دروس من الحياة -2 (لا تفجر في الخصومة)

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

من المهم أن يقوم كل منا بمراجعة شريط حياته وأنشطته وربما علاقاته، وأن يمارس نقداً ذاتياً على نفسه أولاً قبل أن ينتقد الآخرين، فقد إعتدنا أن نفتش عن أدق التفاصيل في حياة الآخرين، خاصة من نختلف معهم، نبحث لهم عن الزلة والهنة مهما كانت صغيرة، وقد لا نكتفي بما حصلنا عليه من معلومات خلال تطفلنا وفوضويتنا، لذلك نقوم بإعادة إنتاجها وإضافة بعض البهارات عليها.

إننا مطالبون بالتوقف عن هذا النوع من الأفعال المريضة المبنية على الحسد والحقد في أحيانٍ كثيرة، وأن نستبدلها بالبحث عن إقامة علاقات صادقة مبنية على المحبة والمودة، تساهم في تقوية العلاقات الإنسانية والإجتماعية فيما بيننا وصولاً الى مجتمعات أقل تصادماً، وأكثر تسامحاً، ولا يتحقق ذلك إلا إذا التزمنا بقاعدة ” حق الجار على الجار ولو جار”.

وبالعودة الى موضوعنا الذي أثرناه في الجزء الأول من هذا المقال، بخصوص ما حدث في جمعية المحرق التعاونية الإستهلاكية عام 1993، فإنني في الوقت الذي أقر فيه بخطأ الاستقالة الجماعية التي تقدمنا بها للضغط على زملائنا وإجبارهم على تبني وجهة نظرنا الإدارية، والتي كانت ترتكز على إقالة مدير عام الجمعية في ذلك الوقت، وهو إجراء قد يكون متطرفاً ومستعجلاً، الا أن التعامل معنا من قبل زملائنا في مجلس الإدارة كان متطرفاً ومنفعلاً أيضاً.

لقد تحرك الزملاء الأعزاء بنفسٍ إقصائيٍ غير مبررٍ تمت صبغته بنفسٍ حزبيٍ إنفعالي، فكان أن تم التشنيع ضدنا والتشهير بنا وإتهامنا بتشكيل تحالفٍ (شيعي – شيوعي) وهو نوع من الفجور في الخصومة ليس مبرراً أبداً، الأمر الذي صور الخلاف وكأنه معركة فاصلة بين الكُفر والإيمان مما ساهم في تحشيد مئات الأشخاص الذين قدِموا من مختلف الأماكن (بعضهم من خارج المحرق)، رغم أن كثيراً منهم لم تكن لهم أي علاقة أو عضوية بالجمعية، لكن الإخوة خصصوا غرفة خاصة لمنح العضوية الجديدة (العضوية يجب أن تقر من قبل مجلس الإدارة في اجتماع رسمي)، وكان الأشخاص المُحشدين طائفياً والذين لم يعرفوننا من قبل، يدخلون لتلك الغرفة فيحصلون على عضوية فورية (صورية)، يقومون بعدها بالتصويت على فصلنا من الجمعية نهائياً، وبذلك انتهت تجربة عام من العمل الجاد والمخلص لإنجاح الجمعية، وتحويلها إلى نقطة إنطلاق لتمتين الوحدة الوطنية وخلق المزيد من المشتركات، لكن التحشيد فاقم الإنقسام الطائفي فتراجع الأداء الإداري والعمل التعاوني داخل الجمعية.

ولا شك أن إسقاطات الماضي وإنفعالاته كانت أحد أسباب سوء الفهم الذي كاد أن يتحول إلى صراع طائفي دائم، لكن الحكمة وربما التجربة جعلتنا نتجاوز كثير من تلك الخلافات
التي حصلت في لحظات ضعف إنساني، والحمدلله فإن العلاقات بين أغلب العناصر التي عايشت تلك الأزمة قد تم تجاوزها، وحل بديلاً عنها التآلف والتواصل الإجتماعي وتفهم طبيعة المرحلة.

إن الدرس الذي نستفيد منه من تلك الحادثة ومثيلاتها، هو أهمية الإعتراف بالأخطاء التي حدثت في حياتنا وعملنا الأهلي، وأن نعمل على معالجتها وعدم تغذيتها بمزيد من الخلافات التي لا تنتهي، إن هذا المجتمع الصغير بحاجة الى تكريس قنوات التواصل والتفاهم بين جميع مكوناته وجماعاته وتياراته الفكرية والسياسية، بحثاً عن تعزيز روح المواطنة الواعية كرافعة للقيم المجتمعية العليا، وللحديث صلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى