
إيران تبلغ غاياتها؟ ماذا عن فلسطين وتحرير القدس؟ 1/ …
لماذا إيران وحدها المعنية ؟ وماذا يفعل العرب واصحاب القضية والشأن؟
ميخائيل عوض
بحث معمق
في الحقائق والوقائع المعاشة… إيران وفلسطين 43 ربيعاً وما زال الوقت جارياً
دور إيران في العرب والاقليم ومن بوابة فلسطين شكل أحد أكثر الأمور اشكالية منذ انتصار الثورة الإسلامية وتزداد اشكاليته مع كل تطور وكل حدث.
فقضية فلسطين والقدس كانت أول وأهم عناوين وشعارات الثورة. فبعرفها وشعاراتها إسرائيل شيطان أصغر وأميركا الشيطان الأكبر، والدعاء الذي ما زال حاضراً،25 الموت لأميركا والموت لإسرائيل… يتردد بين الحين والآخر في التظاهرات والمهرجانات، وعلى السنة قادتها وإن خف وهجه، وقل ترداده منذ وقع الغزو الأميركي لأفغانستان ثم لبغداد، والساحتان ساحات مواجهة وتفأهمات إيرانية- أميركية، غلب عليها صفة التعايش وتبادل المنافع وتقاطع المصالح.
وفي أول إجراء اعتمدته الثورة الإسلامية إنزال العلم الإسرائيلي عن السفارة ورفع علم فلسطين، ثم إعلان الإمام الخميني يوم القدس، واستكمله القائد الخامنئي بتأسيس قوة القدس التي أدارت الصراع في الاقليم وبالأذرع الإيرانية، وحققت غلبة وانتصارات تاريخية ونوعية ومكاسب جمة في بنيتها وتطورها وبلوغها الدولة الاقليمية الأهم، وفي سورية والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان. ونجحت في استنهاض الشيعية الولائية السياسية والجهادية، وتحولت عبرها إلى شريك وازن في غالبية الساحات ذات الأهمية الاستراتيجية.
اتهمت إيران بتسهيلها الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان ومنطقها، عدو عدوي صديقي، وأميركا عدو لكنها دولة بعيدة ووجودها احتلالي زائل ولن يتأبد، بينما الطالبان وصدام حسين أعداء وأبناء البلاد ولهم حظوة وتأييد شعبي ليس من اليسر اقتلاعهما أو رحيلهما، وما الضرر أن فعلتها أميركا وحلفها ووقعت في مصيدة الاستنزاف.
فتهمة إيران بتيسير الاحتلال الأميركي لا تخلو من الخبث وحرف الأنظار عن مشاركة الدول العربية علناً، وبصورة مباشرة، في تأمين وتمويل والشراكة في الاحتلالين، فما قد يكون مبرراً لإيران لا يمكن تبريره للعرب ونظمهم وأسرهم ودولهم، وجامعتهم وقممهم.
في لبنان، بذلت إيران بلا حساب وأمنت للمقاومة كلف وشروط تحقيق انتصارات اعجازية وفي التحريرين المشهود لهما، وقد وفرا أسس وشروط الاستقرار والتوازن، وحماية الدولة والكيان والنظام وتحقيق الميثاقية والتوافقية، وترجمت البراغماتية الإيرانية كفرص موضوعية وبيئات مناسبة للتعايش بين حزب الله والمنظومة المحسوبة بكليتها أميركية الولاء والمصالح والخيارات، وتم إعلاء شان وتفعيل شعارات التعايش والميثاقية والتوافق الوطني، وتأمين النظام الطائفي وترسيخه بثنائية شيعية حاكمه، ومتمكنة في الدولة والشارع والسلاح والتوافقية ونظام المحاصصات الطائفية والميثاقية بيئة خصبة للاستثمار، ولإدارة تقاطعات المصالح الإيرانية الأميركية. وفي الاقليم ومسارح الأحداث وساحات الاشتباك لا بأس بالسعودية وتركيا، وبحركة الإخوان المسلمين العالمية وفروعها في فلسطين ومصر وتركيا وقطر وتونس، فالضد يبرز حسنه الضد.
فالشيعية السياسية والعسكرية بمذهب ولاية الفقيه، تحتاج إلى توأمها السنية السياسية، ولو تصادمت مع السنية العسكرية التي تمردت وقررت لنفسها خيارات ومشاريع خاصة من خارج نص تفاهمات الإخوان المسلمين والوهابية مع أميركا، لإعادة هيكلة السيطرة الأميركية في العرب والمسلمين واقليمهم الحاكم. والتفاهمات مع الإخوان المسلمين وتركيا لا يتعارض جوهرياً مع الاشتباك مع السنية العسكرية لتوفر روافع للجمهورية الإسلامية، والصحوة، والوحدة الإسلامية، والقدس وبيت المقدس والأقصى كعناوين جامعة تمسكت بها إيران وعملت عليها بدأب وبلا كلل…
فالإخوان المسلمين والوهابية والسلفية الجهادية العالمية بفروعها المختلفة كالقاعدة وداعش والنصرة وأخواتها، أشاحوا النظر عن فلسطين وعن تحريرها وعن القدس واستعادتها، ولم تستمر حماس غزة في المقاومة لولا اسناد إيران المحوري، ودوما ما فضلت حماس التزاماتها العقيدية والسياسية وولاءاتها للإخوان ولتركيا وقطر على القتال الجدي، وعلى العلاقة مع إيران والجهادية الشيعية.
ما قدمته إيران والجهادية الشيعية في لبنان ولفلسطين وشعبها ومقاومتها يفيض بملايين المرات عما قدمه الآخرون من نظم وأسر ودويلات سايكس- بيكو، التي صنعت لخدمة الكيان وتأمين المصالح الأطلسية والخارجية، بل وما بذلته السعودية والأخريات من تآمر وتمويل لاستهداف المقاومة تاريخياً بنسختها القومية واليسارية وفي وجه الإسلامية في لبنان وفلسطين، ولتخريب سورية وإسقاط نظم ودول الممانعة يفوق ما بذلته وقدمته إسرائيل والأطلسي، ولا يجوز المقارنة بين ما قدمته إيران وما تحقق من تقديماتها وما سعت إليه السعودية وحلفها العربي والإسلامي التأمري.
ولولا إيران وثورتها الإسلامية ورفعها شعار تحرير القدس وأولوية القضية الفلسطينية، ربما كانت اندثرت وصفيت القضية وازداد تفكك العرب وفرقتهم وحروبهم الأهلية وتخلفهم.
إيران في تبنيها للقضية الفلسطينية ورفع شعار تحرير القدس وإعدادها لقوة القدس، تجرأت وقدمت وقاتلت وتحملت حروب وتآمر وحصار قاس وظالم، ولم تنثنِ أو تبدل على رغم ما قدم إليها من إغراءات، وحوافز لو قبلتها لكانت بين القوى الاقليمية السائدة والمفوضة من أميركا والأطلسي بإدارة الاقليم برمته وربما أكثر.
والتهم التي وجهت إلى إيران باستثمارها المجدي والعبقري بالشيعية السياسية والجهادية، إنما تبدو تهم ظالمة تجافي الحقيقة. فإيران جادة في تحمل أعباء سياساتها ومواقفها واسنادها للمقاومات وسورية من دون إبطاء أو تردد، بينما العربيات الخليجية وتوابعها عبثت ودمرت وتآمرت وأنفقت أموالاً طائلة لخدمة إسرائيل والأطلسي، وسعت جهدها لإثارة الفتنة السنية- الشيعية ومولت قوى ومجاميع الفتنه وإلا رهاب الأسود، وأنشأت تحالفات عربية وإسلامية واقليمية لحماية إسرائيل وتلبية الضغوط والمصالح الأميركية، ولم تتوانَ عن التورط المباشر في غزو وتدمير العراق وليبيا وتخريب السودان وإعلان غزوة اليمن، بينما كانت إيران بالمرصاد وفي جانب المظلوم والمعتدى عليه وقاتلت معهم بكل ما امتلكت من قوة وامكانيات، أمينة على شعاراتها وعناوينها والتزاماتها، وقد توفرت لها الفرص والظروف في الكتلة الشيعية التي كانت في موقع المضطهد والمفقرة والمعزولة والمظلومة، وقد أبهرتها الثورة الإسلامية واستهوتها شعاراتها وانجازاتها وأمنت إسنادها ودعمها فتحولت الكتلة الشيعية في العرب والاقليم إلى قوى وازنة، وروافع وعامود المقاومة وتنكبت حمل القضية القومية الجامعة والموحدة.
يتبع…
غداً لبنان أولى ساحات الاشتباك وتعظيم خيار المقاومة.