ناصر عبدالحفيظ يكتب د. حسام عطا الذي أثرى المسرح بروائع يعقوب الشاروني 

متابعة مروة حسن

ذكر الكاتب ناصر عبدالحفيظ خلال مشاركته في معرض القاهرة عن تجربته الشخصية مع الراحل يعقوب الشاروني، حيث قال: في اللحظة الأولى التي وجدت فيها اسم الكاتب العبقري الراحل يعقوب الشاروني تزين تصميمات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الحالية كشخصيّة المعرض تملكتني حالة من الحنين والعودة إلى عام 2006.

حيث كنت أعمل وقتها مخرجاً منفذاً لرائعة الكاتب الراحل يعقوب الشاروني “أمير الأحلام”، هذا العمل الذي كان يقدم قطعة فنية ثمينة من روح مصر، وأبرز صناع المسرح المصري التي لامثيل لها ولم يستطع أحد أن يملأ مدارها بعد أن سبقتنا إلى عالم الحق، وأصبحت لحظاتي التي عشتها بينهم لموسمين على خشبة مسرح السلام بشارع القصر العيني هي حلم جميل تحقق، ولا زلت أتنفس نجاحاته في خطوات حياتي مما تعلمته على أيدي د. حسام عطا والكاتب الرائع يعقوب الشاروني وأساتذة أبو الفنون النجم الفنان القدير عبدالمنعم مدبولي، والنجم الفنان القدير الراحل أشرف عبدالغفور والنجم الفنان القدير الراحل محمود الجندي والفنان القدير الراحل ماهر سليم، ونخبه من زملائي وأساتذتي الذين نستعيد كلما التقينا أجمل وأرقى لحظات قضيناها نعمل ونتعلم من جيل فني لا يتكرر منحنا قطعة الماظ أصيلة من روح مصر وقاعدة إنطلاق سوية نشق بها طريق الحياة المليئة بالمحن والصعاب.

كان لا بد لهذه السطور في المقدمة لأستعيد حالة البهجة والشغف والعشق والإخلاص والتفاني للوطن وللمسرح ابو الفنون كقوي ناعمة وقلعة حصينه للحفاظ على الانتماء والعطاء من دون إنتظار مقابل.

وتابعت بالأمس بفعاليات معرض القاهرة للكتاب ندوه هامة عن يعقوب الشاروني كاتباً مسرحياً تحدث فيها نخبة من الأساتذة والزملاء الذين أقدرهم واحترمهم واثني على عطائهم، لكني سأعيد على القراء جزء مما تحدث به الاستاذ والصديق د حسام عطا المخرج القيمة والقامة الفنية الفنان الرائع الراقي صاحب القلب الطفولي، والذي يمتلك حساً إنسانياً حافظ عليه رغم المحن والصعوبات وعوامل الضغط التي تعرض ويتعرض لها خلال مسيرته الفنية المليئة بالعطاء، شأنه شأن النماذج الناجحة والمثل العليا التي استطاعت النجاة بحضورها وعطائها لاستكمال مسيرتها الطموحة

كما تابعت بشغف ما قاله عبر الندوة والتي أكد خلالها قائلاً: كانت تجربتي الإبداعية الاولى مع الكاتب المصري الكبير الأستاذ يعقوب الشاروني عام 1989 عندما كلفني بإخراج عرضاً مسرحياً للاطفال من إنتاج المركز القومي لثقافة الطفل عندما كان رئيساً له، وكانت لديه أعمال مسرحية عديدة، ولكنه أدرك بحس المبدع أنني وقعت في غرام مجموعة أجمل الحكايات الشعبية التي أصدرها وكان من السهل أن يتخلص مني ويتعاقد مع أكبر المخرجين المسرحيين في مصر، ولكن ولعي بالحكاية الشعبية “البئر العجيب” أنتقل إليه فجلس يكتب معنا، ولأنه من الكبار فقد تعاون مع شاعر شاب آنذاك هو محمد الغيطي الذي طلبت منه صياغة شعرية للحوار الدرامي، وبدأ العمل لتحقيق فكرته عن مسرح ثري بالخيال بسيط جداً في صياغته، وكان يتابع معنا التدريبات يومياً تقريباً في قاعة هادئة جداً بالمركز القومي لثقافة الطفل بمدينة الفنون بالهرم هدوء نادر ودعم ثقافي إبداعي، وإمداد بكتب في علم النفس وعلم الإدراك فتحت أمامي اهتمامي البحثي الأثير بموضوع جماليات التلقي فيما بعد.

ثم مناقشة معي حول كل مشهد ومناقشة مع الفنان التشكيلي الكبير الآن المعيد آنذاك بقسم المناظر بالمعهد العالي للفنون المسرحية نبيل الحلواجي، حتى الإعلان ناقشنا فيه لنحصل على نسخة إبداعية لإعلان المسرحية.

ثم وفر لنا مسرح الجمهورية كي نقدم عليه افتتاح العرض دقة عالية انضباط ثقة كل المتطلبات الإنتاجية متوفرة، واهمها الإحترام والتقدير والمحبة والإيمان المتبادل بالابداع والتجربة، وأيضاً المتابعة المستمرة ثقافياً ونقدياً كان يلعب دور المشارك المراقب أو المبدع الناقد، وهو دور كان جديداً جداً علينا، فهو المنتج الفني وصاحب النص الأصلي وصانع البيئة الحاضنة للإبداع، وفيما بعد عرفت أن ذلك الدور هو دور الدراماتورج بمعناه الحقيقي العلمي طبقه معنا قبل انتشار المصطلح العلمي في الدراسات النقدية المعاصرة.

ونجحت “البئر العجيب” ورشحتها الناقدة الكبيرة منحة البطراوي واستاذتي العظيمة د. هدى وصفي للمشاركة في مهرجان بوردو الدولي الأول لمسرح الطفل بفرنسا، وكانت المفاجأة لنا جميعنا حصد العرض الجائزة الكبرى جائزة أفضل عرض مسرحي اجنبي في مهرجان بوردو الدولي الأول لمسرح الطفل بفرنسا عام 1990،  وبعد الاحتفاء الإعلامي بالجائزة اختفى العرض وترك الأستاذ المركز القومي لثقافة الطفل. ومرت سنوات حتى أعاد إنتاجه المخرج الكبير الأستاذ كرم مطاوع، رحمه الله رحمة واسعة، وهو رئيس البيت الفني للمسرح لصالح المسرح القومي للاطفال وكان مديره الكاتب المصري الكبير الشاعر شوقي خميس، الذي حافظ على المسرحية لمدة سبع سنوات متصلة وظلت تعرض بإسم القومي للاطفال حتى ترك مقعده.

جيل رحل، لكنه جيل العمالقة جيل من فضل الله علينا أننا عملنا معه في بداية الوعي وفي أول المشوار،

التجربة الإبداعية الثالثة حقاً كانت مدهشة جداً، إذ أن حكايته الشعبية “بلح الشاطر حسن” قد فجرت لدى رؤية اخراجية ملحة كي أقدمها للكبار، فكانت مسرحية “نخلتين في العلالي” بطولة احمد الشافعي وغادة عبدالرازق والفرقة القومية للفنون الشعبية، وصمم استعراضاتها الفنان الكبير كمال نعيم وكتب أشعارها المتفرد الكبير د يسري العزب، ولحنها المبدع الكبير حسين فوزي ووزعها وكتب لها الموسيقى المايسترو عبدالحميد عبدالغفار.

وقد مضى معي الاستاذ الشاروني في مغامراتي الإبداعية والتي حققت نجاحاً مدهشاً أسفر عن دهشة كبرى للمناظر والملابس التي وضعها إبراهيم الفوى وكانت رؤية مدهشة بصريا وسمعيا ونحن نعود لحكمة الشعب المصري العظيم وهو يتأمل تصاريف القدر وبراءة النية وحب الخير ومكافآت الله للطيبين كل ذلك تم بصيغة عميقة وبسيطة معا وكان الأستاذ الشارونى كاتبا وداعما ومراقبا مشاركا رفيع المستوى

التجربة الإبداعية الرابعة هى أمير الخيال عن حكايته هدايا فيروز وفيها أسعدنا الحظ بمجموعة عمل عظيمة الشاعر الكبير جمال بخيت والحلوجي للمناظر، وكانت المفاجأة هي موافقة الفنان الكبير أشرف عبدالغفور والفنان الكبير عبدالمنعم مدبولي على المشاركة في العصف الذهني لكتابة المسرحية تحت إشراف الدراماتورج الأستاذ الشاروني، بدأ العمل بمكتبة المسرح القومي ثم إنتقل إلى بيته، وذات يوم كنا في صيام رمضان وذهبت ومع المخرج المنفذ آنذاك الصديق ناصر عبدالحفيظ لمنرله العامر كي نننهي من النسخة النهائية. فصام معنا اليوم تقريباً وعندما قررنا الانصراف قبل المغرب بقليل كان الإصرار على أن نفطر سوياً.

وكان افطاراً رائعاً ببهجة المحبة وسعادة الانتهاء من النص عرضت المسرحية على مسرح السلام بالقصر العيني، وأذكر أن العروض المسائية في ميعاد النهارية، والتي نظمتها د. هالة الشاروني كانت عروضاً من أرقى ما شاهدت في حياتي المهنية.

وقد أكمل الدور الفنان الكبير محمود الجندي عندما بدأ الأستاذ مدبولي يشعر بالإجهاد، وكان يتبادل مع الجندي العروض تجربة نادرة في معنى الوفاء عندما يقول الجندي لأستاذه مدبولي العرض الذي تحب أن تذهب إليه قل لي أرتاح يا محمود، غير ذلك أنا أتشرف أن أتبادل مع حضرتك دوراً واحداً طاقة إبداعية وعالم من الإحترام والرقي، جاء لنا مع حضور الاستاذ الكبير يعقوب الشاروني كاتباً مسرحياً مبدعاً ومثقفاً كبيراً ممارساً لدور الدراماتورج لأرواحهم المبدعة الطاهرة الطيبة السلام أسكنهم الله فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى