالدولار النقدي بنسبة 50% في المتوسط منذ اندلاع الأزمة في العام 2019. ويختلف خفض أسعار العقارات بين منطقة وأخرى، حيث بلغ 70% بالدولار النقدي في المناطق النائية في ظل ندرة المشترين وضعف القدرة الشرائية، بينما اقتصر الخفض في مناطق أخرى متاخمة للعاصمة على 30%. الجدير ذكره هنا أنّ العقارات الفخمة وخصوصاً في العاصمة، أظهرت مناعة أفضل بعض الشيء منذ اندلاع الأزمة حيث حافظت نسبياً على مستوى أسعارها، في حين شهدت عقارات المناطق النائية انخفاضاً أكبر في الأسعار.
في الوقت الراهن، يبدو أنّ احتمال حصول حلحلة على المستوى الاقتصادي والسياسي في المدى المنظور لا يزال أقل من الفرضية المعاكسة، ما يمكن أن يفرض ضغوطاً متزايدة على المناخ الاقتصادي الداخلي عموماً ويقلّل من إمكانية الطلب داخل القطاع العقاري ويحول دون حصول الارتفاع المَرجو في الأسعار.
أما فيما يخصّ آفاق القطاع العقاري بحسب المناطق، فمن المتوقع أن تشهد المناطق التي تعتمد على الدخل المحلي ضغوطاً لافتة وتراجعات أكبر في الأسعار. ففي حال حصول تراجع أكبر في العملة الوطنية في ظل غياب السيناريو الإيجابي، ستضمحلّ بشكل أكبر القدرة الشرائية بالليرة اللبنانية، ما سيولّد مبيعات عقارية أكثر في هذه المناطق من أجل تلبية الحاجات الأساسية، ويزيد الضغط بشكل أكبر على أسعار العقارات. أما بالنسبة للمناطق التي تستقطب استثمارات عقارية من قبل المغتربين اللبنانيين، فستتمتع بتموضع أفضل داخل السوق العقاري في ظل التدفق المستمر نسبياً للعملات الأجنبية من الخارج».