لمن تقرع الأجراس في المحرق -1
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
قد يظن البعض بأننا نتحدث عن قرع أجراس الكنائس فيتساءل عن أي كنائس في المحرق تتحدثون، لكننا جميعاً نعلم بأن هذه المدينة البحرينية العريقة الشماء لم يعد بها كنائس مُنذ دخلت البحرين في الاسلام طواعية قبل أكثر من 1440عاماً، حينها كان التسامح والتجانس والعيش البسيط حقيقة وطبيعة لأبناء هذه الجزيرة الطيبة ولا تزال مسحة من ذلك تجلل سمعتها بين الأمم.
وعلى رغم ذلك فإننا لا ندري ماذا يخبئ لنا القدر في قادم الأيام من تحولات، مع كل ما نشهده من تغييرات وتبدلات تكاد تأتي على هوية جزيرتنا الوادعة وكل بلادنا من حيث التغييرات التي تعاني منها التركيبة الديموغرافية والسكانية التي نشهدها ونراقبها بمرارة ولوعة يصاحبها أسى وحزن عميق كلما تضاعف عدد حَمَلة الجوازات الحمراء من أصول مختلفة.
هي أجراس الخطر الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى، ولا يزال يداهمنا في كل لحظة، يخترق صمت أوقاتنا وينتهك خصوصياتنا ويتغلغل في واقع معيشتنا ويغير حروف لغتنا ولهجتنا، ويبدل مفرداتنا ويصادر هويتنا ويقطع أوصال علاقاتنا، لكن مدينة المحرق لم تعد قادرة على ضبط التغيير في معالمها ولهجاتها، لأنها تعرف أن نبض قلبها بدأ في التغيُر أيضاً حتى بات الدم الذي يضخ في عروقها دماً مختلطاً هجيناً من أجناس مختلفة بين البلدان العربية والدول الآسيوية والأجنبية المتعدد الأعراق والأصول.
هي أجراس الحذر واليقظة التي بات علينا أن نأخذها مأخذ الجد، فقد بدأت المحرق تفقد الكثير من صفائها ونقائها وعاداتها وعلاقاتها الاجتماعية، التي كانت تميزها أبواب بيوتها المفتوحة، وحركة أطفالها البريئة وهم يتنقلون من بيت لآخر في شعور من الأمن والطمأنينة والفرح الذي يلامس قلوبهم الطاهرة، التي لم تكن تخشى وجود الأغراب، فاصبحت لا تعرف شيئاً عن الثقافات الجديدة أو البديلة التي صارت ظاهرة منتشرة بين أرجائها، لتحل بديلاً عن طبيعة تلك الأحياء التي كان الاطفال يتحركون وسطها في بيئة أهلية واجتماعية حاضنة تضم بيت الخال وبيت العم وبيت الجد والجدة، وابن أو بنت الخال والعم، والجيران المعروفين فرداً فردا.
لقد تغيرت هذه اللوحة الإجتماعية الجميلة بشكلٍ شبه كامل وصار يسكن أحياء وفرجان المحرق العريقة مجتمعات بديلة وغريبة عنها، البيوت لم تتغير لكن سكانها تبدلوا، الأزقة لاتزال في مكانها لكن اللهجات واللغات والكلمات التي تتردد فيها لم تعد عربية الحروف والجمل البلاغية، حتى أن نكهات الأطعمة والوجبات الغذائية والتوابل والأدخنة والبخور لم تعد كما كانت قبل أقل من ربع قرن.
في المحرق الآن أحياء وفرجان لم تعُد تعرفنا ولم نعد نعرفها، هي لا تمت لتاريخنا بصلةٍ أبداً، لا تحمل من ذاكرتنا وذكريات أجدادنا أو موروثنا الشعبي شيئاً، لا تطرب لأُغنياتنا وأهازيجنا، ولا يهمها كثيراً ما كنا نردده من حزاوي وأمثلة شعبية أو قصائد شعرية، وحتماً هي لا تعرف شيئاً عن أغاني الغوص واليامال، ولم تسمع أو تتذكر محمد بن فارس ومحمد زويد والمقلة وبن لحجان وبوطبنية، ولا أحد من عظماء المحرق وأبطالها وروادها، حتى أنها لا تعرف لماذا سميت الأحياء التي تقطنها بهذه الأسماء وقد تعتبرها مجرد أسماء فارغة من المعنى والمضمون.
في الانتخابات النيابية الأخيرة والتي سبقتها في العام 2018 أيضاً، بدأ حجم الكارثة يتضح شيئاً فشيئا، فقد باتت أغلبية الناخبين التي تحدد نواب وممثلي المحرق في مجلس النواب من فئة البحرينيون الجدد، الأخوة الحاصلين على الجنسية البحرينية حديثاً، حتى بات مصير نصف دوائر المحرق بيد المجنسين بشكل شبه كامل.
ويجب علينا الاعتراف بهذ التغييرات الجوهرية التي حدثت خلال العقود الثلاثة الماضية، فلقد أصبح البحرينيون الجدد قوة لا يستهان بها في المحرق، يتحركون كقوة منظمة ويمنحون أصواتهم لمن يمثلهم أو يدافع عن مصالحهم وربما يدفع لهم مقابل هذه الأصوات أكثر، وقد أثرت ثقافات هذه المجاميع على تراجع فرص صعود إي امرأة من دوائر محافظة المحرق، بسبب أن الثقافة السائدة في هذه المجتمعات لا تناصر المرأة بالدرجة الكافية.
لقد وصلت 8 سيدات من المحافظات الثلاث الأخرى لمجلس النواب، لكن سيدات المحرق أخفقن في الفوز بأي من المقاعد الثمانية في محافظة المحرق، فهل يمكن معالجة تأثير الهجرة الداخلية من أحياء المحرق الى المدن الجديدة وعدم ترك أحيائها للسكان الجدد؟ ذلك ما سنناقشه في الجزء الثاني من هذا المقال. والله من وراء القصد