
د. نادر ياغي لـ”أجواء”: المجتمع يحتاج الى الطب النفسي
مؤكداً أن الطب النفسي كغيره من العلاجات
البعض لا يعرف الفرق بين الطب النفسي والإرشاد والمعالجة
خاص أجواء برس- هناء حاج
قد نصاب بحالة من المرض العضوي بعد مرورنا بحالات حزن أو تعب أو صعاب في الحياة، ولا ينفع العلاج الدوائي، ربما لأننا لا نعرف السبب المباشر، وباستشارة طبية أو معالجة نفسي تتبلور الأمور ويتبدد المرض.
هذه حالات لا يستطيع المرء تشخيصها ما لم يكن يعرف ماهية الطب النفسي والعلاجي، والأهم أن يعرف الى من وكيف ومتى يتوجه من أصحاب الاختصاص. لأن البعض لا يميز أو لا يعرف أهمية حالته وكيف يعالجه عن الشخص الآهل للثقة.
وللاطلاع على أهمية الطب النفسي والعلاج والإرشاد في حياتنا، توجهت “أجواء برس” الى خبير الصحة النفسية واخصائي في علم النفس ومحلل نفسي واستشاري والمدرب في تطوير الذات والمهارات الشخصية الدكتور نادر ياغي، الموجود في دبي، وتحدث عن أهمية الطب النفسي كحاجة اجتماعية وتربوية، على رغم من عدم تقبّل المجتمعات العربية لزيارة او استشارة الطبيب النفسي او المعالج النفسي، وأوضح قائلاً:
“لدي مقولة مفادها “أنا صديق الكل ولكن ليس أمام الكل”، للأسف قد يتصرف البعض بتجاهل مع الاستشاري أو الطبيب في المجتمع، مثلاً إذا كان لدى الشخص استشارات أو ملف عندي، لكنه أمام أناس في المجتمع يحاول ألا يظهر أمامهم معرفته بي كاستشاري، ربما لأنني منتشر اعلامياً او معروف، طرحت الفكرة على الصعيد الشخصي مبدئيا لأبيّن كيف ينظر المجتمع الى الطبيب النفسي”.
وأضاف: “إلا أن الأمر لم يعد كذلك، صراحة اليوم تغيرت النسب عن عشر سنوات مضت حيث كانت نسبة العملاء الذين يتعاملون معنا نحن بالذات كمجموعة او كشخص تصل لغاية 85% منهم نساء و15% منهم ذكور، وبدأت تتغير النسبة في آخر سنتين، إذا لاحظت ان النسبة وصلت الى 70 % منهم نساء 30 % منهم رجال. إي أنهم صاروا يتقبلون القيام باستشارة الطبيب، فالبعض لديهم هذا الخوف أو مفهوم انه مجرد أن يرفع السماعة ويتواصل مع الطبيب يعني أنه مجنون ولا يريد أن يعرف أحد أنه مجنون”.
الارشاد الوظيفي
أما عن ضم بعض المؤسسات المهنية قسم الارشاد النفسي، فقد أوضح: “تعترف بعض الشركات والمؤسسات العادية أو المتعددة الجنسيات بضرورة بوجود الطبيب النفسي، لذا من نتعامل معهم نجري لهم اختبارات تحت مسمى تقويم نفسي للموظف او الصحة النفسية للموظف، ونسبة عالية منهم يأخذون هذا التقويم بطريقة جدية وينفذون الأمور التي نطلبها منهم”.
وعن الفرق بين الارشاد النفسي والمعالج النفسي، فقد شرح د. ياغي مفسراً: “قد لا يفهم بعض الناس الفرق بين الطبيب النفسي أو المعالج النفسي أو الإرشاد. للأسف قد يقع البعض في أخطاء كبيرة ومقصودة في بعض الأحيان، وهنا لا بد من التوضيح أن الطبيب شيء والاستشاري تخصص مختلف، ومن لديه دكتوراه يختلف عن المعالج الذي يحدد الدواء، الذي نطلق عليه المتحدث التحفيزي، وما يسمى بالمدرب على الحياة، ومن لديه تخصص ارشاد نفسي، كل هذه التسميات لديها تصنيفات مختلفة.
وهنا لا بد من التوضيح أولاً: إن كلمة ارشاد تعني ارشاد، ووظيفة المرشد الإرشاد، أي أنه لم يرتقِ الى مرحلة أن يقدم العلاج او يقدم استشارة، كالمرشد السياحي يرشد الى المعالم السياحية ويعطي معلومات عنها، وهذا لا يعني أنه أصبح خبير في السياحة والآثار، وهكذا المرشد النفسي.
ثانياً: سأتحدث بمنتهى الصراحة عن الطب النفسي، أن هذه المسألة أصبحت عملية تجارية في شكل كبير ويحاول فيها البعض الاختصار. بما معنى الطبيب النفسي قبل ان يعطي الدواء عليه أن يقوم بالتشخيص، نوضح أن هناك نوعين من انواع الامراض: نوع اضطراب او يكون مرض، ونوع حالة النفسية وصلت الى حالة مرض، أو أزمة نفسية أو حالة طارئة، لنفترض الازمة التي حصلت في بيروت أو التفجيرات أو الحروب حيث يفقد الناس أشخاصاً عزيزين عليهم، هنا يسمح للطبيب اعطاء الدواء مباشرة، ونسميها أدوية كونترول “التحكم” التي تساعد في السيطرة على الأرق والقلق وتساعد على النوم، في هذه الحالات ممكن انه نعطي الدواء مباشرة بعد عشرين دقيقة أو نصف ساعة.
لكن النسبة الأكبر الآن من الأطباء يعطون الدواء في حالة الاضطراب البسيط، وهذا أمر لا يجوز إذ أنه لا يقرر الدواء في هذه الحالة إلا بعد أربع أو ست جلسات، وبكل أسف البعض يستسهل الموضوع ويعطي الدواء مباشرة قبل بدء العلاج السلوكي او المعرفي ونحن نسميه جلسات تفريغ”.
العلم والدراسة
وأكد د. نادر ياغي أهمية دراسة علم النفس في العديد من التخصصات وشرح تأثيرها على الحياة: “إن عملية تدريس علم النفس في المدارس والجامعة تساهم في تطوير المستقبل، هناك تخصصات كثيرة جداً يدرس فيها علم النفس لأنه مهم جداً، مثلاً في دراسة التمثيل لديهم ورشة ممثل تدخل في نطاقها مادة علم النفس، وذلك لكي يفهم الانسان نفسه على الأقل، وليفهم الحديث مع الذات، وما هو الفرق بين أن يكون لدى الإنسان حالة نفسية بسيطة أو خوف أو الرهاب، فالمعرفة تخفف على الشخص حالته.
هناك اشخاص أتواصل معهم درسوا هذه المواد بجدية، يخبروني بأنهم يفهمون ماهية حالاتهم، مثلاً أحدهم قال إنه لو ترك موضوع الخوف من الأماكن العالية لوصلت حالته الى مرحلة الرهاب والاضطرابات، لذا فان هذه المواد تفتح الآفاق لفهم الى أين سيذهبون أو ما هي المشكلة التي عندهم، في أقل الإيمان تساعد في تشخيص الحالة أكثر من أن تكون مبهم عندهم”.
مفهوم الاحلام في العلاج النفسي
وعن علاقة الطب النفسي بالصحة والاحلام، أوضح د. ياغي قائلاً: “لا أروج لهذه المهنة لأني أعمل بها أو لأنها تخصصي، فهذا التخصص الوحيد “الطب النفسي” يساعد الإنسان، حتى حين يكون المرء نائماً إما أن يساعده في النوم أو يتدخل في أحلامه، وهي نفسها يكون لها علاقة بعلم النفس من لحظة الاستيقاظ في الصباح لغاية النوم في المساء. وهذا التخصص الوحيد الذي يساعد أو يسبب المشاكل إذا لم نصل الى مرحلة النوم.
أما الأحلام فيفسرها الطب النفسي بعيداً عن المذاهب الدينية التي يسميها بالرؤيا، حتى الرؤيا لها شروط، وللأسف بعض الاشخاص الذين يفسرون الأحلام لا علاقة لهم بعلم النفس.
وهناك بعض الناس لديهم اضطرابات قد لا يحلمون لمدة قد تصل الى ثلاثة أشهر، فنحن نقول أيضاً إنه خطأ، لأن الأحلام هي نوع من أنواع تفريغ للذاكرة الموجودة في حياة الإنسان، وفي بعض الأحيان فأن الأحلام التي يراها قد تساعد الانسان في اتخاذ القرار”.
الحاجة العلاجية
وعن مدى حاجة المجتمع للطب النفسي، أكد د. نادر ياغي: “هو من مثل أي نوع من أنواع الطب، بل بالعكس هناك أمراض عضوية تكون مشكلتها مرض نفسي او اضطراب نفسي، والعكس صحيح، هناك امراض واضطرابات نفسية تتحول إلى أمراض عضوية، مثل القولون العصبي الذي يكون له اتجاه عكسي، كما أن هناك في مرض السكر العارض وهو يأتي فقط في حالات أزمة ما ويمكن أن يستمر شهرين أو ثلاثة أشهر ويختفي، وهناك أمراض جلدية تظهر على جسم الانسان وسببها مرض نفسي، لذا فإن حاجة المجتمع للطب النفسي أكثر مما تتصورون، فالإنسان يحتاجه من لحظة استيقاظه لغاية وقت النوم في الليل. فكل هذه الأشياء لها علاقة بالطب النفسي، ونحتاج لنفهم الأمر بطريقة بسيطة من دون تعقيد ومن دون مفهوم أن الطب النفسي سيتدخل في حياتنا ويخربها”.