المواقف والتوجُّهات الصادرة عن “اللقاء الاستثنائي” الموسّع للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في شانيه

عُقد اللقاء الاستثنائي الموسّع للمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز في مقر سماحة شيخ العقل- رئيس المجلس المذهبي الشيخ الدكتور سامي أبي المنى في شانيه بتاريخ 7/10/2024 وحضره أعضاء الهيئة العامّة للمجلس وفي مقدَّمتهم الزعيم وليد بك جنبلاط ووزير التربية والتعليم العالي القاضي عباس الحلبي وجميع النوّاب الدروز الحاليين: رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي واللقاء الديمقراطي الأستاذ تيمور بك جنبلاط، مروان حمادة ، أكرم شهيب، وائل أبو فاعور، فيصل الصايغ، هادي أبو الحسن، مارك ضو وفراس حمدان، والنواب والوزراء السابقون: غازي العريضي، أيمن شقير وعادل حمية-رئيس “جمعية الغد”، وعضو المجلس الدستوري القاضي عفيف الحكيم ورئيس محكمة الاستئناف الدرزية العليا القاضي فيصل ناصر الدين وقضاة المذهب: الشيخ سليم العيسمي، فؤاد حمدان، الشيخ غاندي مكارم، منح نصرالله، الشيخ دانيال سعيد، أمير أبو زكي والشيخ سعيد مكارم، ورئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ نزيه رافع، ومستشاري مشيخة العقل وحشد من المشايخ المدعوّين من مختلف المناطق.

تضمنت الكلمات والمداخلات مواضيع الساعة وواقع الحال الذي وصلت إليه البلاد وتداعيات الحرب المفروضة على لبنان منذ سنة بالتحديد، أي منذ السابع من تشرين الأول 2023 تاريخ عملية طُوفان الأقصى وما تبعها من حربٍ مسعورةٍ على غزّة وحرب إسنادٍ من جنوب لبنان وتوسُّع العدوان الإسرائيلي إلى العمق اللبناني قتلاً وتدميراً وتهجيراً، ممّا شكّل حركة نزوحٍ واسعة من الجنوب وضاحية بيروت وغير مكان، وصلت إلى جميع قرى الجبل ووادي التيم. وقد أجمعت الكلمات على عددٍ من النقاط الأساسية، يمكن تلخيصها بالمواقف والتوجّهات التالية:

– الترحّم على الشهداءِ الأبرياء والدعاء للجرحى والمصابين بالشفاء، ولمَن فقد بيتَه وخسرَ مؤسستَه بالعافية والتعويض وإعادة البناء، وإدانة غطرسة العدوّ الإسرائيلي وتمادي عدوانه على لبنان بأدواته التدميرية والإجرامية المتعدّدة، وسيطرة لغة الغدر والإرهاب والنار، من غزّةَ المقتولةِ ظلماً، إلى جنوب لبنانَ المدمّرِ المهجّر، إلى سوريا المفكّكةِ أشلاءً، إلى العراقِ واليمن وليبيا والسودان وغيرِ مكان.

– النظر بعين المسؤولية إلى واقع الطائفة وواقعِ الوطن، وتأكيد الثقة بقدرتنا على التحمُّلِ والمواجهة وصون وجودِنا وولائنا الوطني وعيشنا الواحد، من خلال ترسيخ إيمانِنا الروحيّ أوّلاً، وحفاظِنا على قيمِنا المعروفية المتوارَثة، وتماسكِنا الاجتماعي، وعشقِنا لأرضِنا وتاريخِنا، ووحدتِنا الداخلية والوطنية، وتمسكنا التاريخي بهويتنا العربية الإسلامية.

– دعوة أهلِنا الموحِّدين وأبناءِ وطنِنا الموحَّدين لاستضافة إخوانِهم النازحين قسراً من بيوتهم وقراهم، ومعاملتهم بلطفٍ وإحساسٍ مرهَف، وتحمّل عبء الاستضافة برحابة صدرٍ والتعاون مع القيِّمين على النظام والأمن لمعالجة واقع الحال ومتابعة المستجدات.

– حثّ الأهالي للمحافظة على أملاكِهم وأرضهم، إذ هي ليست للمساومة والتخّلي مهما كانت المُغرياتُ أو التحديات، بل هي موئلُ الكرامة وضمانة الوجود، وفي كنفها تعلّم أجدادنا وآباؤنا الصمود حتى أصبح جزءاً لا يتجزَّأ من تاريخنا وتراثنا.

– توجيه الشكر والتقدير إلى الأستاذ وليد بك جنبلاط بالدرجة الأولى، وإلى القيادات الدرزية والوطنية التي تميَّزت بموقفِها التضامنيِّ المسؤول، وإلى الهيئات الحزبية والمدنية والأهلية المتابعة بجديّة، وإلى خلايا الأزمة والبلديات، وحث المجتمع العربي والدولي لمضاعفة الدعم للبنان، والدولة على تأمين وصول المساعدات لمستحقيها من النازحين والأهالي في كلِّ المواقع والمناطق.

– التنويه بالحركة الإيجابية التي قام ويقوم بها الزعيمُ القائدُ وليد جنبلاط، وبما صدر عن لقاء عين التينه الذي جمعه بصاحبَي الدولة الرئيسين برّي وميقاتي، وما تبعه من زياراتٍ ولقاءاتٍ، مؤكّدين حرصنا الشديد على الوحدة الوطنية والحاجة إلى مشاركة جميع الأطراف السياسية في البحث عن سُبُل الخلاص وصياغة برنامج إنقاذيٍّ للوطن للوصول إلى موقفٍ لبنانيٍّ تاريخيٍّ موحَّدٍ يضعُ الأنانياتِ جانباً ويتجاوزُ الاختلافاتِ والمطالبَ الفئويّةَ الضيّقة، ويؤكّد على وجوب التضامن والعودة الى الجذور، أي إلى التاريخ المشترك والعنفوان المشترك والعيش المشترك والإرادة الوطنية القوية المشتركة.

– الدعوة إلى تلقُّف المبادرات الخيِّرة والتقدُّم خطواتٍ إلى الأمام في ظلّ ما حصل من متغيِّراتٍ وما يجب أن نتعلَّمه من دروسٍ وعِبر للوصول إلى حلّ واقعي انطلاقاً من العناوين التي تبنَّاها لقاء عين التينة، والذي كان بمثابة مقدِّمة لإنجاز تفاهمٍ وطنيٍّ واسعٍ يُخرجُ لبنانَ من المواجَهة المتصاعدة والمجهولةِ النتائج، ويدفعُ تلقائياً وفي أسرع وقتٍ ممكن إلى انعقاد المجلس النيابي الذي تتمثل فيه كلُّ القوى وجميعُ العائلات الروحية، لانتخاب رئيس وفاقي للجمهورية يُطمئن الجميع ويبدّد هواجسَهم ويرعى إعادةَ انتظام الدولة وإحياءَ مؤسساتها، من أجل القيام بواجباتها تجاهَ المواطنين على كافة المستويات، دون ربط هذا الاستحقاق الأساسي بأيّة شروطٍ تتعلّق بوقف إطلاق النار أو غير ذلك.

– ترجمة التضامن الشعبي الى تضامن سياسي يجنب البلد تحديات ومآسي المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد ويساهم في تعطيل المشروع الاسرائيلي ضد لبنان، انطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا، بعيداً عن التعطيل والمناكفات، والتي تقضي بتعزيز وجود الدولة واحترام مؤسساتها الدستورية التي هي المرجعية الرسميةُ الوحيدة لرعاية جميع اللبنانيين وحماية حدود الوطن والعناية بمن هم على أرضه.

– دعوة الأمم المتحدة والدول العربية ودول القرار إلى يقظةٍ دوليّة وإلى موقفٍ عربيٍّ موحَّد وإلى وحدةٍ وطنية وتضامنٍ داخليٍّ للضغط باتِّجاه فرض حلٍّ واقعيٍّ يُوقف إطلاقَ النار فوراً ونهائياً، ويؤكد على دعم الجيش اللبناني، لتمكينه من حفظ الاستقرار العام ومن الانتشار الواسع في جنوب الليطاني، ويدفع باتِّجاه تطبيق القرارات الدولية، وأوّلُها القرار 1701 كاملاً. أملاً في إعادة الاعتبار لاتّفاق الهدنة الموقّع في العام 1949 وإحيائه من جديد، وبالتالي الاكتفاء بما حصل حتى الآن من تداعياتٍ كارثية نتيجة ربط مصير لبنان بمصير غزة، وفصل المسارَين بعضهما عن بعض، مع تأكيد التضامن المطلَق مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

– مناشدة المسؤولين اللبنانيين لوقف المناكفات والتصعيد والتعقيد ومحاولة فرض الشروط من هنا وهناك، والتأكيد بأن الوقت ليس لاتخاذ المواقفِ الفئوية والطائفية، ولا للاصطفافات المحورية وربط مصير الوطن بأي مصيرٍ آخر على امتداد المنطقة كلِّها بل للتفاهم والتوافق والتلاقي، في العمق وليس سطحياً، لأنّ لبنان يواجهُ خطراً وجوديّاً، والكيانَ معرضٌ للتفكك والضَّياع، وأطماعَ العدوّ الغاصب ليس لها حدودٌ، لا في الزمان ولا في المكان، والاقتناع بأن المطلوب هو تعزيز الثقة الداخلية، ثقتِنا بعضِنا ببعض، وثقتِنا بالدولةِ المسؤولة القادرة على تحصين شعبِها وتطوير مؤسساتِها.

– تجديد التأكيد والثقة بالعمق العربيِّ للبنان، ودعوة الأشقّاء العرب وأصدقاء لبنانَ الكُثُر وأبناءه المنتشرين لمضاعفة دعم لبنان واحتضان مؤسساته الاجتماعية والإنسانية.

– التوقُّف بتمعنٍ واعتبار أمام الذكرى الأولى للحدث التاريخي المسمّى “طُوفان الأقصى” الذي عبَّر عن أسى واحتقانٍ ونفاذِ صبرٍ من تمادي العدوان والمماطلة في إهمال حقوق الشعب الفلسطيني، وما أعقب ذلك من حربٍ طاحنة ومن إطلاق جبهة مساندةٍ لبنانية أدّت إلى شنِّ حربٍ مدمِّرة على لبنان استهدفت البشرَ والحجر وتكاد تدفع البلاد إلى حافّة الفوضى والانهيار الكامل.

– الإشارة إلى أن القضية المركزية التي تدور حولَها بقيةُ القضايا في المنطقة هي القضية الفلسطينية والتي ما زالت تنتظر الحلَّ العادلَ والشاملَ، لتكونَ للفلسطينيين دولتُهم السيّدةُ المستقلّة. فلا يحتاج هذا الشعبُ المقهورُ والمقاوم إلى الانتفاضة من جديد ولا تضطرُّ أجيالُه الصاعدة إلى طُوفانٍ آخر، حلّاً ترعاه الأممُ المتَّحدة وعواصمُ القرار والأشقَّاءُ العربُ، فيتكرَّسُ من خلاله السلامُ وتنتهي بتنفيذه المأساة.

– الإعلان عن دورٍ اجتماعي استثنائي للمجلس المذهبي في هذه الظروف القاسية، لأن الواقعَ المأزوم يشير إلى أن الأزمة ربما تكونُ إلى اتّساع، ممّا يحتِّمُ رسم خطة عملٍ وتشكيل خليَّة أزمة في المجلس من الأعضاء والموظفين، تتعاون مع خلية إدارة الأزمة في الجبل والمناطق لجهة تحديد أماكن الاستيعاب إذا ما حصل المزيد من النزوح، ومعالجة المشاكل وحلِّ الأزمات التي يمكن أن تستجدّ، بالإضافة إلى تلقِّي الدعم من الجهات المانحة، والاستفادة من خدمات الدولة.

– دعوة اللبنانيين والأصدقاء، مقيمين ومغتربين، للدعم والزكاة ومساندة صندوق المجلس المذهبي الخيري، ليتمكّن من القيام بواجبِه، والاستعداد، واثقين بأننا “لسنا متروكين”، كما يردِّدُ دائماً مشايخُنا الأجلَّاء، وداعين إلى إقران الأمل بالعمل، والدعاء بالإرادة، فالأرضُ أرضُنا ولن نتخلّى عنها، والوطنُ وطنُنا جميعاً ولن نرضى بأن تُدمَّرَ صيغةُ التنوّع فيه، إذ هو وطنُ الآباء والأجداد والأمجاد، راجين أن يحفظه اللهُ لنا ولأولادِنا وأحفادِنا من بعدِنا.

هناء حاج

صحافية لبنانية منذ العام 1985 ولغاية اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى