
مقتل السفير… وإنتكاسة التغيير…
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
حين قرر الإمام الحسبن عليه السلام الإستجابة لدعوات ورسائل الشخصيات الرائدة في مجتمع الكوفة – رؤساء وزعماء العشائر والقبائل وعدد كبير من الوجهاء والإشراف والقادة العسكريين- (تجاوز عدد الرسائل 12 ألف رسالة وكتاب)، يدعونه فيها للقدوم إليهم، مؤكدين بأنهم لم يعودوا يعترفون بالحكم الأموي ولا يتعاطون أو يخضعون لأوامر النعمان بن بشير والي يزيد على الكوفة، فأرسل إليهم الإمام الحسين (ع) إبن عمه وثقته مسلم بن عقيل سفيراً مفوضاً فوق العادة وممثلاً شخصياً يمهد الأرض والأوضاع لحضور الإمام الحسين عليه السلام، لأنه يؤمن بأن للناس أن تختار حاكمهم بموجب نظرية الشورى التي وضعتها تفاهمات السقيفة (سقيفة بني ساعدة) التي أقر فيها المجتمعون (بعض قيادات المهاجرين والأنصار) بتنصيب أبو بكر الصديق خليفة للمسلمين في نهاية عهد النبوة وبداية عهد الخلفاء الراشدين.
وكان من بين الرسائل التي وصلت إلى الإمام الحسين عليه السلام: (بسم الله الرحمن الرحيم، إلى الحسين بن علي من سليمان بن صرّد والمسيب بن نجية ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر، وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة، سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد: فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتـزها وغصبها فيأها وتأمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبُعداً له كما بعدت ثمود، إنه ليس علينا إمام، فأقبل لعّل الله أن يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله، والسلام ورحمة الله عليك).
وعندما وصل سفير الإمام الحسين إلى الكوفة وجد عدداً كبيراً من الأنصار الذين حفوا به (قُدر عدد من بايعوا مسلم بأكثر من 18 ألف شخص في اليوم الأول) وقد إقتنع مسلم بأن الكوفة قد أصبحت تحت قبضة يده وسلمت له أمرها طوعاً ومبايعة، فأرسل إلى الإمام الحسين يستعجله القدوم، وكان والي الحكم الأموي النعمان بن البشير متساهلاً مع حركة مسلم بن عقيل حقناً للدماء وتحاشياً للإشتباك مع الإمام الحسين وآل بيت الرسول الكرام (ص)، لكن ذلك لم يعجب أنصار البيت الأموي في الكوفة فأرسلوا الأخبار إلى الحكومة الأموية بالشام، فأشار على يزيد مستشاره سرجون باستبدال الوالي الضعيف البشير بن نعمان بوالٍ أشد بأساً قسوة وإجراماً هو عبيدالله بن زياد والي البصرة، وتكليفه العمل على إستعادة الأمن والسيطرة على الكوفة، وعندما صدر القرار بضم الكوفة لإمرة عبيدالله بن زياد إلى جانب البصرة، وضع البصرة في رعاية أخيه عثمان، ودخل إلى الكوفة متلثماً ومعتمراً عمامة سوداء كنوع من التمويه والتشبه بلباس بني هاشم دون أن يتكلم مع الناس، فظنه الناس الإمام الحسين، لكنه حين وصل إلى قصر الإمارة كشف عن وجهه وشخصيته وسلم الوالي خطاب عزله، ثم بدأ في إتخاذ ما يلزم من إجراءات ومؤامرات لإستعادة السلطة والسيطرة عليها.
كانت أولى الخطوات التي إتخذها الداهية بن زياد بث الجواسيس والعيون للبحث والتحري عن مسلم بن عقيل والقبض عليه، ثم إستدعى رؤساء القبائل وباشر في تهديدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وحين تمكن مسلم من جمع جيش قوامه 4000 مقاتل وحاصر مقر الحاكم، وكان يمكن لتلك الخطوة إنهاء السيطرة الأموية على الكوفة لولا الخيانات التي تعرض لها جيش مسلم، فقد مارس بن زياد دهاءً سياسياً كبيراً هدد من خلاله القبائل بقدوم جيش جرار من الشام يذبحهم، ثم بدأ في توزيع الرشاوي والمكافئات وإستمالة زعماء العشائر والقادة العسكريين، حتى تمكن من تفريق جيش مسلم وتبديده، ثم بدأ في ملاحقته وتقصي أنصاره وأعوانه، وعندما ظفر بمسلم بن عقيل وهاني بن عروة قتلهم شر قتله، وأمر بجر أجسادهم بالخيول في طرقات وسكك الكوفة ليكونوا عبرة لمن يعتبر، وهكذا بث الرعب والارهاب بين الناس، ثم زج بأغلب أنصار الإمام الحسين في غياهب السجون وأرسل بعضهم إلى المنافي، وكان مسلم بذلك أول شهيد على طريق ثورة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وهكذا إنتكس مشروع التغيير الذي كان يطمح له أهالي الكوفة كنوع من الاحتجاج والإعتراض على تولي يزيد بن معاوية مقاليد الخلافة الإسلامية.