![](https://ajwaapress.com/wp-content/uploads/2025/02/88552200.jpg)
خطة عربية لإعادة إعمار غزة ومواجهة ترامب
العربي الجديد – محمد عزام
لا يكاد يوم يمر من دون تصريح صحافي لمسؤول أو خبير غربي حول المدة اللازمة لإعادة إعمار غزة، كأننا في مزاد إعلامي يدور بين متنافسين حول من يطلق أكثرها غرابة وأبعدها مدى، حتى وصل الأمر إلى من قدر العملية بثمانين عاماً، وفي رواية أخرى ثلاثون وبعضهم تعطف علينا وصارت خمس عشرة سنة، لكن الطامة الكبرى جاءت من الأمم المتحدة التي قدرت حاجة القطاع إلى 350 عاماً حتى يعود لما كان عليه قبل الحرب، والمشترك بين الأرقام تلك كونها لم توضح علمياً حيثيات وضع تلك التوقيتات العجيبة التي تتجاهل إمكانيات شعوب 22 دولة عربية و57 إسلامية، إضافة إلى أصدقائهم في الجنوب العالمي القادرين على إنجاز المهمة في غضون فترة زمنية أقل بكثير، في حال توحدت جهودهم عبر خطة جامعة يرى كاتب هذه السطور أنها مسؤولية عربية بالأساس.
لا تفتقر الحكومات الغنية في المنطقة إلى الموارد البشرية والمالية اللازمة لمواجهة الاستحقاق الملحّ في مواجهة تصريحات إسرائيلية حالمة بالاستيطان في القطاع، داستها أقدام مئات الآلاف من الفلسطينيين العائدين لأرضهم خفافاً وثقالاً في أول يوم لانسحاب قوات الاحتلال من محور نتساريم تنفيذاً لاتفاق وقف إطلاق النار، بالرغم من عدم وجود فارق كبير بين جنوب مهدم وشمال مدمر، تلاها ما لا يجوز وصفه بـ”الفكرة” وإنما بـ”الزرطة” أي إطلاق الريح كما يقول المصريون، وهو أفضل وصف لحديث الاستيلاء الأميركي على القطاع وتحويله إلى ما أطلق عليه الرئيس دونالد ترامب “ريفييرا الشرق الأوسط”، في مهزلة تشبه ما يهرف به الرجل بحثاً عما يسميه بالولاية الأميركية الواحدة والخمسين التي بدأت بغرينلاند ثم كندا وبنما، وكأننا في طور جديد للاحتلال (لا أفضل كلمة استعمار) الاستيطاني والاستغلالي الغربي.
لا يوجد لدى ترامب خطة وإنما “مفاهيم خطة”، كما يقول مستشار الأمن القومي مايك والتز، وهو ما يؤكد سيناريو أن ما يجري ربما كان محاولة لدفع كل من “حماس” والمملكة العربية السعودية إلى تغيير مواقفهما، فهما المعنيان أساساً بمخططه الرامي إلى تحقيق نصر دعائي من النوع الذي يفضله، وليس مصر والأردن واللذان قد يكونان عبارة عن ستار دخاني يخفي المستهدف الحقيقي، ففي مواجهة الاختيار بين الحفاظ على سيطرتها على غزة أو استمرار وبقاء الوجود الفلسطيني بالقطاع، قد تقبل “حماس” بالخيار الأخير، كما يتم حث المملكة العربية السعودية على التخلي عن إصرارها على إقامة دولة فلسطينية شرطاً للتطبيع مع الاحتلال، والقبول بدلاً من ذلك بصفقة تحافظ على حق الفلسطينيين في البقاء في غزة مع استبعاد “حماس” من المشهد، وهو رأي له ما يدعمه، إذ أعلنت دولة الإمارات خلال رئاسة ترامب الأولى عن موافقتها على تطبيع العلاقات في مقابل تأجيل ضم الضفة الغربية لإسرائيل، وبينما يحاول أركان حكومة نتنياهو الدفع باتجاه الأمر هذه الأيام، أعلن ترامب أنه لم يتخذ موقفاً بشأن ضم إسرائيل للضفة، بعدما قدم مشرعون جمهوريون في مجلس النواب الأميركي مشاريع قوانين لحظر استخدام مصطلح الضفة الغربية في الوثائق الحكومية الأميركية واستبدالها بعبارة “يهودا والسامرة” وهو الاسم التوراتي للضفة، بهدف تعزيز ودعم مطالب إسرائيل بالسيطرة على الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967، وهو ما يراه البعض مساعدة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتمرير المرحلة الثانية من الصفقة، دون انهيار ائتلافه الحاكم، الذي ترفض بعض مكوناته وقف الحرب، عبر وعود بالتهجير وعدم عودة حماس للسيطرة على القطاع، والإشارة إلى احتمال الضم في الضفة.
كالعادة فوجئ المحيطون بترامب قبل خصومه بما قاله، وتوالت تصريحاتهم التي يمكن اختصارها بـ”هناك شيء ما، لا نعلم ما هو ولا ماذا يقصد الرئيس، ولكنه اقتراح خارج الصندوق ويجب دراسته”، في مشهد لا يختلف كثيراً عن حكم الفرد في دول العالم الثالث التي تشبهها أميركا الترامبية في تصرفاتها كثيراً، إلى حد أن أداء مؤسساتها ذات التقاليد مثل وزارة الخارجية الأميركية يسير على نفس الشاكلة، ويحضر سريعاً هنا ما أعلنت عنه من أن بنما أعفت السفن الأميركية من الرسوم في أعقاب زيارة وزير الخارجية ماركو روبيو، وأن الولايات المتحدة ستوفر الملايين من الدولارات، لكن الهيئة المستقلة التي تدير القناة نفت الأمر تماماً، وهو ما ستنتهي إليه في الأغلب تلك المحاولة التي لا يتفاعل معها إيجاباً إلا المتطرفون أو المخبولون، ومن بينهم جيمس بينكرتون والذي عمل مستشاراً في حملة رئاسية خاضها في عام 2008 سفير ترامب الحالي في إسرائيل مايكل هكابي، مقترحاً “نقل سكان القطاع إلى جزيرة يتم بناؤها في البحر المتوسط أو الأحمر عبر الكربون الملتقط من الجو بعد تثبيته في إنجاز للبيئة والإنسانية”، كأن التطهير العرقي والتهجير القسري لأهل غزة هو الحل المناسب لمشاكل البيئة التي دمرتها أميركا.
مواجهة العبث الترامبي ليست صعبة، فلا يوجد من مؤيد لهرائه سوى متطرفي الاحتلال واليمين الصهيوني الأميركي وهؤلاء أقلية، لذا يجب الإسراع في وضع خطة عربية وترويجها على مستوى الدول المذكورة في مقدمة المقال على أن تقوم على عدة محاور، أولاً: إعلامي بالتركيز على معاناة الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقوقه المستمر منذ عام 1948 فتاريخ القضية والانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون لم تبدأ في 7 أكتوبر 2023.
ثانياً: قانوني باللجوء إلى كل المنظمات الدولية المعنية بمخالفة القانون الدولي الإنساني على يد إسرائيل وأميركا هذه المرة، ودعم التحركات التي انخرطت فيها تسع دول والمعروفة بمجموعة لاهاي التي تسعى لمحاسبة إسرائيل وإنهاء الاحتلال (وهي جنوب أفريقيا وماليزيا وكولومبيا وبوليفيا وكوبا وهندوراس وناميبيا والسنغال وجزر بليز) التي لا يوجد فيها دولة عربية واحدة للأسف.
ثالثاً: توحيد جهود الفلسطينيين أنفسهم فلا يجوز في لحظة مثل هذه أن تظل القيادات في الضفة على عنادها في رفض إصلاح منظمة التحرير، ولم شمل الشعب بمختلف تنظيماته وكوادره وتوحيد إمكانياته في مواجهة عدو صار يستهدف حتى وجود السلطة الفلسطينية نفسها عبر ضم الضفة لدولة الاحتلال، ولا بد من دور عربي حاسم في هذا الأمر فلم يعد هناك وقت للتفلسف أو اللعب، إذ تقل الخيارات وتستنزف الإمكانيات يوماً وراء يوم.
رابعاً: وضع خطة لإعادة الإعمار تقوم على إزالة الركام الهائل، وهو ما يمكن عبر شحذ الهمم وجمع إمكانيات الدول العربية والإسلامية والتخلص مه إما في بحر غزة، أو طحن جزء منه واستعماله في عملية التشييد والبناء التي ستنطلق في القطاع، أو حتى نقله إلى مناطق خارج القطاع كأن يتم تعزيز بعض المناطق الحدودية المصرية مع كيان الاحتلال به، لمنع تسرب تجار المخدرات والمهربين إلى سيناء، وبعدها تجري عملية إصلاح وبناء المرافق العامة بالتوازي مع توفير بيوت جاهزة، إلى أن تتم إعادة تخطيط القطاع عمرانياً، وبناء المساكن اللازمة عبر دور يشرك القطاع الخاص في الدول التي ستمول عملية الإنشاء والتشييد، ما سيعود بالإيجاب على مؤسساتها الوطنية.
سياسياً يجب أن تتوحد جهود كل الدول العربية والإسلامية التي لديها لوبيات في أميركا، السعودي والإماراتي والقطري والتركي وغيرها، للضغط على ترامب وأركان إدارته من أجل تحقيق الهدف هذا بالضغط على دولة الاحتلال، صحيح أن كلاً منهم لديه خلافات سابقة، لكنها تراجعت وخفتت، وجميعها تدعم إعلامياً إقامة دولة فلسطينية وترفض التهجير القسري أو نهب أراضي الفلسطينيين وإقامة المستوطنات حتى لو كان لديها علاقات مع الاحتلال، ليتغلب منطق العمل الجماعي والوحدة ولو مرة واحدة تحيي الأمل في نفوس الفلسطينيين الذين قاموا بكل ما يمكن دفاعاً عن أنفسهم وأمتهم التي لا تزال حتى اللحظة دون مستوى تضحياتهم.