
من يسقط أولاً… نتنياهو أم أبو مازن؟ وماذا عن الأردن؟
أجواء برس – بيروت
تقرير سياسي – ميخائيل عوض
الواقع ومعطياته المادية
لا شي يدوم أو يبقى على حاله، فللزمن فعل وللتطورات أفعال وكل من صار كبيراً كان من قبل صغيراً وما من طير ارتفع إلا وقع…
أعمار الدول والإمبراطوريات تراوح بين الستين والمئة من السنوات ما لم تغير وتتغير في بنيتها وفي محيطها، وواقع حال نظم وجغرافية الإقليم التي خرجت بنتائج الحرب العالمية الأولى قد بلغت من العمر عتياً، ولم تغير ولا تغيرت، وشأن غالبها كشجرة يابسة في حقل لا تقتلع إلا بهمة الفلاح أو بعاصفة. وبكل الأحوال ينهشها السوس والخواء فتقع من نفسها وعلى نفسها.
فغالبية دول سايكس- بيكو انفجرت جغرافيتها ونظمها وتعيش الفوضى كحقبة ضرورية تأسيساً لحقبة إعادة البناء والنهوض، ومن بقي منها يأكله السوس. فاستمرت على عيوبها وشيخوختها لأن لا أحد قرر إسقاطها.
إسرائيل انتفى دورها ووظيفتها منذ هزيمتها في أيار 2000 ثم في غزة 2005 وبعدها في 2006 حرب تموز، وتحول الغرب في علاقته معها من كلب يحرس مصالح السيد إلى السيد ليحرس الكلب، فزج بالجيوش والمرتزقة وافتعلت حروب للدفاع عن إسرائيل وتمكينها بدل أن كانت إسرائيل تخوض الحروب نيابة عن الغرب لتمكينه. ولأن لا أحد يريد ويملك رؤية ومشروع لتحرير فلسطين استمرت بفعلية ضعف وأزمات الآخرين وعجزهم أو انكفاهم عن فعل التحرير، وتطاولت وهي عاجزة عن ترميم بنيتها واستعادة عناصر قوتها، فعاشت بقوة القائم لا بقدراتها أو لتجديد في مشروعها ووظائفها، وعندما استنفدت كل مدد، تآكلت من داخلها، فاستولى عليها نتنياهو الفاسد والارتجالي والعصابي وربط مصيرها به شخصياً، مثله مثل المنظومة المافياوية في لبنان وسلطة أبو مازن وأخواتها. ولأنه بات عاجزاً في مجتمع عاجز فشل في تجديد بيعته في أربع انتخابات للكنيست وعلى أبواب الخامسة. وكي يقطع طريق عزله فوض المستوطنين والمتطرفين بالقيام بأعمال عصابية وتسعير العنصرية والتعدي على الفلسطينيين وإذلالهم غير أنه والمتطرفين لم يدركوا أن العالم تغير وأن جيلاً جديداً تقدم الصفوف وفي فلسطين 48 لا ينتمي إلى جيل النكبة والهزائم والامتيازات والتفاوض والخنوع وقبول الذل، جيل حر في عقله متعلم ووسائل المعرفة متاحة له كما وسائط القوة والسطوة، فكان شبيبة وفتيات وفتيان القدس واللد وبئر السبع وحيفا وأم الفحم والناصرة بالمرصاد، وتقدموا الصفوف أبطال وقادة في المواجهات كمحترفين في التنظيم والإعداد والدفاع والهجوم، بل تقدموا الجميع في حرب الإعلام وكسب العقول والقلوب، وكشفوا عن قدرة باهرة على فضح الكيان وإحراجه وحققوا كسباً هائل الأهمية بخطابهم الموضوعي والعقلاني والعصري الذي أعاد ألق القضية وإبراز حقيقتها كقضية شعب وكقضية وطنية وقومية لا قضية حقوق اجتماعية لجاليات منعزلة لا هوية لها، فألهبوا الوسائط وكسبوا الرأي العام العالمي والعربي ومهدوا السبيل لعودة الحراك الوطني الفلسطيني والعربي والعالمي وأحرجوا غزة وفصائلها ومحور المقاومة، فاستدرجوا إسرائيل وغزة لمواجهة عسكرية جاءت نتائجها تثبيت لحقيقة أن إسرائيل شجرة يابسة باقية لأن لا أحد يريد اقتلاعها، والأهم أنهم حفزوا الضفة وأهلها على العودة إلى النضال وأسقطوا آخر الأوهام حول حل الدولتين وأوسلو وسلطة التفريط والخيانة والتنسيق الأمني، وأسهموا في تسعير تناقضات فتح والسلطة وحفزوا منتسبي الأمن والأجهزة التي دربها وأهلها دايتون لتكون أجهزة ومؤسسات مستعربة كأكياس رمل ودشم لحماية جند الاحتلال، فتحولوا إلى مجاهدين وفدائيين يستخدمون صفاتهم وسلاحهم لإسناد الانتفاضة واستهداف جنود ومستوطني الاحتلال كما جرىأول من أمس في جنين والآتي أعظم.
نتنياهو المسؤول عن توريط إسرائيل في الجولة الأخيرة صار عبئاً على إسرائيل وعلى إدارة بايدن والأوروبيين وعرب الخيانة والتطبيع، وخسارة إسرائيل النوعية في المواجهات الأخيرة استعجلت محاولات عزله وإسقاطه لإعادة هيكلة إسرائيل لقبول تسوية الدولتين وحدود الرابع من حزيران والموعد ثقة الكنيست بالحكومة الائتلافية العاجزة عن الحكم فلا وظيفة لها سوى إسقاط نتنياهو ودفعه إلى السجن. لكن نتنياهو وكتل اليمين والتطرف لن تسلم وستحاول التخريب والحؤول دون نجاح حكومة على حسابه ولإنهاء حياته السياسية، فتراه يعبث بمسلمات الكيان ويحرض على القتل والاغتيال وتتصاعد الحملات العنصرية وتبادل الاتهامات بين قبائل إسرائيل إلى درجة دعت أجهزة أمن إسرائيل للتحذير من الاغتيالات والانفلات والحرب الأهلية، وتلك أخطر ما يبتلي به كيان، وتكون خاتمة العجز والشيخوخة وبلوغ حافة القبر وهذا ما باتت إسرائيل عليه.
حال نتنياهو وحزبه ودولته كحال أبو مازن وسلطته وأجهزته، وحال فتح والمنظمة التي سخرها محمود عباس لخدمته وإدامة سلطته بذات وسائط ووسائل نتنياهو وبالتعاون معه، وهكذا ينعقد السباق بين من يسقط أولاً أبو مازن أم نتنياهو، وسقوط الواحد يستجر سقوط الثاني حكماً.
إسرائيل والسلطة الفلسطينية تترنحان، وقد ضربتهم الأزمات وفقدان الدور والوظيفة وترهل المؤسسات وفساد الزعماء، بينما العالم والإقليم لم يعد يحتملهما ولا فائدة من بقائهما، فأميركا بايدن تستعجل الرحيل من المنطقة والتحرر من عبء الصراع العربي- الإسرائيلي، وأوروبا عاجزة، ومصر ترغب بدور نوعي يعيدها الى الجغرافيا والتاريخ على حساب قطر وتركيا والإخوان وإيران. وسورية تتململ فلم يعد مقبولاً تعديات وتحرشات بها وهي تعرف أن إسرائيل عاجزة في مواجهة غزة والمقاومة في لبنان، ومتخمة بالأزمات وسلاح حماس وحزب الله الصاروخي من نتاجات مؤسسة الدفاع ومصانعها، وتالياً يتوقع المتابعون ردها الذي بات قاب قوسين إن استمرت الاعتداءات، وإن حصل فسيكون سيف ديموقليطس يقطع الرأس بضربة واحدة، فليتخيل أحدنا آلاف الصواريخ الدقيقة تنهمر دفعة واحدة ومن كل الاتجاهات على إسرائيل ومطاراتها وبنيتها التحتية ومرافئها… ألا تتحقق دعوة السيد حسن نصرالله عندما دعا الإسرائيليين للرحيل باكراً فإن وقعت الحرب لن يجدوا مطاراً أو مرافئ أو وسيلة للمغادرة…
هكذا هي وقائع الحال وموازين القوى وما تعيشه إسرائيل وسلطة أبو مازن وميزان القوى العسكري الحاكم للتطورات قد اختل بصورة دراماتيكية في غير صالح إسرائيل، فالعاصفة تجتمع عناصرها وإن هبت فأول أهدافها إسرائيل، وقد تسبقها سلطة أبو مازن.
وغير ببعيد عنهما، بل على صلة رحم وفي ذات المسرح والمعطيات ومن أصل ابتلاء الأمة والإقليم وبناتج مقص سايكس بيكو ووعد بلفور أقيم كيان آخر مصطنع وأعطي وظيفه تخديم المشروع الصهيوني والتساند معه، كما لبنان والسعودية وأخواتهم من القطريات والإمارات والمحميات، فمن يتابع حال المملكة منذ سنوات يستخلص ذات المعطيات ويصنفها أحد كيانات فقدت وظائفها ودول ومؤسسات شاخت وتيبست ولم تجد من يقتلعها فضربها السوس والخواء وباتت في مهب العواصف.
فالأردن منذ عقد يعاني ويتمخض وتنتفض فئاته وتتمرد والأزمة الاقتصادية بنيوية شبيه إلى حد كبير بأزمة لبنان وسلطة أبو مازن ولم يعد من هو قادر على الإسعاف، وبالأصل لم يعد للحكام وللقطريات من أهمية أو وظيفة، وهذا ما يفسر وصول الأزمة إلى القصر الملكي والأسرة واحتراب الإخوة. وتكشف المعلومات عن محاولات متناسقة إسرائيلية وسعودية ليست ببعيدة عن رقابة وأو موافقة إدارات دولية عززت من أزمة الأسرة وحاولت بين الإخوة، فالمملكة والملك بات عبئاً أيضاً والمطلوب إحداث تغير لإعادة التأهيل، فالأردن اليوم تتسارع أزماته وتعبر عن نفسها بالكثير من التظاهرات والإرهاصات، كمثل زحف العشائر لإسناد الضفة وفلسطين وتمرد نواب ورجالاتهم واستعراض السلاح والاشتباكات مع قوى الأمن والعجز عن إنتاج حكومة أو مجلس نيابي لترقيد الجمر تحت الرماد، وتبدو محاولات الملك لتدارك الأزمة ومنع الانفجار قاصرة في واقع أن لا أميركا ولا السعودية ولا أوروبا ولا إسرائيل تتبناه أو تحميه، ومن غير المنطقي أن يهب محور المقاومة لاحتضانه وتأمينه، فلم يعد للمملكة من دور يسند لها، والرهاب من تحويل الأردن إلى وطن بديل تراجعت بصورة متسارعة، وتثبتت الأمور بأن إسرائيل عاجزة عن الاستثمار باحتمال تفجير الأردن لطرد الفلسطينيين إليه أو إشغال الفلسطينيين بأزمة ومسرح بديل لفلسطين الضفة و48، وعليه يبدو حالياً الأردن كحال إسرائيل وسلطة أبو مازن، وثلاثتهم على كف الأزمة الانهيارية.
يتسابقون إلى التوترات والفوضى وإن وصل أحدهم قبل يأخذ بيد الاثنين
الظروف والمعطيات المادية وتحولات موازين القوى والمصالح والإرادات الدولية والإقليمية ستكون لها ترجمات عملية واقعية وفي أول مؤشرات العاصفة التي تتجمع عناصرها أنها ستضرب في فلسطين ومحيطها المباشر، ومن غير المستبعد أن تكمل جهتها إلى السعودية وتركيا ليست في منأى عنها.