
ماذا عن الخير في شر شباط، وزلزاله المدمر..؟
ميخائيل عوض
في كل شر خير، حكمة من كتب القدماء تحمل الف معنى وأهم ما فيها الإصرار والتصميم على التعامل مع الشر واشتقاق الخير من بطونه، بالمعرفة وبالسعي لاكتشاف الخير والاستثمار به.
الشعوب والأمم والقوى التي آمنت بهذه المقولة صنعت التاريخ، وحققت المعجزات، وقررت بنفسها مسارات مستقبلها ودورها، فحجزت لها مكانة كقوة متوثبة لا تكسرها هزيمة ولا تقعدها أزمة أو إخفاق…
وفي تقاليدنا ومأثوراتنا وكتبنا السماوية ما يشبهها، وإن أقل حافزيه وتحفيز؛ لا تكرهوا شيئاً لعله خير لكم – رب ضارة نافعة، والضربة التي لا تميت تقوي…
ماذا لو كان في زلزال وشر شباط خير ؟ فهل نبحث عنه؟ هل نلتقط ارهاصاته ومؤشراته ونبني عليها؟ أم سنقف كالعجزة نندب حضنا ونرمي اعبائنا على الطبيعة أو على الله عز وجل أو على الآخرين.
في الأزمات وأمام التحديات والصعاب تكتشف الهامات، وتشمخ القامات وتتجلى أفضل ما في الإنسان والأمة والشعوب من صفات وقدرات. فمن هاب صعود الجبال بقي أبد الدهر بين الحفر…
والحق أن الحياة كفاح ونضال، وكلها تحديات على المستويات الفردية أو الاجتماعية، والسياسية، فمن يعجز عن إدارة التحديات والاستثمار بها لخيره تحولت إلى أزمات ثم تستعصي وتتحول إلى تدميرية، هكذا أراد الله في خلقه….
فأي خير يمكن أن نستثمره في شرور الزلازل والأزمات ونشتق الخير من قلب المخاطر والملمات؟
تجربة الحياة قررت أن أحداث صغيرة عابرة في ظروف وشروط تتحول إلى فرص لإحداث التغيرات النوعية، وتكون شرارات لإطلاق العاصفة، كالقشة التي تكسر ضهر البعير، وطالما فتحت الأحداث الدموية والكوارث فرص وكسرت جدران وجليد العلاقات بين الدول والشعوب والأمم ” دبلوماسية الكوارث”.
رب ضارة نافعة، فضرر الزلزال الذي لم يدم سوى 40 ثانية هائلة وكارثية، غير أن سورية تعرضت لزلازل مستدامة منذ 12 عاماً وما زالت، والزلازل التي ضربت سورية من صنع الإنسان المتآمر الجشع العدواني والمتعجرف، وقد دمر وقتل وشرد أكثر من زلزال الطبيعة بعشرات آلاف المرات، والأخطر انه ما زال جارياً وبعنف، ويستهدف الإنسان بالتدمير والتجويع والحرمان من أبسط حاجات الحياة.
أميركا العدوانية والمتعجرفة تضع سوريا وشعبها تحت خطر المجاعة بحروبها العدوانية والتجويعية والحصارات بالذرائع التافهة وبعدوانية تدخليه وثأرية.
فرض زلزال شباط نفسية، واستنفر الهمم، وأيقظ أحاسيس وقيم، فسارع العرب إلى تعزية سورية والتواصل معها وإرسال قوافل المساعدات. والصحيح أنها ليست بالسرعة والحجم المطلوب، إلا أنها في ظرفها وطبيعتها تمثل مؤشرات وارهاصات قد تبشر بالخير، كمثل اتصال الرئيس المصري السيسي بالرئيس الاسد وإرسال مصر المأزومة المساعدات عبر المطارات السورية، إلى اتصال رئيس دولة الإمارات والملك الأردني بالأسد، وتسير القوافل والطائرات إلى مطارات سورية، ما يعني أن العرب قادرون على كسر الحصار وهزيمة حرب التجويع، والتفاعل فيما بينهم بمجرد أن تكون لهم الحافزية والأسباب الموجبة، ويمتلكون الحد الأدنى من الجرأة ويقدمون.
فالاتصالات بين الدول التي كانت تقاطع سورية وتلتزم أوامر واشنطن في فرض الحصار والتجويع، تفيد بأنها ربما تمردت وهي قادرة على أن تتمرد، وتمردها يعني أنها سبدة ومالكة لقرارها، وأنها تعمل حيث تكون وتتجسد المصالح الوطنية والقومية العليا، وفي هذه واقعات ونتائج ودروس يجب ألا تنسى أو يتم تجاهلها.
الشعب العراقي والحشد الشعبي والحكومة تمردت أيضاً على الحصار وهبت تناصر المظلومين وتمد يد الخير وتساعد في رفع الإنقاذ وتحرير المحتجزين، وفعلها لبنان الشعبي والحكومي بعد ضغوط شعبية ومبادرات ألزمت رئيس الحكومة بالتواصل وإرسال وفداً من الوزراء وما تيسر من قدرات، وهذه أيضاً وقائع ومعطيات دالة ومؤشرات يمكن البناء عليها وتطويرها هجوميا، لتغدو ممارسة وانماط حياة وعلاقات تستعجل تحرر لبنان والعراق من الهيمنة الأميركية ومن التبعية العمياء، وتضع حداً لحرب التجويع التي تفرضها أميركا على البلدان الثلاثة بالتوازي وتحت ذرائع تافهة وعدوانية.
والأهم. أنه في لبنان والعراق قوة وازنة حاكمة لفصائل محور المقاومة وحدود طويلة وعائلات مشتركة ومصالح تاريخية وعميقة واليوم اصبحت حياتية. وسوريا كانت سباقة في التضامن مع الشعبين بل في تأمينهم ولم تبخل باقتسام خبزها وأوكسيجينها عند الحاجة، فما هي حجج محور المقاومة وفصائله الوازنة في البلدين، وما مبرر قوته وحضوره وسلاحه ومكانته وشعبيته إذا لم يفرض الانفتاح والتفاعل في خدمة الشعوب ولإخراجها من أزماتها العاصفة، وكسر الحصار والتمرد على الإملاءات الأميركية، بل والتلويح بالحصار مقابل الحصار والتجويع بالتجويع في زمن يكرر ويكثر فيه قادة محور المقاومة وفصائله بأن يده وسلاحه وقدراته طويلة وقادرة.
فمتى له أن يستخدم السلاح والقوة ليشبع الشعوب ويهزم أميركا في آخر حروبها العدوانية، حروب التجويع والحصارات الظالمة؟ الزلزال والمبادرات الاجتماعية والشعبية واضطرار حكومات السفارة الأميركية تحت الضغوط مؤشرات وواقعات تثبت إمكانية كسر الحصار وفرضه والتمرد على الإملاءات العدوانية غير الإنسانية الأميركية الظالمة.
والاتصال الأول بين السيسي والأسد ومبادرة الجزائر، والاتصال بين رئيس الإمارات والأسد وقرار ملك المملكة السعودية وولي العهد إقامة جسر جوي مع سورية، توفر فرصة التفكير الجدي وقد نضجت الظروف والمعطيات لانفتاح أوسع ولإعادة صياغة العلاقات العربية، بما في ذلك عودة المياه إلى مجاريها بين سورية ومصر والسعودية والجزائر والإمارات، والأردن وباقي الدول، ليصير السؤال ماذا لو همت الدول والقيادات وحزموا أمرهم وعقدوا قمة خماسية أو سداسية وأكثر في دمشق لمؤازرتها في وجه الكارثة، ولتحصيت العرب والاقليم في وجه كوارث وزلازل التدخلات والحروب الأميركية التي تفرض عليهم لنهب ثرواتهم وإفقار شعوبهم وتدمير عمرانهم.
قد تكون الدعوة للقمة عند البعض وهما أو تفكيراً افتراضيا، لكنها في الواقع وحاجاته واقعية جداً ومنطقية وغير مستبعدة، فلمصر حاجة وهي عرضة للتأزيم الاقتصادي الاجتماعي وللأردن مصلحة وقد وضعه نتنياهو في عين العاصفة وقلب الهدف والازمة الاقتصادية الاجتماعية كارثية، وللسعودية مصلحة وهي تنزاح من تحت الحماية الأميركية وتسعى لسيادتها ولقرارها الحر، وللإمارات مصلحة وهي تبحث عن ببيئة وقوى حاضنة لمبادراتها وسعيها، والعرب هم البيئة والملاذ والمخرج للجميع.
وفي تركيا الجار الأبدي والمثكولة بالزلزال والزلزال وحد الجغرافية التي اجتزاها الاستعمار وقصها على قياسات مصالحه.
فهل يكون للخير مكان وآثر؟ تجيب المعطيات بأن الخير قد يعصف بسيطرة حزب العدالة وبرئاسة أردوغان وتطيح به الانتخابات إذا جرت في موعدها وإذا أجلت فستكون نتائجها في غير صالح اردوغان كاحتمال راجخ، وكما قد يلزم الزلزال وكارثته الثقيلة الأردوغانية بالعقلنة واستعجال المصالحة مع سورية والانسحاب من أرضها التي احتلت وتفكيك عصابات الإرهاب الأسود، وفي أولى النتائج المحققة حالة المرارة القاسية التي يعيشها السوريون في مناطق سيطرة الإرهاب الحليف للاردوغانية، وقد تركت تحت الدمار وتم تجاهلها تماماً من تركيا وجهودها الانقاذية، ولم تهب القوات الأميركية في شرق الفرات وحلفائها ولا في قاعدة انجرليك للمساعدة والعمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
بينما سورية المدمرة بالحرب الظالمة وبالزلازل فتحت ذراعيها لأبنائها وبادرت.
وفي جانب آخر وبحسب أغلب الخبراء المتخصصين بعلوم الزلازل، فالعدوانية الأردوغانية ضد سورية والعراق، ونهب ثرواتهم وحجب حقوقهم المائية وبناء السدود غير المدروسة وغير المبررة إلا بالقصد العدواني كانت بين الأسباب الحافزة لإحداث الزلزال والهزات، ما اضطر السلطات التركية لفتح بوبات تصريف مياه السدود خوفاً من الآتي وفي هذه عناصر خير لسورية والعراق ودرس ثقيل لتركيا الظالمة والعدوانية.
رب ضارة نافعة ففي كل شر خير.