
السعودية والإمارات تفترق عن أميركا!… هل تقترب منها إيران؟
ميخائيل عوض
بلغت العلاقات بين السعودية وأميركا مرحلة متقدمة من التباينات تنذر بأن تحولاً استراتيجياً قد يقع ويلحق ضرراً فادحاً بالهيمنة الأميركية في العرب واقليمهم وعلى الصعيد العالمي. فالحدث بذاته أن حصل سيعتبر تطوراً نوعياً وفي ظروفه يكتسب أهمية أكثر استراتيجية، فلأول مرة منذ أربعينات القرن المنصرم تتسع مساحات الخلافات والتباينات وتبلغ درجة متقدمة مع إدارة بايدن التي بادرت في بتوسيع شقة التباينات، وورثت موقف الحزب الديموقراطي الذي ناصب الأمير محمد بن سلمان أشد العداء وأدار حملة شعواء عليه باستخدام قضية الخاشقي بهدف النيل من ترامب في الانتخابات الرئاسية، وبعد دخول بايدن البيت الأبيض استمر الفتور بين إدارة بايدن والسعودية وعلى غير عادات الرؤساء لم يتصل بايدن بالملك السعودي، وفي كلمة التنصيب لم يذكر لعبارات المعتادة للرؤساء بالإشادة بالتحالف السعودي الأميركي بصفته استراتيجي ومسالة أمن قومي لأميركا.
ثم لم تشهد العلاقات اي تحسن ما خلا محاولة من بايدن للتصالح مشفوعة بطلب زيادة الانتاج النفطي الخليجي، وبذل محاولة لاستعادة السعودية والإمارات وتوظيفها في الحرب ضد روسيا، فكانت زيارة بايدن إلى السعودية والقمة التي عقدت بمشاركته باردة جداً ورفضت طلباته ما اعتبر صفعة قوية من بن سلمان الذي انتزع من بايدن اعترافا بشرعيته ومكانته من دون أن يلبي طلباته وحاجاته الماسة.
جاءت الصفعة القوية بإعلان أوبك+ تخفيض الإنتاج مليوناً برميل نفط ما أصاب إدارة بايدن بالذهول والسعار، وصعدت اصوات تطالب بمعاقبة المير محمد وطلبات بتوجيه ضربات لتدمير السعودية وبدأت اجراءات في الكونغرس لوقف مد وبيع السعودية بالأسلحة الأميركية.
ما بلغته العلاقات من سوء وتوتر يعيدها البعض لقرار ثأري من محمد بن سلمان ورداً على إهانته؟ والتطاول عليه في قضية الخاشقجي. ويقول آخرون إن خطوته منسقة مع ترامب حليفه في أميركا وقد جرى توقيتها في عز الحملة الانتخابية للانتخابات النصفية لتوجيه ضربة قاصمة للديمقراطي فسعر النفط والبنزين بين أكثر الأمور التي تؤثر في قرار الناخب الأميركي، وقد تسهم بالإخلال بالتوازنات وتعزز فرص الترامبية لتحقيق تسونامي انتخابية تتوقعها مؤسسات وشركات الاحصاء واستطلاعات الراي في أميركا، في الانتخابات النصفية التي تحتل مكانة نوعية في تقرير مستقبل أميركا في بنيتها وفي العالم ومكانتها.
اخرون يؤشرون إلى أن العلاقات بين السعودية وأميركا تضررت كثيرا منذ زمن طويل وقبل وصول ترامب مع ضهور عوارض الانحسار والانسحابية الأميركية من العالم ومن الاقليم. ويستشهدون بسحب بايدن لأسلحة الدفاع الجوي من الخليج وتقليص القواعد في قطر، ورفض حماية السعودية والإمارات بعد قصفها من الحوثيين ورفع الحوثيين عن لائحة القوى الارهابية وتعود بوادر الخلاف إلى اقدام أميركا على توقيع الاتفاق النووي2015 في عهد اوباما ضاربا بعرض الحائط المطالب السعودية والخليجية، ما عنا للسعودية أن أميركا في طور الانسحابية والتراجع واستمرار الاتكال عليها لحماية وتامين الاسر والدول كرهان ابليس على الجنة، وكانت حقبة ترامب وسخاء محمد بن سلمان عليه محاولة اخيرة لكسب الادارة الأميركية وشراء تحالفها الا أن المحاولة اخفقت بسبب عنجهية ترامب وتعامله مع السعودية والآخرين باستفزاز واحتقار ثم بسقوطه ادركت السعودية انها تراهن على الهواء وجاءت هزيمة أميركا المذلة في افغانستان وتخليها بصفاقة عن حلفائها لتقنع السعودية بان العلاقة مع أميركا مضرة وبلا فائدة ترجى، ما دفع بالسعودية إلى تعزيز علاقاتها النفطية والاقتصادية والسياسية مع روسيا والصين ووقعت تعاقدات ومشاريع بمليارات الدولارات ونسقت سياستها النفطية مع روسيا، وأخذت تعيد ترتيب أوضاعها وتمركزها بما يغنيها عن العلاقة مع أميركا التي بكليتها في غير صالح السعودية.
وفي هذا السياق يفسر الانفتاح على إيران ومفاوضتها والسعي للهدنة في اليمن وتمديدها، وتظهير العلاقة مع بوتين كحميمية فسبق لبوتين أن احتضن محمد بن سلمان عندما جزره الجميع وحاصروه وتصالحت السعودية مع قطر ومع تركيا في سعي إلى تأمين نفسها، كما عزز بن سلمان انفتاحاته الداخلية والتركيز على كسب قطاعات شعبية لتعزيز مكانته وتأمين وصوله إلى سدة الملكية وتوحيد السعوديين خلف قيادته ومشاريعه الطموحة.
في المعطيات المعاشة والاحداث خلال السنوات المنصرمة يمكن التثبت من أن السعودية والإمارات تسعى لتنويع علاقاتها وتخفيض مستواها كما ونوعا مع أميركا، والتحول إلى اسيا بثبات ليكون السؤال؛ اذا نجحت الترامبية في الانتخابات النصفية وظهرت مؤشرات على عودة ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات 202ق هل تعود المياه إلى مجاريها؟ ام أن التحول إلى آسيا أصبح قرارا نهائيا ويحمل مضامين التحرر من الهيمنة الأميركية ووقف استنزاف السعودية بتمويل الخزانة ومصانع السلاح ومراكز المال في أميركا وبريطانيا والعالم الانكلو- ساكسوني.
على الضفة الأخرى يجري كثير من التسريبات والتقديرات لتحولات في أشرعة إيران ويقال عن احتمال أن تنفتح اكثر على أميركا وتتحول احد منصات تحالفها في الاقليم تعويضا عن خروج السعودية ودول الخليج.. وتضرب امثلة على التحولات الإيرانية كمثل تفاهمات الترسيم بين لبنان وإسرائيل، واعادة 7 مليارات دولار لإيران كانت مجمدة في كوريا الجنوبية بناتج صفقة اطلاق سجناء…فهل هذا احتمال واقعي؟؟ ما الفوائد التي ستجنيها إيران أن تحولت وحولت اشرعتها إلى الغرب؟؟ وما الخسائر والمعيقات؟
تحليل سنحاوله قريبا مقاربته والاجابة على اسئلته.
وسنتعامل مع الموضوع الأكثر اهمية ووجوب معالجته حيث يقع في سؤال؛ عن حال العرب ومستقبلهم والاقليم إاذا تأكد أن إلى السعودية تحولت عن الولاء للأميركي والاطلسي وتملكت بعض سيادتها وقرارها الحر؟ وماذا عن تركيا والناتو؟ ومن سيملأ فراغ الانسحابية الاطلسية والأميركية في العرب والاقليم؟؟
عالم جديد يولد، فاين العرب وما هو مستقبلهم.