
الطائفية… الوجه القبيح للكراهية
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
موجة عاتية وغريبة من الطائفية المقيتة تنتشر هذه الأيام في مجتمعنا البحريني المسالم بطبعه، والذي جُبل على التعاون والترابط الإجتماعي وأعلى درجات العيش المشترك طوال مئات السنين، من دون الإلتفات إلى إختلاف المذاهب التي يتعبد بها المواطنون، وقد تجسد ذلك إنصهاراً وطنياً وتداخلا إجتماعياً ساهم في صياغة وتأسيس الهوية البحرينية الجامعة، حتى بات البحريني عملة إنسانية نادرة في المحيط العربي، تحظى بالإحترام والتقدير والمحبة من قبل الجميع.
لقد ظهر هذا الانسجام الوطني جلياً منذ حقبة الغوص ورحلة المعاناة والتعب والتعرض للأخطار في مواسم صيد اللؤلؤ، حيث الرجال كتف بكتف وبجانب بعضهم البعض يعينون ويتعاونون داخل هيرات اللؤلؤ والمغاصات التي كانت تحيط بجزيرة البحرين أبان حقبة ما قبل النفط، وعندما تم اكتشاف النفط في العام 1932، كان العمل في شركة النفط باباً آخر للترابط والتواصل والعيش المشترك، وقد عزز ذلك من نضالهم وسعيهم لطلب الرزق ومن أجل نيل حقوقهم وتحسين ظروفهم المعيشية والمجتمعية التي كانت صعبة على الجميع في ذلك الزمان، حتى غدت التجمعات العمالية آنذاك عاملاً وحدوياً ساهم في تأكيد الإنتماء والولاء لهذه الأرض الطيبة، وكرس التسامح الديني والمذهبي بين المنتمين لمختلف الطوائف والأديان.
وخلال حقبة النشاط الطلابي التي استمرت أكثر من نصف قرن شرع الطلبة في تأسيس الروابط الطلابية بالتزامن مع إنتشار البعثات الدراسية في العواصم العربية والعالمية، وتحولت تلك الروابط لاحقاً إلى فروع نشطة للاتحاد الوطني لطلبة البحرين الذي تأسس في 25 فبراير 1972، بعد عام واحد على الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وكان المنتمين لهذا الاتحاد جسداً طلابياً وطنياً عروبياً واحدًا، لم يفرق هؤلاء النشطاء في عطائهم العلمي والثقافي والوطني أي نفس طائفي أو مذهبي، بل إن تلك الفترة الذهبية قد ساهمت في التأسيس لكثير من الشراكات والزيجات المختلطة العابرة للطوائف، والتي استمرّت وأثمرت علاقات عائلية ومجتمعية ثرية بالمحبة والتلاحم.
لقد قاد ذلك إلى خلق المزيد من الترابط المجتمعي، حتى بتنا لا نعرف ولا نهتم أن نعرف الإنتماء المذهبي لزملائنا الذين أحببناهم ولا نزال نحبهم، ونخاف عليهم ونتواصل معهم بعد أكثر من أربعين عاماً على تعارفنا وعملنا معهم في مختلف أنشطة وفعاليات الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، لكننا وللأسف الشديد نشهد هذه الأيام نوعا من الردة الاجتماعية التي تمثلت في إقدام بعض ضعاف النفوس من المرضى والموتورين الى تبني ونشر دعوات التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد على أساس عرقي وطائفي، وصل إلى حد المناداة بحصر استخدام صالات وقاعات المناسبات والأعراس على المنتمين لمذهب من أسس هذه القاعات فقط.
أي روح حاقدة تلك التي تحمل من الكراهية والبغضاء والأمراض النفسية، ما يجعلها تستدعي الفتنة وتنشط في مجال التفتيت المجتمعي، متذرعة بالأكاذيب والهوس الطائفي المقيت، حتى باتت تنضح كراهية وأمراضاً طائفية لم يعتدها المجتمع البحريني المنفتح على كافة الحضارات والثقافات والديانات والمذاهب والعقائد الروحية والفكرية، وهي الصفات التي ميّزت مجتمعنا في البحرين وستظل، ومتى تلتفت الجهات المعنية إلى أهمية مواجهة ومحاصرة هذا النفس الذي قد يؤسس إلى إحتكاكات قاسية وإنقسامات تشطيرية مصطنعة للمجتمع قبل فوات الأوان، وللحديث صلة.