
الاستئثار … يقود إلى الفساد والدمار
كتب محمد حسن العرادي
المواطنة تعني الانتماء إلى وطنك والدفاع عن حياضة والانصهار في هويته وحفظ تاريخه عن ظهر قلب، بل والافتخار بهذا التاريخ والحديث عنه بكل زهو، ونقله عبر التراث المحكي والموثق إلى الأجيال الجديدة من أبناء الوطن، ويجسد هذا الترابط العضوي بينك وبين الوطن الذي يشكل لك ولابنائك الانتماء والوجود بما يمثله الماضي والحاضر والمستقبل.
ومما يؤسف له أن هذه المفاهيم الوطنية تتعرض لتراجعات وتشكيك صار مبتذلاً في كثير من الأحيان، فالمواطنة قد تغدو سلعة لدى البعض لا تعدو أن تكون مجرد جنسية وجواز سفر ومصالح يتم تحقيقها أو اكتسابها، حتى وإن كان ذلك بدون وجه حق، يتنامى للمواطن الشعور بالغبن، والمرارة والانتقاص، ويشكل ذلك ثقلاً كئيباً يجثم على صدرور المواطنين ويكاد يكتم أنفاسهم.
تتالم عندما ترى مواطنون جُدد لا يعرفون عن وطنك سوى إسمه، لا يجيدون الحديث بلغته او لهجته، أو التعبير عن ثقافته وتقاليده وعاداته، كثير منهم تغلب عليهم المصالح الذاتية فيتباهون بحمل جواز السفر والجنسية، كوسيلة للحصول على الوظائف والامتيازات، بينما تجد كثيراً من أبناء الوطن، بالكاد يبحثون عن اللقمة والوظيفة حتى لو كانت هامشية.
على الجانب الآخر تُراقب بكثير من العجب وتحس بنوع من التمييز الفاقع بسبب التدوير المستمر للمناصب المهمة والمؤثرة بين قلة لا تخرج عن آفاق عائلية معينة، تُراقب توزيع المناصب القيادية بين عدد محدود من الأسر والعوائل، وكأن الوظائف العامة أصبحت حكراً على أبناء هذه العائلات من دون غيرهم، فمنهم الوزراء والوكلاء والمدراء والسفراء ورؤساء البنوك والمستشفيات وشركات التأمين والمصانع، وحتى مراكز الشرطة والمراكز الصحية، إنه شعور مزعج محبط يفتح أمام المواطن الكثير من الأسئلة الحائرة حول تناقض ما يقرأه ويسمع به في كل محفل ومناسبة عن التنافسية وتكافؤ الفرص.
أصبح الأمر بحاجة لإعادة صياغة المفاهيم، وتجسيد المواطنة العادلة وفق ما يملك المواطن من كفاءة وجدارة، وليس بحسب صدفة الانتساب لعائلات معينة، وما يترتب عليها من تفضيلات، إن هذا توجه غير ذي جدوى ويؤثر على الإنتاجية والعمل الحقيقي وينعكس بصورة سلبية على الوطن، فكم من البلدان تأخرت في كثير من المجالات حينما فصّلتْ المناصب على مقاسات ضيقة بلا اهتمام حقيقي بمن يمتلك المؤهلات المطلوبة، إنه نوع من الاستئثار الذي يقود إلى الفساد في الذمم والدمار بين الأمم، فهل نشهد التفاته إصلاح عاجلة، ذلك ما نتطلع إليه جميعاً في المدى المنظور.