كربلاء… سيدة الأرض

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

في البدء كانت كربلاء، خيط الفجر الأول، منها انسّل شُعاع نورٍ وضياء، صعد إلى الفضاء الأعلى، وهناك تكور وتراكم وتماسك واستدار، حتى استحال شمساً منيرة تتوسط كبد السماء، وعندما اكتملت الأنوار الفيضانية وصار لها وهج ولهيب وأشعة، بعث الله إليها ملائكة مقربين، يأمرونها بأن تشرق على الأكوان، فأتت منصاعة طاعة، أسقطت أشعتها كخيوط ذهبية على الأرض ومنها بدأت الحياة.

كربلاء كانت البِذرة الأولى للقيم والمبادئ والإنسانية، وحين أورقت أشجاراً مثمرة وارفة الضلال، لجأ اليها آدم عليه السلام عندما هبط إلى الأرض، فكانت له برداً وسلاماً وملاذاً آمناً إنطلق منه ليعمر الأرض ويزرعها، رأى الفرات يتلألأ أمام ناظرية ويغريه بالورود، وعندما غرف منه غرفة ليشرب ويري ظمأه، سرت في جسده بذرور الحياة فكانت ذرية بني الإنسان، كان النهر في موسم الفيضان، ومنه سارت أودية وجداول تروي الأرض العطشى، وعندما تشققت وأينعت خرج منها الزرع مختلف ألوانه وثماره وصارت تؤتي أكلها في كل حين.

عندما إخضرّت الارض وربت، أصبحت كربلاء سيدة الكون وعنوان الحياة، فتكالب عليها المتنافسون والطامعون والطامحون والعاشقون، وراحوا ينهلون من خيراتها وثمارها وماؤها وفراتها، وحين أوشكت تربتها على اليباب، رفعت كربلاء أكفها تتضرع لمولاها أن ينقذها ويهب لها من أبنائها من يهب لنجدتها ويعيد إليها مجدها الأبدي، فإختار الله حسيناً سبط رسوله الكريم شهيداً، يهب لها روحه الثائرة الطاهرة قرباناً، ويسقيها من دماء أهل بيته، أهل بيت العصمة والنبوة والكرامة دماءاً وبياناً، فعاد النبض إلى قلبها وأنجبت دهراً من الشهداء.

يتوالدون ولا ينقطع نسلهم، ينتشرون على الأرض، يراقبون المد والجزر والليل والنهار، يعتنون بالصغار ويحنون عليهم، ويأخذون بيد الكبار إلى ميادين الشرف والفضيلة والعطاء والشهادة، يرسمون طريق الخلاص أمام الناس وينيرونه بزيت دمائهم الطاهرة، فيعيدون للشمس خيوط ضياءها كلما أوشكت على الأفول، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المضلون والحاقدون.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى