
بحث معمق: إيران بلغت أهدافها فماذا عن تحرير فلسطين 5/…
ميخائيل عوض
اليمن شهادة لإيران وذكائها وقدرات خبرائها وقوة القدس
اليمن تاريخياً يمتاز بامتلاكه موقعاً حاسماً في أهميته، ولشعبه ذكاء فطري وقدرة هائلة على الصبر ومهارات في القتال، ومسألة السيادة والوطنية والروح العروبية والقومية متوثبه، وقد شهد لهم التاريخ بأنهم قاتلوا الغزوات الخارجية وهزموها وجعلوا من اليمن مقبرة حتى حملة عبدالناصر، وعلى رغم طبيعتها القومية والتحررية هزمت في اليمن.
اليمنيون أذكياء بالفطرة، وشعب سهل محب وصاحب نخوة، مؤمن باعتدال ووسطية، فلا مكان للتشدد أو التفرقة والعنصرية بسبب الإيمان والعقيدة والطائفة والمذهب. واليمنيون يقيمون الصلوات معا بغض النظر عن الانتماءات الطائفية أو المذهبية، والقبلية في اليمن ما زالت حاكمة، والدولة المركزية على ضعف.
في اليمن تجتمع الطوائف والمذاهب على النحو التالي:
الزيدية والإسماعيلية والشافعية والإمامية والحنفية.
تشكل الشيعة الزيدية نسبة 28 بالمائة تقريباً من عدد السكان وينتشرون في الشمال والحدود الشمالية المتاخمة للسعودية، والشيعة الإسماعيلية تبلغ 5 بالمائة تقريباً، ويتواجدون بالقرب من الحدود اليمنية السعودية) وفي (صنعاء العاصمة). الشيعة الإمامية الإثنا عشرية يبلغ عدد أتباعها نسبة 2 بالمائة تقريباً يسكنون عدن وصنعاء ومدن الجوف ومأرب وذمار ورداع .
في هكذا بنية، وتعايش، ولعدم تعرض الشيعية الزيدية والإمامية للتهميش أو الاضطهاد.
يطرح السؤال عن قدرة إيران على اختراق البنية وتعظيم الحوثية وقدرات أنصار الله، التي بلغت من القوة والتأثير درجة عالية أعجزت السعودية وحلفها العدوانيـ وحققت صموداً ومقاومة أسطورية، ونجحت بالتعامل مع الحرب على رغم تفوق الغزوات الناري والتقني وبالقدرات والتجهيزات. وتحول أنصار الله إلى قوة هجومية استنزفت وانهكت السعودية وحلفها، وامتلك أنصار الله قوة طيران مسير وأنواع من الصواريخ نجحت بإسقاط منظومات الدفاع الجوي الأكثر تقدما لأميركا وإسرائيل والأطلسي وبلغت اهدافها على بعد الاف الكيلومترات واصابتها بدقة، وفرضت على السعودية والامارات وحلفهم استجداء وقف الحرب واعلنت الهدنة ويجري تمديدها لتوفير فرص انهاء الحرب.
ما الذي وفر لإيران وقوة القدس فرص الاختراق الوازن في اليمن والشيعية الامامية الاثنى عشرية لا تتعدى نسبتهم ال٢% منن سكان اليمن؟؟؟
المنطقي أن يكون الجواب؛
– بيئة اليمن وشعبها الطيب والرغبة والحاجة للانعتاق من الفقر والتخلف التي فرضت على اليمنيين بقوة السعودية وحلفها وتدخلاتهم السافرة واخضاع القبائل بالإغراءات والسلطة والامتيازات والتهويل.
– الرد على محاولات الوهابية تعميم وهابيتها المتشدد، والانتشار الواسع للإخوان المسلمين وتمكنهم من المشاركة في السلطة ما حفز الاخرين للدفاع عن خصائصهم
– قوة نموذج وخطاب الثورة الاسلامية الإيرانية وشعاراتها السيادية والاجتماعي، وتركيز إيران جهدها على فلسطين والقدس، ولهذه مكانة خاصة واستثنائية في قلوب وعقول اليمنين وبالمقارنة مع تخلف النظم العربية وخيانتها والتطبيع، وبعد سقوط العراق فالمنطقي أن تكون طهران الملاذ والامل وبديل اليمنيين عن القاهرة التي استسلمت وخرجت من الصراع، ويتعزز القبول اليمني لإيران التفاعل السوري- الإيراني وحمل لواء المقاومة ونصرتها.
– استقطبت الثورة الاسلامية الإيرانية باكراً الشخصية الذكية والمرموقة حسين الحوثي، وكان نائباً واحداً من أركان الحوثية التي تنتمي إلى حاشد كبرى القبائل اليمنية، والرجل جد واجتهد مع أصحابه في فهم وتقليد المؤسسة الدينية الإيرانية، واستهوته وبدأ تقليدها في لتعليم والتدريب والتنظيم ورفع مع رفاقه شعارات الموت لأميركا وإسرائيل والزحف إلى القدس، وتحت ضغط السعودية والسفارات الأطلسية تورطت حكومة صنعاء أيام على صالح بستة حروب مع صعدة المحافظ النائية والمفقرة والمحاذية للحدود السعودية، والشاهدة على نهب الثروات اليمنية واقتطاع اجزاء من اليمن والحاقها بالسعودية لغناها بالثروات.
– تمرس الحوثيين في حروب صعدة القتال وهم أهل لها، وصمدوا وأعدوا عدتهم وعندما انفجرت المنطقة العربية بربيعها وبلغت الشرارة اليمن وانتفض الجنوب والهضبة والشمال وطالب الشعب برحيل النظام، وعندما بادرت السعودية والسفارة الأميركية والبريطانية لمحاولات مصادرة الازمة بإقالة علي عبدالله صالح وتنصيب عبد ربه كأداة طيعة بيدها ولإنفاذ مشروع تفتيت اليمن، وإقامة حكم فيدرالي لستة فدراليات، ومع تصاعد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية نجح الحوثي في الانخراط بالحراك المجتمعي، وامنوا السيطرة على صنعاء ومحافظات بالتحالف مع علي عبدالله صالح والالوية العسكرية الموالية له، وامتدت السيطرة إلى عدن ومحافظات الجنوب، وعندما استشعرت السعودية والسفراء بخطر سيطرة أنصار الله على عدن وباب المندب عزمت بتكليف وشراكه مع أميركا والأطلسي لشن الغزو الظالم، ما أمن للحوثيين فرص السيطرة وكسب عقول وقلوب الكثير من اليمنين الذين اعتادوا على مقاتلة الغزاة والتوحد في مواجهتهم اي كانوا ومن اين اتوا.
توفرت لانصار الله الفرص الذهبية وتحولوا إلى القوة القائدة في قتال العدوان والغزاة، واداروا تفاعلات مع القبائل ومع القوى والاحزاب والفاعليات، ونجحوا بتصفية علي عبد صالح وشطب قوته في صنعاء ما مكنهم من أحكام السيطرة والتفرد بالقيادة والادارة وما وفر لإيران وخبراء الحرس الثوري وقوة القدس وحزب الله الفرص لتدريب وإعداد وتسليح أنصار الله وتصنيع المسيرات والصواريخ واستخدامها بتقانة واحترافية، أعطت أنصار الله اليد العليا في الحرب ومكنتهم من انتزاع الانتصارات بدءا من الصمود والمقاومة والانتقال إلى الهجوم ومحاولة السيطرة على مارب ذات الموقع والثروات الحاكمة، وصمدوا في الحديدة وفرضوا هدنة وتوازن، ولو تسنى لهم السيطرة على مأرب لسقط اليمن كله بيدهم.
يمثل اليمن بوابة الخطر الماحق على السعودية وأسر ممالك وإمارات الخليج، إضافة إلى تحكمه بطرق التجارة البرية والبحرية ولعدد سكانه وطبيعة المجتمع المقاتل.
في اليمن يمكن تلمس الأثر النوعي للتداخلية الإيرانية وقدرات خبرائها في انتقاء الساحات والتعامل معها وكسب جولات ومسارح عمل ذات أهمية نوعية، ومن دون الارتكاز إلى قاعدة وبيئة حاضنة تجسدت في الكتلة الشيعية الوازنة في العراق ولبنان ولم تتوفر في اليمن.
وبين مؤشرات الحكمة والدهاء تفويض السيد حسن نصرالله بشخصه كمرجعية دينية وسياسية لانصار الله، فللرجل كاريزما وخطاب ولغة وتجربة وانتصارات ضد إسرائيل ومن أجل تحرير فلسطين تقع في اليمن وشعبه كقطرات الغيث في تربة قاحلة عطشى، وله سحر خاص وفي اليمن أعلى إلى درجة حضور قضية فلسطين في العقل الجمعي وطعم الانتصارات.
نجحت إيران في استنزاف وارهاق السعودية والامارات وحلفهم العربي والاسلامي ومع أميركا وإسرائيل والأطلسي، وفرضت نفسها قوية فاعلة ومتحكمة بمصائر اليمن وبتأثيرات اليمن في باب المندب والبحر الاحمر، وفي التأثير الخطير على السعودية ومستقبلها ومستقبل مجلس التعاون الخليجي وسلطنة عمان والكويت والامارات العربية المتحدة.
بما تحقق لانصار الله بتبني واسناد ودعم إيراني ومن فصائل المقاومة، أنجزت إيران أحد أهم مكاسبها في العرب والمسلمين واصبحت شريكاً فاعلاً في تقرير مستقبل اليمن وباب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب، واصلاً هي مسيطرة على مضيق هرمز، وهذا ما اعطاها قدرة على خوض حرب الحصارات والممرات والسفن والظفر بها وكسر الحصار عن إيران ولبنان وسورية.
أنصار الله يعرفون تماما أهمية قضية فلسطين والقدس في العقل الجمعي اليمني لهذا تمسكوا بالشعار، وعملوا عليه، وكانوا على اهبة الاستعداد دوما لإعلان مناصرتهم لفصائل المقاومة في فلسطين والمجاهرة باستعدادهم للتدخل مباشرة بأي حرب، وارسال عشرات آلاف المتطوعين للمشاركة، وإعلان جاهزية قوتهم الصاروخية والمسيرة لدخول الحرب مع المحور والفصائل وهكذا خاطبوا العقل الجمعي اليمني، وتشهد ساحات وشوارع صنعاء مسيرات مليونية دعماً لفلسطين واحتفاء بمناسباتها، فالنفوذ الإيراني في اليمن وتطور قوة أنصار الله الحوثين أيضاً يمكن تصنيفه في سياق الجهد الإيراني تقرباً من تحرير فلسطين واستعادة القدس، وقد أسهمت حرب اليمن بإضعاف السعودية والامارات وتحالفاتهم التي تآمرت على سورية والعراق ولبنان وليبيا، وغزت اليمن وخسارة السعودية والامارات للحروب هذه يسهم في إعادة هيكلة موازين القوى في الصراع لعربي- الإسرائيلي، ويؤهل العرب ومحور المقاومة لتحقيق التحرير الكامل لفلسطين وواد مشاريع التطبيع والتسويات والتفريط..
إلى أين تسير أمور التدخل الإيراني في اليمن بعد الهدنة ووقف الحرب؟
هذا وغيره من الاسئلة الواجبة المعالجة سنعالجها لاحقا وفي سياقات اخرى
إلا أن الدور الإيراني في اليمن تحقق وحقق انجازات في سياق شعارات الزحف للقدس والموت لأميركا ولإسرائيل وإضعاف حلفهم الخليجي …
وبالدليل القاطع وحقائق الواقع يمكن تفسير عجز إيران والشيعية في السعودية والامارات والكويت عن التشكل قاعدة اجتماعية لمشروع إيراني مفترض في العرب، على رغم أن الشيعة يمثلون نسبة كبيرة تتراوح بين 20 و30 بالمئة من تعداد سكانها كما في نجاح السعودية ومجلس التعاون، ودرع الجزيرة من سحق الحراك الشعبي في البحرين، وتصفية رجال الدين والنشطاء الذين جاهروا بالولاء للثورة الاسلامية- الإيرانية والتضييق الحاد على اللبنانيين من الشيعة وحلفائهم، وعلى رغم العسف البطش لم تبدي إيران اي جاهزية للتدخل واو القيام بأعمال نوعية للدفاع عنهم ولحماية الشيعة، وجل ما فعلته حملات اعلامية وتصريحات، واستمرار السعي لتفاعلات وتفاهمات مع النظم والاسر المسيطرة لإدارة العلاقات بين الدول، الامر الذي ينفي بشدة اتهام إيران بشيعيتها وبأنها تناصر الشيعة وتسعى لتشييع العرب.
غداً، إيران حققت أهدافها… فماذا عن تحرير فلسطين ومن يتولى المهمة ويحمل الراية ويتقدم؟
إيران على عتبه بلوغ اهدافها، والشيعية السياسية والمسلحة استنفذت شبابها ومشروعيتها،
43 سنة على انتصار الثورة الاسلامية الإيرانية، خاضت فيها شتى المعارك والحروب وتعرضت لشتى واعنف المؤامرات والتحديات والاستهدافات، وادارت نفسها وسياساتها وتفاعلاتها في العرب والمسلمين والاقليم والعالم بتقانة وهدوء وبصبر وبصيرة يشهد لها فيها ولم تتوانى عن خوض الحروب كحرب الممرات والناقلات والسفن والحرب السيبرانية والسرية، واشتبكت مع أميركا واسقطت طائراتها التجسسية، كما قصفت قواعد أميركية بصواريخها الدقيقة، وفاوضت حتى انتزعت الاقرار بأنها اصبحت دولة نووية، ونجحت بالعبور إلى الفضاء، وتمكنت من تصنيع سلاحها وتفوقت في المسيرات والصواريخ واختبرتها مباشرة ضد أميركا وحلفائها وضد السعودية والامارات واسرائيل عبر الاذرع، ولم تلوَ ذراعها ولا كلمتها بعد تمزيق ترامب الاتفاق النووي بل صمدت ورفعت نسبة التخصيب وباتت على عتبة امتلاك السلاح النووي لا يفصلها عنه الا القرار والفتوى الجاري العمل على تعديلها، وانتصرت في المفاوضات والزمت ادارة بايدن والأوروبيين بالاستجابة إلى شروطها المذلة والعلنية، وما زالت غير آبهة بشيء ولا تستعجل توقيع الاتفاق والعودة إليه الا بشروطها كاملة وبلا نقصان.
هكذا نجحت إيران بتقانة وبسياسات هادفة وبتضحيات كبيرة ومعاناة قاسية جداً، بأن بلغت أهدافها، وانتزعت مكانتها.