اسرائيل في الفوضى… نضج أسباب وشروط انفجار الصراع بين قبائل إسرائيل 4/…
ميخائيل عوض
منذ هزيمة 2000 في لبنان وبعدها في 2002 في غزة، وعام 2006 في حرب تموز، أدركت نخبة الأشكيناز أن إسرائيل فقدت دورها الوظيفي وباتت في حالة غروب وعجز، فهاجر منها أكثر من مليون ونصف جلهم من الأشكيناز الأوروبيون ما أدى إلى اختلال جوهري في التوازن مع السفارديم. عبر الاختلال عن نفسه بسيطرة اليمين والتطرف على الرأي العام وتمكن نتنياهو من أطول حكم فيها.
كما أن الانتخابات كانت تجري بين اليمين والأكثر يمينية بينما إنهار حزب العمل وميرتس ودور الهستدروت والجيش في إنتاج النخب السياسية”، وكانت البيئات المولدة للنخب الأشكينازية” وتجسدت التوازنات الجديدة في الحؤول من دون إنتاج كنيست بأكثرية حاكمة في أربع انتخابات في سنتين، وليحقق نتنياهو غالبية حاكمة تحالف مع العناصر الأشد تطرفا ويمينية في كتلة السفارديم، وتحالف مع زعامات مرذوله من مجتمع الأشكيناز، وركز تحالفه مع بن غفير وسموريتش المتطرفان والمتهمان بالفساد والبلطجة كمثله، وممثلا كتلة الاستيطان في الضفة وغلاف غزة، وكتلتهم تعد بما يقارب المليون، وأزمتهم أنهم لا يعيشون في إسرائيل ولا يخضعون لقواعد العيش فيها وقوانينها، ولا يتمتعون بذات امتيازات الأشكيناز من سكان المدن والبلدات التاريخية، فالضفة يطبق فيها قانون الاحتلال وليس قوانين الدولة “الوطن”.
وقد عجزت حكومات نتنياهو عن إعلان ضم الضفة برغم وعد ترامب ومحاولاته المحمومة، ومع تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة وفلسطين ال48 باتت كتلة لاستيطان تتحسس مخاطر جمة على مستقبلها، وتشعر بنفسها أنها تتحمل الأعباء بينما الأشكيناز يستأثرون بالدولة وأجهزتها وتقديماتها. فقبيلة السفارديم لا هي مقبولة في مجتمع الأشكيناز، ولا هي مقبولة ولا سيدة مهيمنة في الضفة وباتت المستوطنات عرضة للعمليات وسيارات المستوطنين مستهدفة من المقاومة وسلاحها.
في محاولة تذاكي من نتنياهو لتامين غلبة له في الكنيست وتأمين حكومته تورط بوعود للمتطرفين، في أساسها تعديل قانون المحكمة العليا، وتعديلات قانونية تقلص هيمنة لأشكيناز على الدولة والمؤسسات وتتحول بإسرائيل الى دولة دينية الغلبة فيها للسفارديم، وقام بالإطاحة بوزير الدفاع الذي رفض تمكين بن غفير من إخضاع القوانين والقوة العسكرية في الضفة لأمرته المباشرة من خارج المهام والقوانين الناظمة لعمل الجيش في مناطق الاحتلال، ولهذا شرع نتنياهو وحكومته بتسليح المستوطنين في الضفة والتأمين نصاب الحكومة أعطى وعدا لبن غفير بإنشاء جيش خاص به وتحت أمرته، ومن خارج تشكيلات الجيش والمؤسسة العسكرية ونظمها ومهماتها، جيش مليشيا متطرف جل عناصره من المستوطنين تحت مسمى جهاز الحرس القومي.
وهذا الإجراء يصعب تطبيقه اذا تمرد الجيش وقيادته كما فعل وزير الدفاع المقال ويستحيل تشريعه ما لم تخضع المحكمة العليا وهذه مستحيلة ما لم تعدل القوانين واليات تشكيلها وصلاحياتها.
هنا وهكذا تكمن وتتجسد الأزمة المستعصية التي دفع نتنياهو تحت أزماتها إلى تظهيرها في إسرائيل وبنيتها ونظامها وتوازنات مجتمعها، وهذا ما يفسر جرأة المعارضة وتحشيدها وتمرد الجيش والنخب واستيقاظ الهستدروت من سباتها والنجاح المنقطع النظير للإضراب العام غير المسبوق الذي شل إسرائيل، وكاد لو استمر أن يسقطها بانفجار اقتصادي اجتماعي على اثر انهيار سعر الشيكل.
اسرائيل في حقبة الفوضى
الفوضى في تعريف ابن خلدون هي الحقبة الضرورية لانبثاق الجديد من رحم القديم، وفي المفهوم الماركسي هي الظرف الثوري الذي يطلق مفاعيل ولادة الجديد من رحم القديم. تدوم الفوضى إذا توازنت القوة بين القديم والجديد واستحالت الولادة فيتحول المجتمع إلى التوحش ويعود الى هوياته المؤسسة.
بحسب أي تعريف؛ إسرائيل في الفوضى، وتوازن قواها المجتمعية باينه بوضوح والانتخابات النيابية كانت خير مؤشر على التوازنات والعجز عن توليد الجديد. فليس لإسرائيل جديد منها وينبثق فيها وعنها ذلك لأنها كيان مصنع غريب فقد وظائفه وتراجعت فرص تعويمه وإسناده، والشعب الذي قاوم حسم أمره وانتفض بالسلاح والمقاومة لم يعد أمامه إلا خيار المقاومة للتحرير الكامل، وهذه خاصية لا تنطبق على الدول والمجتمعات التقليدية التي نشأت وتطورت في بيئات صحية.
فوضى إسرائيل لا علاج تقليدي لها ولا وصفة أدوية موفرة لمن يعالج، فالصراع بين الأشكيناز والسفارديم صراع ديني عقائدي عميق جداً ودموي ويجاوز ما في الصراع بين الفرق المسيحية وما بين الفرق الإسلامية. والسفارديم بنسخة بن غفير هي داعش اليهودية بامتياز. بينما الاشكيناز من تدين ونمط حياة وفهم للدين مختلف جوهريا فهم قادة ودعاة العلمنة وفصل الدين عن الدولة والديمقراطية والحكم الرشيد ولا علاقة للسماء بإدارة الأرض عندهم وليس في أنماط حياتهم عيش وحياة بأمرة الخامات وفتاويهم في الكابس والمأكل …
والعمق الديني والعقائدي للصراع يتصاعد اليوم بمعدلات متسارعة بسبب ما بلغته إسرائيل من أزمات وعجز وهزائم، فلم يعد فيها ولها أي قيمة نوعية جاذبة أو حافزة، لطمس الصراعات العامودية في مجتمعها المصنع والمركب بلا ضوابط ولا تسويات ولا قيم وأخلاق تكرست وترسخت تاريخياً وبعمق وهدوء فليس من جوامع بين المستوطنين المجمعين من أصقاع الارض ومن قوميات وثقافات ودول مختلفة جوهرياً في هوياتها ومفاهيمها وقيمها.
فإسرائيل مهزومة ومهددة بهزيمة ساحقة، وتضربها أزمة اقتصادية عاتية، وبنيتها الاقتصادية الاجتماعية تحولت من رأسمالية الدولة الاحتكارية ونظام المستوطنات والجمعيات” الكيوبتسات” والتكافل الاجتماعي وشبكات الأمان والدولة الراعية إلى الليبرالية الأكثر توحشا. وتناقضاتها الطبقية والاجتماعية على أشدها، والفقر والجوع يضرب قطاعات واسعة حتى في الجيش الذي يعاني من نقص عددي وفساد وانتشار المخدرات وبيع السلاح والذخائر، والمستوطنون في الضفة” القاعدة الاجتماعية لبن غفير، باتوا عرضة للهجمات وعمليات الطعن والدهس وعمليات المقاومة تتصاعد وقبضة الجيش والأجهزة وسلطة أبو مازن تتفكك وتنتشر تشكيلات المقاومة في المحافظات والمدن، وتترسخ مناطق حمراء شبه محررة وباتت الأموال والسلاح والذخائر والمفخخات والمسيرات تصل إلى يد المقاومين بسهولة أكبر، وقد حزم محور المقاومة أمره ويضع ما لديه لإسناد ثورة الضفة وال48 موضع التنفيذ بشهادة عملية مجيدو، وانفجار لغم بهامر إسرائيلية على الشريط الحدودي مع لبنان واستهداف القواعد الأميركية في سورية، وكل التطورات واحتمالاتها تضع إسرائيل في دائرة العجز والمزيد من الأزمات، وتالياً مزيداً من الفوضى والتوترات الاجتماعية وتعميق الصراع بين قبائلها, وليس في الأفق القريب من مؤشرات لأحداث وتطورات تفيد باحتمال توفر إمكانية لإحاطة بالأزمة وترقيدها ويصب الخلاف بين نتنياهو بايدن الزيت على النار…
غداً، الانقلاب جار على قدم وساق فماذا ينتج..
…/ يتبع