نبيل بدر: “وجه بيروت الحضاري “افتحوا له الأبواب

كتب خالد صيداوي

عاد بالأمس النائب البيروتي “نبيل بدر الى ساحة الملعب البلدي “رمز احتفالية نادي الأنصار” الذي يرأسه منذ سنوات، وفي كل مرّة يعود فيها الى تلك الساحة، يحمل معه الفرحة والأمل لجمهور متشوق للانتصار ومتعطش للتعبير عن نفسه ووجوده داخل مجتمعه اللبناني .
وقبلها باسبوع استطاع الرجل ، وبمبادرات فردية منه، أن يجمع الآلاف على أنقاض ملعب بيروت البلدي المقفلة أبوابه بمفتاح “السياسة الكيديّة”، وذلك من أجل حضور المباراة الختامية للدوري اللبناني والتي خسرها فريقه أمام الغريم التقليدي النجمة في الثواني الأخيرة.
وفي المرّتين استطاع بدر أن يؤكّد المؤكّد، وهو أنه الوحيد ومن خلال بوابة نادي الأنصار، القادر على الحشد وتحديدا في الساحة البيروتية، في ظل عدم قدرة أي زعيم بيروتي حالياً على الحشد، تماما كما فعل في طرابلس عندما امتلأت مدرّجات ملعب الرئيس الشهيد رشيد كرامي بأكثر من عشرة آلاف أنصاري خلال المباراة التي فاز فيها على النجمة.
وبما أن لبنان بلد “الفرادة” في كل شيء، فمن المعلوم بان السياسة تدخل في كل شاردة وواردة، وتوزع الحصص في ما بين أقطابها سياسيا واجتماعيا ورياضيّا، لذلك فانه من الطبيعي ان تكون الأندية الشعبية في كرة القدم معظمها محسوب إمّا على زعيم وامّا على طائفة، ويحسب الأنصار كممثل للطائفة السنية، على الرغم من أنه عابر للطوائف والمذاهب والمناطق، ويمتلك قواعد شعبية في مختلف المحافظات الأقضية والقرى.
واذا ما أردنا النظر بعمق الى العودتين، وقبلهما منذ سنتين العودتين بلقبي الدوري والكأس الى ساحة الملعب البلدي، نجد ان نادي الأنصار الذي يحمله بدر على كتفيه منذ سنوات طويلة بعد ان ابتعد الرعاة والقييمين، بات يشكّل الحالة البديلة التي يمكنها أن تملأ الفراغ في الساحة الشعبية لبيروت التي أحبطتها سياسة التنازلات والتسويات وحولتها الى “تابع سياسي” بعد أن كانت في زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري “مهندسة” السياسات الداخلية والخارجية .
وعلى الرغم من علم الرجل الآتي من عالم الأعمال و”مدرّجات الزعيم الخضر” بأن جماهير الأنصار مؤدلجة سياسيا وعقائديا وحزبيا، وبالتالي لا يمكنه تفقيط ارقام الحضور في صناديق الاقتراع في الانتخابات، الا أنه استمر في دعم النادي حتى بعد أن خسر انتخابات العام 2018 والتي خاضها يومها منفرداً، ضد “المحدلة” المتمثلة حينها برئيس الحكومة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، ووزارة الداخلية، وخرج منها خاسرا، ولكنه لم ينسحب على الرغم من كل محاولات ضربه واقصائه احيانا بالترغيب وأحيانا أكثر بالترهيب، والتي كان منها محاولة الاطاحة به من رئاسة نادي الأنصار .
الا أن الرجل خرج من المعركة بجروح ، وبقي على رأس نادي الأنصار، وبقي صامدا وأكمل داعما وحيدا للنادي الأخضر وللحالة الاجتماعية التي يشكلها هذا النادي العريق، وقام بترميم حالته اللوجستية فانشأ مؤسسة البدر الخيرية كما العديد من المؤسسات التي عملت بالتوازي مع نادي الأنصار على مد يد العون لكل محتاج وطبعا على حسب الامكانات، كون الرجل ليس دولة وهو لا يتلقى أية مساعدات لا من الداخل ولا من الخارج ويقول أحد عارفيه :”اذا ما اشتغل نبيل بدر مابياكلوا موظفينو” على عكس الزعامات الأخرى التي تنتظر مالا سياسيا لن يأتي كي تساعد موسميا.
بعد العام 2018 نضج الرجل سياسيا وعرف من اين تؤكل الكتف، ففاز بمقعد نيابي بعد ان تمكنت اللائحة التي تزعمها أن تحصل على حاصلين ودخل الى الندوة البرلمانية ، وسريعا أدرك بأنه من الواجب تشكيل جبهة سنية أو تكتل وطني يجسّد تطلعاته بعيدا عن السياسة التقليدية التي تؤلّه الزعيم أو “العراضات الاعلامية” التي يقوم بها بعض النواب المراهقين، الا أنه دائما ما كانت الأبواب مقفلة في وجهه لأسباب عدّة لعل ابرزها عدم توافقه مع الأقطاب السنة على مشروعه الاجتماعي الانمائي للعاصمة مع اعتراف الرجل وقبوله بحجمه السياسي.
فعاد الى المربّع الأول حيث نشط عبر مؤسسة بدر الاجتماعية الخيرية ومؤسساته العاملة في لبنان على تقديم المساعدات التي طالت الطلاب في المدارس والجامعات والمساعدات الطبية والغذائية، عداك عن اجرائه مئات العمليات الجراحية التي تحتاج الى العلاج في الخارج منها على سبيل المثال لا الحصر عملية زرع قرنية لاحدى المواطنات في منطقة الشمال!
لم يميز الرجل بين لبناني وآخرفي عمله الاجتماعي أو الرياضي، ولا بين مذهب وآخر، فالباحث بين أسماء مستشاريه وموظفيه يجد علي وعمر وبترا وكريستين وجويل ومعروف، هكذا هو الرجل عابر للطوائف ولكنّه سنّي الهوى لبناني الهوية.
كيف لا وبيروت ولاّدة وهو بيروتي ابن بيروتي، الا أنه على الرغم من كل ما تم ذكره، لا يكاد يفتح بابا للأمل حتى تقفل في وجهه أبوابا بسبب النكد والحسد على الرغم من ان الرجل لم يطلب المساعدة يوما من اية مرجعية أو أية دولة خارجية ومصدر أمواله معروف، ولو كانت عليه أية تساؤلات لخرجت الى العلن في الحرب التي خيضت ضده في انتخابات 2018 ولا تزال الى الآن.
فممنوع على نبيل بدر أن يحتفل في الطريق الجديدة، وممنوع عليه ان يعيد ترميم ملعب بيروت البلدي من جيبه الخاص، وممنوع عليه أن يعيد للطائفة السنية الكريمة والتي تعتبر للمناسبة الطائفة الأكبر في لبنان بريقها ودورها بعد أن تحوّلت الى متفرج على صراع شيعي مسيحي على المناصب من أصغر حاجب في دولة متآكلة الى أكبر رئيس.
وقد يأتيك من يقلل من الكلام الوارد اعلاه ويعتبره تضخيما بحق الرجل، الا أنه وبسهولة يمكننا عبر الوقائع التالية ونحن الذين لم نلتق يوما مع النائب نبيل بدر وهو لا يعرفنا بالشخصي والله على ما نقوله شهيد أن نرد ونحن المتابعين له بالتالي:
أولا: من يعرف الرجل من زملائه في العمل عندما كان موظفا في احدى الشركات، يعلم تمام العلم كيف كان يقوم بتوزيع مرتّبه على المحتاجين من زملائه دون حتى أن يدروا من اين اتت تلك المساعدة .
ثانيا: وللتذكير فقط، وربما الحلقة لا تزال في ارشيف قناة المنار التي خصّصت في العام 2016 لتكريم الطّلاب المتفوقين في الامتحانات الرسمية ، وكان ان تم دعوة الرجل كونه رئيسا لنادي الأنصار حيث فاجأ وقتها مقدم الحلقة عماد مرمل بتقديمه منحا تعليمية حتى المرحلة الجامعية لثلاثة طلاب متفوقين لم يسأل حتى عن مذهبهم أو جنسيتهم بل اختارهم بحسب معيار تفوقهم وحالتهم الاجتماعية.
ثالثا: بعد انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب من العام 2020 أمر بانتشار موظفيه وعدد كبير من المتطوعين الشباب في المناطق المنكوبة والدخول الى كل المنازل لتوزيع الدواء والغذاء، ورفع الأنقاض وهو قام بترميم مبنى في مواجه للعنبر الذي فجّر المرفأ وفجّر معه مدينة بأكملها وخصص لهذا الأمر شعار: “تيبقوا ولاد الحي “كما خصص معاشات دائمة لأهالي متضررين ممن فقدوا أبناءهم في الانفجار المذكور.
رابعا: في المجال الرياضي ومنذ سنوات لم يقتصر دعمه على نادي الأنصار فقط، بل تخطاه الى وضع رياضة الشطرنج على الخريطة العالمية عندما كان رئيسا للاتحاد اللبناني للعبة ورئيسا لاتحاد البحر الأبيض المتوسط، وحتى انه دعم أندية رياضية في كرة القدم وغيرها من الالعاب وقام بتوزيع لقاح كورونا على العديد من الاتحادات الرياضية عبر وزارة الشباب والرياضة.
خامسا: على الرغم من خسارته انتخابات العام 2018 النيابية ومحاولات اقصائه عن رئاسة نادي الأنصار، انظروا اليوم اين هو الأنصار، والأهم حالته الشعبية والاجتماعية، كل ذلك لم يتأتى من فراغ بل بفضل الدعم والرعاية التي يقدمها عبر مؤسساته للزعيم الأخضر، وعلى الرغم من ان الباب كان مفتوحا أمامه على مصراعيه للهرب من تحمل عبئ تكاليف النادي الضخمة الا أنه ليس من النوع الذي يهرب بل هو يهوى التحدي.
هذا غيض من فيض، لأننا اذا أردنا أن نعدد ما قام به الرجل لن تكفي الصفحات للحديث عن الانجازات، ولعل ما قاله الشاعر الراحل نزار قباني عندما غازل بيروت قائلا: “نعترف امام الله الواحد نعترف، أنّا كنّا منك نغار، وكان جمالك يؤذينا ” يمكن أن تنطبق “كنّا” اليوم على من يغار على بيروت من ابنها نبيل بدر لأنّ سلوكه الانمائي والاجتماعي تجاه مجتمعها وتحمّله مسؤولية الدفاع عن كرامة أهلها وناسها الفقراء يؤذيهم، ربّما لذلك فهم يغلقون الأبواب في وجهه.
الخلاصة: بيروت ولاّدة، وابنها نبيل بدر هو الوجه الحضاري الفعلي الذي يمثلها، فلا تغلقوا الأبواب في وجهه لأن التاريخ والناس لن يرحـموكم.

* صحافي لبناني مغترب في استراليا منذ 1979

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى