
الأسد في الإمارات، قمة في شرم الشيخ، فلسطين تتهيأ لقلب المسارات، الخليج يعود إلى لبنان؟
ميخائيل عوض
تقرير سياسي
تسارعت الأحداث في العرب والإقليم على نحو مثير للاهتمام ويستدعي سرعة التدبير، فكأن حدثًا صاعقاً يقترب ليغير في الأحوال، والحدث الأكثر استثنائية ونوعية، المغير في أحوال العالم جار بالحديد والبارود والنار في أوكرانيا، فقد بنت روسيا على نتائج الحرب العالمية العظمى التي دارت معاركها الفاصلة في بر وساحل الشام، وهمّت روسيا بوتين لتتويجها بمعركة فاصلة ستكون عملية قيصرية لتوليد العالم الجديد من الخاصرة.
زيارة الأسد للإمارات والحفاوة والبيان الذي صدر بلهجة قاطعة يطالب بخروج الاحتلالات من سورية، ويقصد أميركا والناتو وتركيا و”إسرائيل”، اثارت عاصفة من الجدل والتحليلات وزاد من الارتباك انعقاد قمة ثلاثية في شرم الشيخ بحضور بنيت رئيس وزراء “إسرائيل” والأمير محمد بن زايد مضيف الأسد.
ماذا عن زيارة الأسد واتجاهات الرسائل التي اطلقتها؟
المؤكد أنها ليست صاعقة في سماء صافية ولا هي حدث عابر أو مفاجئ فالعلاقات الإماراتية السورية لم تنقطع، وخرجت إلى العلنية منذ سنتين بافتتاح السفارة في دمشق، والحديث عن زيارة الأسد جار منذ وقت طويل، فالمفاجئ وربما الحافز الهام هو التوقيت على وقع الحرب في أوكرانيا، والموقف اللافت جداً والدال على ما ستكون عليه الأحوال للسعودية والإمارات برفض الإملاءات الأميركية، والانحياز إلى أوراسيا بصورة علنية، والتفكير جدياً بالعمل على تسعير النفط الخليجي بالعملة الصينية على وقع زيادة الشرخ مع أميركا والأطلسي، وفشل محاولات بريطانيا لرأب الصدع والغاء زيارة وزير الخارجية الأميركية للخليج اعتراضاً على زيارة الأسد والامتعاض الأميركي العلني.
إذن الزيارة أدت أهم وظائفها وأطلقت رسائل في كل الاتجاهات وستكون مقدمة ثابتة لعودة العرب إلى بيتهم العتيق الدائم الدفء سورية، والأرجح عودة سورية إلى الجامعة وربما يسبقها قمم وتبادل زيارات بين دمشق والقاهرة والرياض من دون تجاهل الدور الثابت للجزائر، والأسد لم يذهب إلى الإمارات من دون إخبار حلفائه في محور المقاومة الصانع للأحداث والتطورات، فالسيد نصرالله على علم بها والحوثين والقيادة الإيرانية وهذه من تقانة الدبلوماسية السورية، ومن صلب ممارساتها، ناهيك عن بوتين والقيادة الروسية، فأولى الرسائل وضعت ببريد واشنطن والناتو تثبيتا لتحولات الإمارات والسعودية وباستقبال الأسد والحفاوة، رسالة إلى بوتين آنا جادون في التحول، ورسالة لإيران والمفاوضات النووية بأن كل شيء على ما يرام، وتفعيل العمل العربي الإيراني جار وسورية وروسيا ومصر حواضن تؤتمن، فقد سبق زيارة الأسد زيارة للرئيس السيسي للسعودية والإمارات، وخط التواصل السوري المصري الروسي السعودي شغال منذ سنوات وبين المستهدف من الرسائل تركيا وأردوغان، وقيل عن زيارة سرية لوزير خارجية تركيا إلى الإمارات قبل يوم من زيارة الأسد. والإمارات ناشطة على خط العلاقات التركية- السورية وبعلم روسيا وإيران، والبيان الذي طالب بانسحاب جيوش المحتلين رسالة واضحة المعاني والاستهدافات والجهات، وقد كتب متابعون ولفتوا النظر إلى أن بن زايد قد يشتري إدلب من أردوغان المأزوم مالياً واقتصادياً وتاجر السياسة والعقائد والمبادئ، وبياع الإخوان وحماس، فلا شيء يمنعه من بيع المسلحين في إدلب والأرياف.
والرسالة الأكثر تأثيراً تسلمتها “إسرائيل”، فالتطبيع مع الخليج في طور النهاية، والتراجع بعد إن اختبرت فيه “إسرائيل”، واكتشف المطبعون أنها عبء ثقيل وليست أبداً كنز ثمين، وصارت بلا حول أو قوة أو تأثير في واشنطن أو في توازنات القوى الإقليمية والدولية. وجاءت حرب أوكرانيا لتضعها في زاوية محدودة الأثر، ومجريات التفاوض النووي الإيراني ليظهر مدى عجزها وافتقادها لأي من عناصر التأثير، فما فائدة التطبيع إن لم يعد لإسرائيل نفع؟
أما التخرصات عن احتمالات تطبيع سوري مع “إسرائيل” فهذه كذبة لا تنطلي على الساذجين، وسورية تعتبر الجولان وسطها وفلسطين جنوبها وقد دفعت كل الأثمان لإسقاط التسوية والتطبيع، وتستعد لجولة فاصلة لاستعادة الحقوق وسطاً وجنوباً وبكل الاتجاهات، وتعتد بانتصاراتها وحلفها ومكانتها عند روسيا، فهل يعقل أنها تفكر بالتطبيع مع “إسرائيل” التي تعيش وتعد أيامها العادية الباقية.
القمة الثلاثية في شرم الشيخ لا شك أنها حدث ناتئ، وعلى صلة بزيارة الأسد ورسائلها وتؤشر حالة الذعر والسعار الذي تعيشه “إسرائيل” ومجتمعها وقيادتها من انعكاسات ما يجري في كل الساحات في غير صالحها، وللدلالة على انتفاء قيمتها والحاجة لها والكل يترقب شهر رمضان والوعد بانتفاضة مسلحة في الضفة وفلسطين 48 تغير في سياقات الأحداث والتطورات، وقد بدأ التصعيد بعملية أمس في بئر السبع، حيث لم تحتسب “إسرائيل” للعملية البطولية الاستشهادية من نوع خاص في المكان والزمان والأثمان، وعليه فالمنطقي أن بينيت مرعوب من الجاري ويحاول إثبات حضور ووجود فكسر التقاليد، وبات ليلة في شرم الشيخ أقله لأخذ صورة ثلاثية تبعث بعض الأمل والطمأنينة في النفوس، ومصر كما “إسرائيل” ملزومتان وتتخوف من انعكاسات حرب أوكرانيا على الاستقرار الاجتماعي الاقتصادي، وكلاهما في حاجة إلى المال والتوظيفات، والإمارات والسعودية تزيدان الدولارات في خزائنهما جراء ارتفاع اسعار النفط، و”إسرائيل” لا تخفي تحسبها للآتي مع رمضان وترغب بحماية سلطة أبو مازن وتهدئة على خط غزة، وغزة تريد المال لتأمين أبسط الحاجات لشعبها الواقع تحت أشد وأقذر حصار في التاريخ، ومن غير المستبعد أن كلاهما المصري والإماراتي جس نبض “إسرائيل” في مسالة إعادة الجولان كاملاً، وبحسب وديعة رابين والتزام الأسد الأب بأن حقوق سورية أن تسبح وأن تأكل سمكاً من طبريا، والتزام الرئيس بشار بقوله؛ الكرامة والحقوق لا تقاس بالأمتار، فالحق هو الحق الواجب عودته تاماً كاملاً، وأسد اليوم وجيشه الشريك الأول والأساس في انتصارات روسيا وفي عودتها قوة عالمية مقررة من منصة سوريا، وقاعدة حميميم وطرطوس أكثر جدية وصلابة واستعداد لانتزاع الحق بالقوة، ومحوره المقاوم لم يهزم بأي حرب منذ عقود ثلاث، وهكذا يأتي الجواب؛ بأن القمة الثلاثية أن ادرج على جدولها بحث في التطبيع، فسيكون تحقيق مطلب سورية بلا تردد عودة الجولان كاملاً، وعندما تقبل “إسرائيل” وستقبل سيكون المطلب الثاني الذي لم يتخلَ عنه المفاوض السوري، ولا تجاهله أبداً: عودة اللاجئين وتطبيق قرار 194 و182، وهذا يكفي لإعادة المسالة إلى البداية، وقد عادت قضية فلسطين جوهرية كقضية شعب مقاوم وقضية وطنية وقومية في جولة سيف القدس وهبة رمضان المنصرم.
بين الحدثين وعلى قرع طبول روسيا في أوكرانيا، وبعد أن ثبت بالوجه الشرعي وبالملموس أن المؤامرة الأميركية على لبنان فشلت، وتتقلص فرص بقاء النفوذ الأميركي في الدولة اللبنانية، إذا جرت الانتخابات وسيحصل حلف المقاومة ما يبتغيه، فيصير منطقياً أن تتسارع خطوات الانفتاح الخليجي على لبنان وتعود سورية البوابة الوحيدة لأي جهد أو محاولة أو خطوة، وسورية لا تبخل على الشعب الواحد في الدولتين، وستسعى لتزيد من توفير الفرص للانفراجات، وقد بدأتها هي ولم تعامل الشعب اللبناني بالمثل وفتحت ذراعيها وحدودها للبنانيين والعرب ليعودوا إليها، فهي الأم الحنون والزمن عيد الأم.
فلكل أم ولأم العرب ألف تحية وتقدير وستبقى رايتها مرفوعة أبداً، وتعود صانعة مجد العرب ومستقبلهم، وأما وعد فلسطين في انتفاضة رمضان فجارية وتتأمن كل مقدماتها لتحقيق وعد المقاومة فالقدس باتت أقرب.