
أحاديث وشجون بحرينية -1
كتب محمد حسن العرادي
أعرفه منذ فترة طويلة ونلتقي دائماً في كثير من الأماكن العامة والمناسبات الخاصة، نتبادل أطراف الحديث حول العديد من القضايا والمواضيع التي يغلب عليها الطابع السياسي ومواضيع الشان العام في معظم الأحيان، لكننا هذه المرة دخلنا في حوار عن الجانب الاجتماعي فبادرته قائلًا: أعرف أنك متزوج منذ سنوات طويلة، لكن لم يخطر ببالي سؤالك عن أولادك، كم ولد عندك، أين يعملون، وما هي أوضاعهم الاجتماعية والمعيشية، هل تزوج أحد منهم، هل رزقك الله بأحفاد يملئون حياتك فرحاً وحيوية؟ وكأنني نكئتُ جرح غائر في عمق الزمن والتاريخ، فلقد تغيرت تقاسيم وتعابير وجهه وأصبح متجهماً كما لم أعهده من قبل.
اعتذرت بلطف وقلت له سامحني إن كنت قد فتحت موضوعاً غير مناسبٍ أو تدخلت في شؤونك الخاصة، إجتهد في رسم الابتسامة على وجهه، وحاول أن يخفي الإحباط الذي بدى عليه واضحاً ورد علي قائلاً، أبداً الموضوع عادي، لكنك في الحقيقة فتحت قريحتي للحديث عن هذا الوضع الاجتماعي البائس الذي نعيشه جميعاً منذ أن أصبحنا أقلية في بلادنا، وأصبح الوافدين ينافسون أبناءنا في رزقهم ويحددون مستقبل حياتهم، بل يزيحونهم من الوظائف والمهن ويحتلونها بدلاً عنهم، حتى أصبحوا هم أبناء البلد ونحن الغرباء.
نعم أنا متزوج منذ سنوات طويلة وبالتحديد من حوالى أربعين سنة، وكما تعلم فإن وضعي المادي جيد جداً، وظيفة مرموقة ومضمونة وذات دخل ممتاز، لكننا كأسرة (أنا وزوجتي) قررنا بمحض اختيارنا أن ننجب مولوداً واحداً فقط تماشياً مع الوضع الذي تعيشه البلاد، وقد رزقنا الله بابن علمناه أحسن تعليم وقد بلغ من العمر 35 سنة، لكنه لم يتزوج بعد، لذلك ليس لي أحفاد.
أما إذا سالتني لماذا اكتفينا بإبن واحد فقط، فإن ردي عليك قد يكون صادماً وغريباً نوعاً ما، ذلك أنني وزوجتي وجدنا أن كثيراً من الشباب البحريني غير قادر على تكوين نفسه والمباشرة في بناء أسرة جديدة في ظل عالم من المنافسة الشديدة، وتفضيلٍ فاقع للعمالة الوافدة على العمالة الوطنية، وقد تكونت لدينا وكثير من المواطنين قناعة تامة بأن بعض المسؤولين في بلادنا ربما لا يريدون منا أن نُنجب أطفالا يساهمون في التنمية ويحافظون على مستقبل وهوية البلد ونسيجها الاجتماعي، والدليل كثرة الوافدين من مختلف الجنسيات الذين يتم توظيفهم بديلاً لأبناء البلد الذين تحولوا إلى مشكلة خاصة، وهم يجدون انفسهم على هامش الإنتاج رغم التعليم والكفاءة التي يتمتعون بها.
وتزداد المشكلة وتتفاقم أكثر واكبر حين نستشعر كمواطنين بأن بلادنا قد اختارت تجنيس أعداد كبيرة من الوافدين من مختلف أرجاء العالم، حتى أولئك الذين لا يحملون شهادات مميزة أو مهارات خاصة، أو يملكون استثمارات تساهم في تخليق الوظائف والفرص للتنمية، وكأن هناك من يقول لنا، لا تتعبوا أنفسكم في الإنجاب، لأننا سنختار من نريد أن نجنسهم ونوظفهم من مختلف دول العالم من دون أن نلقي بالاً لابنائكم، لقد أصبحنا دولة متعددة الاثتيات والأعراق واللغات واللهجات وهو من يجعل الحاجة الى أبناء البلد هامشية.
لذلك ياسيدي الكريم، يؤلمني جداً أن أقول لك إننا أنجبنا إبننا الوحيد من أجل المحافظة على النوع البحريني ومنعه من الانقراض، ورغم ذلك فإننا نجد صعوبة في اقناعه بالزواج، لانه هو أيضا بدأ يواجه صعوبات كثيرة في تلمس طريقه لبدء حياة جديدة، ورغم أنه حصل على وظيفة تناسب الشهادة التي يحملها، إلا أن دخله الشهري لا يكاد يكفي احتياجاته الشخصية، لذلك يقول لنا باستمرار لماذا أتزوج وأورط بنت الناس معي، هذا منطق كثيرين معه!
وللحديث صلة.