التنجيم بين العزل والتكريم

بقلم محمد حسن العرادي
تعاني مؤسسات المجتمع المدني والأهلي في مملكة البحرين من تعقيدات جديدة تمارسها الجهات المعنية المنوط بها الإشراف عليها والحرص على مساعدتها للقيام بأدوارها المجتمعية تحت مظلة وزارة التنمية الاجتماعية، والتي دأبت دائماً على إصدار العديد من القرارات والتنظيمات المتتالية والمفاجئة المعوقة لعمل هذه الجمعيات، بل والمحاصرة لعملها من دون ان تحقق المعنى الحقيقي للشراكة المجتمعية التي تؤكد الأمم المتحدة على أهميتها لإنجاح عملية التنمية المستدامة.
وهكذا قامت الوزارة تحت ذريعة التقشف واتساع اعداد هذه الجمعيات بتقليص ثم منع التمويل عنها ثم التضييق عليها لتجفيف تنويع مصادرها المالية المشروعة والقانونية، حتى وإن كانت من بين أعضائها وكوادرها الإدارية.
ومن أغرب الأمور أن ترخيص العمل والإشهار الذي تحصل عليه الجمعيات الأهلية، يؤهلها لجمع التبرعات والمساهمات من اعضاءها ومناصريها، ”وهذا أمر طبيعي ومنطقي” لتمكينها من أداء المسؤوليات الملقاة على عاتقها وتحقيق الأهداف التي تنص عليها أنظمتها ولوائحها الداخلية، لكن الوزارة استصدرت تعقيدات جديدة للتضيق على هذه الجمعيات، فأجبرتها على التقدم بطلب ترخيص منفرد لجمع المال، حيث ترتبط وتتعطل كافة برامجها ومشاريعها وأنشطتها حتى يصدر هذا الترخيص، من دون وجود اشتراطات وضوابط معروفة لنيل هذا التصريح.
وإلى جانب التعقيدات الكثيرة التي تتعرض لها جمعيات المجتمع الأهلي والمدني، قامت الوزارة بممارسة العزل الإداري والاجتماعي على العديد من كوادر الجمعيات الأهلية ومنعتها من حق الترشح لمجالس إدارات الجمعيات الاهلية بكافة أنواعها، لكنها وللمفارقة غير المفهومة قامت بتكريم عدد كبير من رؤساء الجمعيات الخيرية “المعزولين” باعتبارهم رواداً ومبدعين وقادة مجتمع في أحتفال خاص أقيم “بقاعة سيزونز” في حديقة عذاري يوم الثلاثاء 27 ديسمبر 2022، فأي تناقض هذا بين التحجيم والتكريم.
إن العمل الأهلي بحاجة إلى قانون عصري يحاكي التطورات والمتغيرات التي طرأت على المفهوم الحديث للعمل الاجتماعي المنطلق من بناء “الشراكات المجتمعية”، مع القطاع الاهلي والرسمي، وقد أثرت هذه المتغيرات مجتمعية على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي، الأمر الذي أصبح عنده القانون رقم 21 لسنة 1989 جزءًا من الماضي الذي يقف حجراً عثرة في طريق نمو وإسهام القطاع الأهلي في البحرين في عملية التنمية المستدامة.
ولابد أن تبدأ الجهات المعنية بتغييره والعمل بالشراكة مع المجتمع المدني على صياغة قانون أهلي عصري يتناسب مع التزامات البحرين الأممية وتعهداتها باشراك وادماج المجتمع المدني في الية اتخاذ المزيد من القرارات التي تمكنه من أداء دوره المستقبلي واسهامه في تحقيق مشاريع تنموية لها قيمة مضافة في الاقتصاد والتدريب وخلق الوظائف.
من هنا تأتي أهمية رفع الحيف والعوائق والعراقيل من أمام العمل الأهلي، وأهم ذلك الإلغاء الفوري للقانون رقم 30 لسنة 2022 وخاصة المادة رقم (60) الفقرة الثانية منه التي تنص على:
“ولا يجوز أن يكون المرشح لعضوية مجلس إدارة النادي أو المُجمع أو الهيئة الرياضية أو مركز تمكين الشباب أو الهيئة الشبابية منتمياً لأي جمعية سياسية، أو ممارساً للعمل السياسي أو عضواً في أي من مجلسي الشورى أو النواب، كما لا يجوز الجمع بين عضوية مجلس إدارة أكثر من نادٍ أو أكثر من اتحاد لعبة رياضية أو الجمع بين عضوية مجلس إدارة نادٍ واتحاد لعبة رياضية”لقد حان الوقت لدق ناقوس الخطر من أجل حماية العمل الأهلي النطوعي والجمعيات الأهلية وكافة مؤسسات المجتمع المدني في البحرين وتمكينها من أداء أدوارها الأساس في المجتمع.
وأولى الخطوات المطلوبة إلغاء هذا التعديل ووقف مفاعيله فوراً، وهو الأمر الذي نضعه بين أيدي السادة أعضاء مجلس النواب، ليكون لهم دور في استعادة الدور الرائد للعمل الاهلي وتحقيق الطمأنينه والاستقرار لهذا المجتمع.ان أمام السادة اعضاء مجلس النواب طريق صعب وطويل لاستعادة المبادرة وتصحيح الاخطاء التي نتجت عن الفصول التشريعية السابقة والتي حجمت من العمل السياسي والاهلي وضايقت مؤسسات المجتمع المدني، واقصت الكثير من النشطاء بدون اي مبرر، خاصة بعد ان احيل عدد كبير من المواطنين الأكفاء وأصحاب الطاقات والخبرات الى التقاعد، واصبحت هذه الجمعيات هي الملاذ المناسب لهم لتقديم عصارة خبرتهم وتجاربهم فيها، خدمة للمجتمع الذي يعشقون، بدل التسكع في المقاهي والأماكن غير المنتجة، باختصار لقد حان الوقت لوقف التخبط والتنجيم بين العزل والتكريم، والله من وراء القصد.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى