حينما تصبح العقيدة عقدة…

اجواء برس

بقلم: جهاد أيوب
كثر ادعياء الإيمان والعقيدة الدينية والفكرية والعقيدة الحزبية، والمتشدقون بالصحوة الدينية، والصحوات التحررية بحجة الانتفاضة على واقعنا الحياتي، وكم قرأنا معلقات عن احترام الآخر، ومعتقده على رغم أنه لم يجارينا، والتواصل مع من لا يتفق مع افكارنا ومناهجنا وصلواتنا، وفجأة نجد كل التنظيرات، وما اتحفونا به في كتبهم المتفلسفة، وشعاراتهم المستغلة للإنسان فينا نجدها غبار الغبار، ونفايات لا قيمة لها حين الامتحان، والممارسة الواقعية على أرض الميدان!
يصر أن يعلمني أنه سيصلي، ويزور المسجد والكنيسة، ولا يبتعد عن الفروض الشرعية، ومن دون مقدمات يفرض خصوصياته علينا فرضاً، ولا يسمح لنا بمناقشته، ولا حتى قبول غير وجهات نظره!
وذاك الحزبي العتيق، والعميق، وعاقد الجبين كما لو كان هو الوحيد الفاهم والباقي تكملة عدد، يتعصب لأفكار حزبه، وقد يكون هذا من حقه في الدفاع عن افكار معتقدات عقائده، ولكن التعصب هو الجهل الأكبر، وحينا يقع التعصب نخسر قيمة وجوهر الحوار، ومن في الحوار، ولا عجب إن وقعت القطيعة الإنسانية والشخصية بعد حوارات نارية!
ولو اقتربنا أكثر إلى واقعنا الشرق أوسطي، وتحديداً ما مر على لبنان من ويلات الحروب لكثافة افكار الطوائف والأحزاب، وما مر على بلاد الشام ضمن مشاريع حزبية، وتحررية، وعنصرية، وطائفية، ودينية متزمتة لأكتشفنا أن كل هذا سقط في قمامة الدماء والحروب!
وحينما نصل إلى حرب ونحن ندعي التحاور الفكري الديمقراطي الاشتراكي الرأس مالي الديني بأنواعه نكون قد خسرنا كل ما نتغنى به من فكر تنويري يصحح ما نحن مصابون به من خلل، ولتصبح العقيدة عقدة مؤذية!
الايمان بالعقائد، والايمان بالله، والضمير، والأخلاق، والحق … كلها اساسيات لا بل هي النبراس لأي مشروع إنساني على الأرض، ولا يحتاجون إلى استعراضات فلسفية بقدر حاجاتهم إلى سلوكيات تطبيقية.
سلوك صاحب الدعوات، والفكر، والايمان بمختلف فصوله العقائدية، والتواصل مع الايمان يخضعون لحركات الفرد المعني وسكناته وسلوكياته مع الآخر غير المعني، وتسعى لجذبه، ومنطق الحياة يفرض حكمة والحكمة بالحكمة بعيداً عن تأثير الإرادة والاختيار وإلا ما معنى تطور الفرد جراء ايمانه ومعتقده، أو فشل المتعلم والمؤمن إنسانياً!
وكذلك منطق العاطفة، ونحن متهمون باستغلالها مع أن الزمن قوقعنا حولها، ومنطق العائلة والعشيرة والقبيلة…كل هذا، وجراء السلوكيات لجم المدعي، وسجن المنظر في زاويا الالغاء بعيداً عن حلاوة لسانه!
ويأتينا ما هو أهم بالفطرة وبالمعرفة وبالعلم، اقصد منطق العقل لكونه هو الادراك والتفكير، ومن خلاله نستوعب الحدث، المعضلة، الاشكاليات، الشجار، وتثبيت مقدرة الإنسان في الاستيعاب!
وأهم من الأهم هو منطق الدين الذي اصبح تديناً بعيداً عن الدين، وباستطاعة النظام التديني تخدير الرعية بحجة العقاب والثواب، وهذا النظام الاستغلالي القيودي لجم التعقل الديني، وهشم التأمل الايماني لصالح التعصب حتى القتل!
ولا عجب إن وجدنا أن من يتغنى بعقائده الدينية هو ذاته يرتكب أكبر الأخطاء والخطايا، ونجد من لا يؤمن بالله أو بالدين يتصرف بكياسة وبحكمة، وبضمير إنساني بحت!
ولا عجب إن وجدنا أن من يتغنى بعقائده الحزبية والدنيوية هو الأكثر نحراً لأفكاره ومعتقداته أمام مصالحه الشخصية، لا بل تعدته لتصبح مصالح حزبية على حساب الوطن والمواطن والحركة الاجتماعية!
أقصد قد ننتقد أفعالنا ولا نصححها، وقد نبكي ذنوبنا ولا نكترث لها، وقد نشير إلى أخطاء سلوكياتنا ونعاود افتعالها بفجور وبعلنية، وهذا يعني أننا لم نستفد من الايمان بكل أنواعه!
نعم الايمان منوع ومختلف وفيه تعددية، ولو أخذنا ايمان الدواعش بالله لوجدناهم يذبحون باسم الله، وهذا حدث في المسيحية ضد المسيحية، والحروب الصليبية الاستعمارية تحت راية الصليب، وحدث ايضاً في الاسلام ضد المسلمين وضد الآخرين بعنجهية فلسفية تنظيرية غاية بالاقناع، ولكن النتيجة كانت الكثير من التحجر والتخلف، والدمار والقتل والدماء!
وحدث مع أصحاب العقائد الفكرية الحزبية بحيث لم يستطع واحدهم التواصل مع من هو خارج منظومته، ووقعت الواقعة، وازداد الحقد مع ربطة عنق، وعطر باريسي، وطقم مخملي أنيق والدماء من حول الجميع!
إذاً…نحن بحاجة إلى صحوة جديدة قيمتها الفرد الإنساني، لأن الممارسة فضحت الجميع، نحتاج إلى ضمير يوقظنا على رغم انه يردعنا ولا يعاقبنا، ونحتاج إلى فهم دور الخير خارج زريبتنا، الخير من أهم مفاتيح الإنسانية، ويثبت الطروحات الوجودية، لذلك يتسابق رعيان القطيع إلى فتح مؤسسات خيرية لكنها منفعات زعاماتية انتخابية مرحلية، ومغرقة بالطائفية!
ونحتاج إلى أخلاقيات الأخلاق كي ننسجم مع ذاتنا في فهم انسانيتنا لا أن يصنع نواطير الدين والعباد والزعامات سموم المشاكل ونركض خلفها ونحن وقودها، ونبقي لهم مجالس الافطار واستغلالنا!
وأخيراً، وهذا هو الأصعب، وحتى لا نكبر العقيدة لتصبح عقدة لا بد من أن نتعرف على الحق، وهذا الآخير لن يبقي لك ألاصحاب والرفقاء لكونهم يفتقدونه، فالحق ركيزة كل عمل ايماني عقائدي على الكرة الأرضية، وهو الصافع الممنهج في كشف عورات المتشدقين بالدين والحزب والعقيدة والفكر والعاطفة، لا بل هو الذي فضح سلوكياتهم، وأبعد الناس عنهم على رغم أن العديد منهم وصلوا، وتحكموا بالسلطة!
وأخيراً لا بد من الايمان المنفلت من الضوابط المذهبية، والمذهبية هنا تعمقت في الديانات والأحزاب، ووصلت إلى من يصنع فكراً خاصاً!
الايمان المنفلت مع ضوابط الأخلاق والحق يبرز ديناميكية التصالح مع الذات الانسانية وممارستها سلوكياً على أرض الواقع والحكم، والذات الإنسانية اساس أي تحرك ميداني قبل قراءة مناهج فكر هذا وذاك، وحتى لا تصبح العقيدة عقدة كما حال بلادنا وأمتنا، وكل ما يدور من حولنا لا بد من الاعتراف بأننا فشلنا إنسانياً…

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى