مُت غنيا وإلا لن تجد لك قبرا يحتضن جسدك

أجواء برس – دمشق

اختر واحداً من العقارين إما بيت أو قبر؟
هذا ليس بتهديد، إنما هو حال المواطن في سوريا، فالموت في هذه البلاد أصبح رفاهية، ولكي تجد لك قبرا محترماً.. عليك أن تكون من ذوي الطبقة الاجتماعية المخملية، وإلا قد تدفن فوق أحدهم وبذلك تصبح مخالفاً للفتاوى الشرعية التي تحرم ذلك.

على الرغم من انتهاء الحرب في سوريا إلا أن المقابر تشهد اكتظاظاً بأعداد المتوفين الذين فاق عددهم قدرة المقابر على الاستيعاب، الأمر الذي ساهم في ظهور سماسرة مختصين في المقابر وتحول الموت إلى سلعة مربحة في ظل انخفاض العرض وزيادة الطلب

تضم مدينة دمشق وما حولها حوالي ثلاثين مدفن، إضافة للمدافن الخاصة، إلا أن هذه المقابر ضاقت على موتاها ووضعت ذويهم الأحياء في معضلة البحث عن المسكن الأخير للجسد، حيث لحق التقسيم والتفريق بين الطبقات الاجتماعية إلى المقبرة، فمت يريد قبرا في مقبرة “باب الصغير” القريبة من حي الشاغور أو في مقبرة “الدحداح” في شارع بغداد عليه أن يعلم أنهما الأغلى في العاصمة.

في القانون لا تتدخل الدولة في بيع وشراء المدافن ويقتصر عملها على ما جاء في المرسوم التشريعي رقم /116/ تاريخ 15/10/1952/
وفي المادة الأولى جاء “يؤسس في كل بلدية كبرى مكتب يسمى (مكتب دفن الموتى )، أما في المادة السادسة فيقوم المكتب بواسطة مستخدميه وعماله ببعض الأمور
كتجهيز وتكفين الموتى، تأمين وسائل نقل الموتى، تأمين مراسم الصلاة، وأخيرا تأدية جميع النفقات التي تستلزمها الأعمال السابقة وسواها التي يتطلبها نقل الموتى حتى مرقدهم الأخير بشكل لا يدع مجالا لذوي المتوفي من القيام بأية نفقة إضافية”، وهذا ما نجده اليوم في مقبرة” نجها” التي تقع في منطقة الحسينية في ريف دمشق وتبعد عنها 13 كيلو متر، حيث تتسع ل 42 ألف قبر ومنها ثلاثة آلاف فارغة، ولأن قلة من الناس يقصدونها لبعدها عن المركز وصعوبة زيارة ذويهم المتوفين، فقد اقتصرت على الفقراء والنازحين المقيمين في دمشق.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن القانون السوري يشدد على ملكية القبر بتحديد الأشخاص الذين لديهم أحقية الدفن فيه، ويمنع بيع القبور بالكامل، بينما يسمح بالتنازل عنها لكن ضمن الورثة الشرعيين، إلا أن المواطنين يبيعونها بين بعضهم البعض خارج إطار المحكمة، ثم يتنازلون عن القبر في “مكتب دفن الموتى” بحجة أنه تنازل بدون أي مقابل مادي، ويحصلون على حكم قضائي بنقل الملكية.

هذه الطريقة أدت إلى ظهور سماسرة القبور بشكل ملفت، فتجارة الموت أصبحت مربحة ولها تجارها الخاصين الذين يشترون عشرات القبور ويتاجرون بها ويبيعونها للناس كلٌ حسب وضعه المادي، حيث تجاوز سعر القبر الواحد عشرة ملايين ليرة سورية، وبذلك يكون بات القبر بمنزلة العقار، حتى أنه يتشابه في سلبياته مع أزمة السكن من بيع وشراء وإيجار.

 

أما عن تكلفة دفن الميت فهذه قصة أخرى، فقد لا يغطي راتب موظف هذه التكلفة التي قد تصل إلى حد متوسط 45 ألف او إلى 80 ألف ليرة سورية إذا كان الميت مصابا بفايروس كورونا، وتتضمن التكلفة (الكفن- الليف- الصابون- القطن وأجور حفر القبر)، ويستثنى منها الشهداء ليقدم لذويهم بالمجان.
هذا عند الطائفة المسلمة أما عند المسيحيين فالتكلفة مرتفعة أكثر وتذهب إلى ارتفاع سعر التابوت الذي يبدأ من 150 ألف ليرة سورية ليصل إلى الملايين، هذا ولم يتم الحديث عن تكاليف المأتم الذي من الممكن أن يصل إلى حد المليون ليرة سورية كحد وسطي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى