بين الوالي العثماني… والولي الفقية الإيراني
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
في الأروقة والصالونات السياسية والثقافية يشتد النقاش والجدال بين من يؤيدون تحركات الوالي العثماني الجديد في أنقره وينتظرون تحركاته العسكرية التي أنتهكت الحدود والأراضي العربية في العراق وسوريا بحجة ملاحقة الجماعات الكردية العسكرية تارة، والانتصار للشعب السوري تارة أخرى، حتى لو أدى ذلك إلى تدمير سوريا وتشريع أبوابها لجحافل الجيش الصهيوني الإرهابي يحتل ويصادر الأراضي العربية دون أي مقاومة، ويفجر مخازن السلاح والعتاد والمطارات والدشم العسكرية الخاصة بالجيش العربي السوري كي لا تقوم له قائمة في يوم من الأيام.
وعلى ذات المنوال توجه السهام لسياسة الولى الفقيه الإيراني التي تتمدد في الأراضي العربية ببطئ وحذر، وتسيطر على الشعوب من خلال تصدير الثورة وخلخلة النسيج المجتمعي عبر تبني ودعم بعض الجماعات الحزبية والطائفية المحسوبة عليها، أو القريبة منها وخاصة تلك المؤمنة بمبدأ ولاية الفقية والمؤتمرة بأمره في كل من العراق ولبنان وغيرها، ثم الهيمنة السياسية على الحركات المسلحة في كل من فلسطين واليمن، من خلال نقل تكنولوجيا تصنيع السلاح والمتفجرات وخاصة الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية التي أقضت مضجع “إسرائيل” وكشفت للعالم وخاصة للعرب والمسلمين أكذوبة الجيش الذي لايقهر، والنظام الديمقراطي الوحيد في منطقة “الشرق الاوسط”.
وبينما يتعالى الصُراخ وترتفع وتيرة النقاش وحدته، تُنفّذ كل من العاصمة الإيرانية – طهران، والعاصمة التركية – أنقره، استراتيجيتها غير عابئة بهذه النقاشات الفارغة التي لن تزيد عن بهرجة كلام وتبرير للخنوع والتطبيع والاستسلام، فتركيا تَحنُ إلى عصر الهيمنة الكاملة على الوطن العربي وتعمل على استعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية التي تفككت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتحولت إلى ترِكة غنية ورثتها بعض الدول الأوربية وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا الاستعماريتين، قبل أن تهيمن أمريكا على المشهد وتقصي الاستعمار الأوربي القديم لتفرض حضورها وتمارس غطرستها واستعمارها الجديد القائم على الاحتكار والحصار وفرض التعامل بالدولار، والذي إنصاعت له الكثير من الأنظمة الحاكمة في مختلف دول العالم مسبحة بحمد الأمريكي المحمي بالسفن والمدمرات الحربية الموزعة على الأساطيل العسكرية وحاملات الطائرات.
وعلى المنوال نفسه تُدير طهران معاركها الإستراتيجية بهدوء وصبر صانعي السجاد الإيراني الذين يقضون سنوات من عمرهم وهم يحيكون قطع السجاد العجمي خيطاً خيطاً وعقدة عقدة حتى يبهروا العالم ويقدمون له فناً راقياً ياخذ بألبابهم ويسرق عقولهم وأمولهم، فها هم طوال أكثر من خمس وأربعون عام يديرون الصراع مع “الشيطان الأكبر – امريكا” على غير أراضيهم وفي خارج حدودهم، يُمنون الشعوب المبتلاة بالهيمنة الصهيوأمريكية بالنصر ودحر الأمبراطورية الأمريكية عبر التضحيات والدماء وقوافل الشهداء والجرح والأسرى، ويتقبلون على مضض دفع بعض الأثمان الموجعة غير القاتلة، كسقوط عدد من قادتهم العسكريين وخبراءهم النووين على طريق تثبيت الفكر والرؤية التي زرعها الراحل الإمام روح الله الخميني رحمه الله.
وما بين الوالي العثماني الجديد والولي الفقيه الإيراني العتيد والمستعمر الأمريكي، ضاعت أقطار ودول الأمة العربية وفقدت مئات بل آلاف الكيلومترات من أراضيها والآلاف من أبنائها “المقاتلين من أجل الحرية” وهذه الأمة التي تجاوز عدد مواطنيها 450 مليون نسمة مشغولون بالجدال العقيم واحقية الخلافة الإسلامية قبل أكثر من 1400 سنة ، وربما إختيار نوع وجنسية الراعي الذي سيسلمونه قيادهم مجددا، وبين هذا وذاك تقف أمريكا بالمرصاد وتمارس أقصى درجات الفتك بالدول العربية وتستفرد بها واحدة إثر أخرى، تارة بالحصار وأخرى بالابتزاز وإثارة الحروب الاهلية والفتن الطائفية.
والسؤال الذي لايزال يبحث عن إجابة منذ أمد بعيد، متى تستيقظ الأمة العربية وتفكر في مصالحها في المقام الأول، وتعمل على بناء وتنمية دولها وشعوبها، وما يحفظ أراضيها وحدودهت من الضياع، ويوفر لمواطنيها الاستقرار والأمن والسلام والمستقبل، فمتى تنهض هذه الأمة من السبات الذي طال ليله الدامس أكثر من اللازم، قبل أن تصبح أمة بائدة كما بادت الكثير من الأمم والحضارات والأقوام التي عاشت على هذه الأرض، ولاشك أن هذه الامة بحاجة إلى قادة ووعماء جدد من طراز جديد يضعون مصالحنا الوطنية العربية قبل أية مصالح أخرى، وأن تكون ولاءاتنا جميعاً لإوطاننا وليس لغيرها أبداً، مهما أظهروا لنا تعاطفتاً أو محبة ..