رأيان متناقضان حول برنامج عمل الحكومة بمجلس” محمد حسن العرادي “
محمد الغسرة
حسين : برنامج الحكومة طموح وواقعي وعصري والتهيئة للتحديات والكوارث
الموسوي : لم يضع البرنامج أي خطة للسيطرة على الدين العام الذي وصل الى أكثر من 17 مليار دينار وخفض نسبة البطالة
نظم مجلس محمد حسن العرادي في عراد ندوة اقتصادية بعنوان ” قراءة في برنامج الحكومة ” بمشاركة الدكتور جاسم حسين والباحث شرف الموسوي ، في رأيين متناقضين ، شرحا رؤهما حول البرنامج.
بدأ الاقتصادي الدكتور جاسم حسين قائلا بان برنامج الحكومة حصل على علامة كاملة ، اذ راى بان برنامج الحكومة للفترة الممتدة من 2023 حتى 2026 طموح لكنه في نفس الوقت واقعي وهذا هو المطلوب. لا يتحدث البرنامج عن تحقيق معجزات اقتصادية وأمور غيبية. برنامج يتناسب وإمكانيات البحرين البشرية والمادية.
ويضيف ، ” أرى بأن البرنامج عصري من خلال تأكيده على مسائل الانتاجية والترشيد والاقتصاد الرقمي ، ولكن يؤخذ على البرنامج الغموض في مسألة تأمين التمويل وهذه مسألة في غاية الأهمية بالنظر لتأثر اقتصادنا بمعدلات الفائدة في الأسواق العالمية ومنهجنا الاقتصادي عبر ارتباط الدينار البحريني مع الدولار الأمريكي ما يعني بالضرورة استيراد معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة.”
ويقول ، حاليا، نعيش فترة ارتفاع معدلات الفائدة في إطار الجهود الرامية لكبح جماح التضخم ، وان البرنامج معقنع لانه يحقق الأهداف العامة للبرنامج خصوصا تأكيده على تعزيز دور المرأة في مختلف أوجه الحياة من جهة والتأكيد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات التنمية.
القطاع الخاص شريك رئيسي ويجب أن يحصل على فرصة إبداء الرأي ويحظى بالمشورة في التوجهات الاقتصادية. لدى غرفة البحرين مجلس إدارة منتخب يمثل مختلف شرائح المجتمع التجاري.
كذلك أضم صوتي إلى تأكيد البرنامج على أهمية تطوير البنية التحتية ،وأعتقد بأن البحرين بحاجة للمزيد من الجسور والطرقات الجديدة والسريعة لأن ذلك ينصب في مصلحة القطاع التجاري والناس ،
وفي هذا الصدد، يقتضي الصواب ضخ المزيد من الأموال في مجالات البنية التحتية.
مؤكدا انه مع خيار بناء شوارع جديدة بدل التسرع في إرجاع الأموال المقترضة قبل مدة الاستحقاق في ظل ارتفاع العوائد النفطية مع بقاء أسعار النفط مرتفعة.
تقاطع سار على سبيل المثال حقق نقلة نوعية في انسيابية الحركة المرورية وترك تأثيرات إيجابية على انسيابية الحركة في مناطق أخرى. نتوقع الأمر نفسه مع تطوير شارع الفاتح مع افتتاح المرحلة الأولى من هذا المشروع الحيوي الذي يحظى بتمويل من الشقيقة الجارة الكبرى السعودية.
إلى ذلك، الحاجة ماسة لتطوير المناطق الجديدة التي أعلن عنها سلفًا لتعزيز فرص حصول المواطن على السكن المناسب فضلا عن التوسعة العمرانية والمناطقية وإيجاد مناطق جديدة للصناعة والمؤسسات التجارية. يوجد نوع من غموض في هذا الجانب في برنامج الحكومة للسنوات الأربع القادمة.
الاقتصاد أولا
التعافي الاقتصادي والاستدامة المالية يشكل أولوية مهمة في البرنامج من جهة ويعد محور رئيسي من جهة أخرى. يترجم هذا إلى أن الأداء الاقتصادي يعتبر العمود الفقري في البرنامج الحكومي وهذا أمر طيب في هذه المرحلة الدقيقة.
البحرين كونها الأصغر بين دول المنطقة بالنسبة لحجم الاقتصاد والمساحة والسكان بحاجة دائمة إلى التميز. مثال ناجح في هذا الصدد عبارة هو السبق بين دول المنطقة في مجال الفورمولا واحد. في موسم 2023، أربع دول خليجية سوف تستضيف الفورمولا واحد حيث ينطلق الموسم من البحرين وينتهي في الإمارات مع استضافة في السعودية وقطر.
المشاريع الضخمة لديها القدرة على إيجاد أعداد ضخمة من الوظائف الجديدة. اقتصادنا بحاجة إلى نوعية وظائف تتناسب وتطلعات المواطن البحريني المتعلم والمطلع على مختلف التجارب.
أمر صحيح اهتمام البرنامج الحكومي بموضوع التوازن المالي. تتجلى أهمية هذه المسالة في خضم ارتفاع معدلات الفائدة على مستوى العالم في إطار جهود مكافحة التضخم. يترجم هذا إلى ارتفاع كلفة الاقتراض.
أرى أن البحرين بحاجة إلى مشاريع كبرى في القطاعات الواعدة على غرار إطلاق شركة بيون في مجال الاتصالات حفاظا على تميز الاقتصاد البحريني في خضم المنافسة الاقتصادية على مستوى الإقليم. نحتاج العودة إلى مشاريع على غرار انطلاق مشروع ألبا قبل عقود.
أمر طيب تأكيد البرنامج على أهمية التعافي الاقتصادي والتنمية المستدامة. وهنا يأتي دور ممثلي الشعب في المجالس المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي في متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي.
القوى الشرائية
مرتاح من تأكيد برنامج الحكومة على مسألة الحفاظ على القوة الشرائية. هذا الأمر فمهم للفرد والأسرة في البحرين ي ظل الظروف الاقتصادية العالمية الصعبة.
إلى ذلك، أنا مع خيار تعزيز الدعم الحكومي للأسر المحتاجة كونها الأكثر حاجة إلى المساعدات للتكيف مع الضغوطات المعيشية. تحسين ظروف الأسر المحتاجة مسألة في غاية الأهمية في ظل تداعيات مجموعة من التطورات بينها تداعيات الحرب في أوكرانيا وما يترتب على ذلك من ارتفاع أسعار الطاقة بما في ذلك ارتفاع قيمة الواردات وبالتالي ظاهرة التضخم المستورد.
وشدد على صواب تأكيد البرنامج على التهيئة للتحديات والكوارث على غرار تجربة كوفيد. فقد تبين للعالم بأسره قدرة البحرين على التكيف مع الجائحة والتعافي منها و المأمول من مختلف الجهات توفير التفاصيل الحيوية لبرامجها خلال فترة البرنامج الحكومي.
فيما قدم الباحث شرف الموسوي ورقة عمل بشكل مناقض او مختلف عن الدكتور جاسم قائلا ، ان برنامج الحكومة هو استحقاق دستوري،
وأهداف البرنامج الحكومي:
1. خلق المزيد من الفرص النوعية للمواطنين في مختلف المجالات.
2. تطوير كفاءة برامج الدعم الاجتماعي وتوجيهها لمستحقيها من المواطنين.
3. الحفاظ على الموارد والثروات الطبيعية ودعم الجهود الدولية لمواجهة التغيرات المناخية.
4. دعم مساعي التنمية الشاملة بالتحول إلى اقتصاد إنتاجي ومزدهر.
5. تعزيز تقدم المرأة البحرينية وإسهاماتها في الحياة العامة والاقتصاد الوطني.
6. رفد القطاع الشبابي بالمقومات التي تمكنه من زيادة مشاركته في التنمية واإلنجاز.
7. البناء على قواعد الشراكة مع القطاع الخاص وتعزيزها بما يسهم في تحقيق أبعاد التنمية الشاملة.
8. مواصلة السعي لتحقيق أهداف برنامج التوازن المالي.
9. مواصلة العمل على تطوير الأداء وجودة الخدمة الحكومية واستدامتها للمواطنين.
10. ترسيخ الأمن المجتمعي بما يدعم جهود التنمية والازدهار.
ملاحظات على البرنامج:
السؤال المهم. كيف سيتم تنفيذ هذا البرنامج اذا لم يحتوي على ارقام أو اهداف واضحة ومحددة يمكن قياس تنفيذها؟ هي أهداف عامة وكلام صعب قياس تنفيذه ، والملاحظات هي التالي:
1. لم تجرى أية مقارنة بين البرنامج الحالي والبرنامج السابق 2018 – 2022 ومعرفة مصير الأهداف التي لم تتحقق في البرنامج السابق وهل تم تحقيق كل ما ورد في البرنامج أم تم ترحيل ما تم البدء به في البرنامج السابق للبرنامج الحالي، وماهي الأهداف التي لم يستكمل تحقيقها ورحلت؟
2. خلى البرنامج من أية أشارة لموضوع مكافحة الفساد والنزاهة السياسية وتطوير مشروع الديمقراطية ومجمل مكوناته. ورد في البرنامج هدف هو “الحوكمة والرقابة وتعزيز المساءلة”. كيف ممكن ان تكون هناك مسائلة اذا لم يتبعها قانون واستراتيجية لمكافحة الفساد. لماذا خلى البرنامج الحكومي من خطة المسائلة ومكافحة الفساد وتعزيز النزاهة ومعالجة الترهل الحكومي؟
3. لم يتحدث البرنامج عن حرية الرأي والتعبير وكيفية تعميقها وتدعيمها وأية تفاصيل عن الاهداف التي سوف تنفذها الحكومة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكيف سيتم تنفيذها خاصة مع وجود 245 توصية صدرت من مجلس حقوق الانسان أثناء المراجعة الدورية السابقة التي تمت في شهر نوفمبر 2022م. ورد في البرنامج ( تعزيــز حمايــة الحريــات الفرديــة وحقــوق الإنســان وفــق أســس ومبــادئ الخطــة الوطنيــة لحقــوق الإنســان 2022 – 2026.) والخطة الوطنية لحقوق الانسان تتضمن مجموعة من برامج التدريب والفعاليات وليست غايات لتوفير الدعم لحالة حقوق الإنسان وتطويرها.
4. لم يضع البرنامج أي خطة للسيطرة على الدين العام الذي وصل الى أكثر من 17 مليار دينار بحريني ( حوالي 45 مليار دولار) دين محلي، من البنك المركزي والدين الخارجي الذي تعلن عنه وزارة المالية وديون الشركات المملوكة للدولة مثل ألبا ونوغا وغيرهما. متجاوزاً بذلك القانون الخاص بحجم الدين العام الذي يفترض أن لا يزيد عن 15 مليار دينار بحريني. ومن المتوقع أن ترتفع تكلفة الدين العام الى 800 مليون دينار سنويا بعد ان ارتفع حجم الدين العام. كيف سيتم التعامل مع هذه التكاليف الضخمة؟ السئوال الأهم ما هو أثر هذه المبالغ وما هو العائد على الاقتصاد الوطني؟
5. تم تمديد البرنامج الخليجي المتعلق بالتوازن المالي الى العام 2024، ولم يتطرق البرنامج الى كيف سيتم تحقيق التوازن المالي حسب شروط التمويل الخليجي. ولم يتطرق البرنامج الى كيفية الوصول الى نقطة التعادل و وقف العجز في الميزانية. كيف سيتم تنويع مصادر الايرادات؟ هل هناك ضرائب قادمة لسد جزء من العجز؟ وأي نوع من الضرائب؟ خاصة وأن أسعار النفط لن تستمر في مستوى مرتفع للسنوات الأربع القادمة وهذا ما توحي به المؤشرات العالمية.
6. لم يتطرق البرنامج الى كيفية الاستثمار في الغاز الذي تم الاعلان عن اكتشافات كبيرة منه في الأشهر الماضية، هل ستمنح المناقصات للشركات الأجنبية وكيف سيتم ذلك وأين دور البرلمان من هذه التعاقدات الاستراتيجية.
7. برنامج العلاج الذي تبشر الجهات المعنية بتطبيقه أبتداء من العام 2024 ما هو أثره على المواطنين؟ وهل ستلتزم الحكومة بتوفير العلاج كما هو الآن وعلى الأخص الأدوية للأمراض المزمنة المرتفعة التكاليف وتكاليف العمليات، برنامج العلاج الجديد لم تتضح معالمه بعد وكان يفترض أن يتطرق البرنامج الحكومي لهذا الموضوع المتعلق بالمواطنين بشكل مباشر.
8. ورد في محور الخدمات المجتمعية ( حلول إسكانية مبتكرة تلبي احتياجات المواطنين) ولم يذكر البرنامج كم عدد الوحدات السكنية التي يجب على الحكومة تنفيذها خلال الأربع سنوات القادمة؟ البرنامج لا يتطرق الى حل الأزمة الأسكانية وارتفاع طلبات الاسكان لما يزيد عن 40 ألف طلب لدى الوزارة.
9. لم يتطرق البرنامج الى أنشاء، أو تأسيس أي مشاريع صناعية استراتيجية على غرار ألبا ومصنع التكرير وغيرها.
10. لم يتطرق البرنامج لكيفية استقطاب الاستثمارات الأجنبية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر البلاد.
11. هناك اشارات في أهداف البرنامج لا تبشر بالخير وخاصة تلك المتعلقة بالدعم الحكومي الذي تقدمه الحكومة للأسر المحتاجة ( تطوير كفاءة برامج الدعم الاجتماعي وتوجيهها لمستحقيها من المواطنين) بدون أي تفسير للفئات المستحقة للدعم والمساعدات.
12. لم يتطرق البرنامج لأهداف التنمية المستدامة التي صدرت عن الأمم المتحدة وكيفية ربط البرنامج بها بهدف تحقيقها.
13. كيف ستحل مشكلة المخزون الاستراتيجي للمياه والمواد الغذائية التي نستورد ما يصل الى 90% من حاجة البلاد لها، وهذا ما سبق أن تطرق له ديوان الرقابة المالية.
14. من ضمن محور البنية التحتية والبيئة، ورد هذا الهدف ضمن الأهداف الرئيسية ( تعزيز فاعلية أنظمة التنقل والطرق في المملكة وتنوعها ). ولم يتطرق الى القطار الخليجي الذي كثر الحديث عنه كما لم تتم الإشارة الى الميترو الذي بدأ الحديث عنه منذ العام 2006 تقريبا.
15. للأسف لازالت البطالة بنسب مرتفعة وجاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بله، وجاء التقاعد المبكر ليزيد من حجم تكلفة المواطنين الذين خرجوا للتقاعد المبكر على أمل تحسين حالتهم المادية بالعمل الخاص كما كانت الوعود اثناء تسويق مشروع التقاعد المبكر. ولمعالجة موضوع البطالة الذي وصل الى ما نسبته 10% حسبما أعلن عنه الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، لم يتطرق البرنامج الى حل جدري لمشكلة البطالة. لذلك نحتاج الى قانون يتم من خلاله تخصيص بعض الوظائف ذات العائد المناسب للمعيشة للمواطنين فقط كما فعلت المملكة العربية السعودية لحماية مواطنيها تجاه منافسة العامل الأجنبي.
16. ضمن محور الخدمات المجتمعية تحت عنوان ( تطوير واستدامة الخدمات الاجتماعية وضمان جودتها وتعزيز الشراكة مع القطاع الأهلي). ورد الغايتين التاليتين: توفير البيئة اللازمة لتمكين المؤسسات الأهلية من المشاركة في العملية التنموية / و تعزيز مفاهيم الشراكة المجتمعية والعمل التطوعي. هذا في الوقت الذي تقوم فيه وزارة التنمية بوضع مزيد من التعقيدات والمعوقات في عمل مؤسسات المجتمع المدني التي تحد من مشاركة الشباب في أنشطة الجمعيات كما تضع معوقات من الإلتحاق بهذه المؤسسات ومنها خضع الترشيح لمجالس إدارات هذه المؤسسات للمراجعات والموافقات الأمنية. ولتطوير العمل المجتمعي كما يستهدف البرنامج لابد من إصدار قانون عصري حديث لمؤسسات المجتمع المدني يساهم في إعداد هذا القانون مؤسسات المجتمع المدني، كما لابد من تقديم الدعم المالي لهذه المؤسسات ومراقبة أدائها بعد تقديم الدعم او السماح لها بالحصول على الدعم اللازم من مصادر اخرى تبتدعها هذه المؤسسات.