
بين مصر وتركيا تقاطعات وازمات طاحنة واختلاف بالخيارات 4/5
مصر وتحولاتها... لماذا الجيش؟
ميخائيل عوض
معرفتي بالجيش ودراستي الدقيقة لدوره وطبيعته، مكنتني من مجاوزة مناهج العلوم الاجتماعية وعلوم المستقبل وراهنت على الفضائيات ووقعت بالصوت والصورة، بأن الإخوان لن يحكموا مصر أكثر من سنة وحسب، وتحقق الرهان بالتوقيت واليوم.
الجيش المصري هو العامود الحامل للدولة والحامي لوحدتها الوطنية والمجتمعية، وهو أساس الدولة العميقة إذا كانت من دول عميقة، وفي مصر وعند الشعب المصري وثقافته الجمعية إثنان فوق النقد ومقدسان، الله والفرعون وفرعون مصر وشعبها هو الجيش والمؤسسة العسكرية.
الجيش المصري برغم كامب ديفيد وقيوده وبرغم التحولات الجوهرية التي ذهبت إليها مصر ما بعد ناصر وتوقيع كامب ديفيد، إلا أن الجيش المصري الموروث بثقافته وقيمه ودوره من الفراعنة امتداداً إلى تجربة محمد علي واعتماده أساساً على الجيش لتحضير وعصرنة مصر، إلى دوره المرموق في ثورة الضباط الأحرار والتجربة الناصرية، وبرغم انعطافة السادات وتوقيع صك الاستسلام، إلا أن الجيش حافظ على استقلالية وأمن وحمى وعزز الرفض الشعبي للتطبيع، وحافظ على بنية اقتصادية إنتاجية مكنته من منع البنتاغون والإسرائيليين من تمرير خطط إعادة هيكلته أو العبث بتشكيلاته أو تغير عقيدته، وظلت إسرائيل العدو الاستراتيجي، وسورية الاقليم الشمالي والجيش السوري الجيش الأول لمصر، وجاء قاتل السادات في ذكرى حرب تشرين من الجيش المصري وبعربة للجيش اثناء العرض العسكري.
كما أمن الجيش المقاومة في غزة ثم أمن غزة بحماية الإنفاق، وأمن خطوط تهريب السلاح والصواريخ السورية والإيرانية عبر السودان وبطرق طويلة جداً.
ومنذ 1953 ثورة الضباط الأحرار لم يترأس مصر إلا ضابط عسكري ما خلى سنة الرئيس الإخواني مرسي والرئيس المؤقت القاضي عدلي منصور، وحافظ الحيس على حصة في الوزارات، والمؤسسات وعدد من المحافظين، وإدارة الشركات العامة والخاصة.
والجيش المصري أمن مصر اقتصادياً وغذائيا وكانت مؤسساته تنتج اكثر من 18 بالمائة من الناتج القائم لمصر قبل ثورة 25 يناير، وتنتج مؤسساته من البيض والفروج إلى الطائرة والصاروخ، وأعاق الجيش بيع القطاع العام وتصفيته وتصفية الدور الاجتماعي للدولة. ويشتغل في مؤسسات الجيش قبل الثورة أكثر من 5 ملاين مواطن مصري، وفي الدولة المدنية 8 مليون موظف ومتعاقد، ما شكل للجيش والدولة قاعدة اجتماعية صلبة ومتماسكة مكنته من رفض التوريث لجمال مبارك وحماية التظاهرات في ثورة يناير ومنع التعدي عليها. ولعب الجيش وشبكاته الاجتماعية وحركات الشباب المناصرة والمؤيدة له دور عصب الحراك الثوري لإسقاط حسني مبارك ثم إدارة المرحلة الانتقالي عبر المجلس العسكري، وعندما جرت الانتخابات الرئاسية ونال مرشح الجيش أحمد شفيق نسبة ال 51 بالمائة من الأصوات باعتراف الإخوان والمراقبين الدوليين والسفراء والدبلوماسيين، وتحت إصرار وتهديد الإخوان بسوق مصر إلى المذبحة والحرب الأهلية.
تصرف الجيش بحكمة ووطنية وتقانة نادرة فقبل التحدي وسلم الرئاسة للإخوان لسنة، لاختبارهم وكشف مشروعهم، ووضع كل العصي والعقبات في طريقهم. وعندما ألقى مرسي خطابه الشهير في استاد القاهرة وأعلن الجهاد في سورية حزم الجيش قراره وشرع بتنظيم الانقلاب لإسقاط مرسي وتصفية الإخوان المسلمين، وأطلق حراكاً شبابيا شعبياً ونظم تواقيع الناخبين عبر كتاب العدل لأكثر من 30 مليون ناخب تطالب العرائض بسحب التفويض من مرسي، وبطريقة وبإخراج متقن ووطني بامتياز. نظم المجلس العسكري لقاء جمع فاعليات مصر والمؤثرين فيها وسلم الرئاسة انتقاليا لقاضي قضاة مصر”عدلي منصور” وامن استعادة الرئاسة والسلطة وشرع بتصفية الاخوان المسلمين وشبكات الإرهاب في سيناء وعلى الحدود الغربية من ليبيا ومن الجنوب على الحدود السودانية.
وعندما حاول الإخوان وحلفائهم ورجال الاقتصاد والأموال الليبراليين أن يعبثوا بالأمن الاجتماعي وحجبوا الحاجات الأساسية والغذائية تقدم الجيش وأمنها بما في ذلك حليب الأطفال والبيض والخبز والاجبان وكسر إرادتهم ومنعهم من الاحتكار وتجويع الشعب، تضامنا مع الإخوان وتنفيذاً للمشروع الإخواني الأميركي الذي تحدثت عنه هيلاري كلينتون.
كيف نجح الجيش المصري في خطته العبقرية لحماية مصر ووحدتها الوطنية وتعزيز استقلالها واسقاط مؤامرة الاخوان – اميركا؟ وكيف نجح في تغليب الحل الوطني على نزعة الحفاظ على السلطة والدولة، أيضاً هذه تسجل للجيش وحكمته وتؤكد رسوخه وانه يجسد روح مصر وقيم شعبها ووحدته.
ولولا الحكمة وإدارة الأزمة بالروح الوطنية والحرص على مصر وأولوية شعبها ووحدتها لكانت أصيبت بما أصيبت به سورية ولمكانة مصر وموقعها وجغرافيتها كان ضاع الشرق برمته وتفتت العرب والمسلمين الى غير عودة، ولو تسنى للإخوان السيطرة على مصر لذهبت سورية والأخريات .
في انقلابه على مرسي والإخوان عمق تجربة ثورة الضباط الناصرية وأعطى انقلابه روح ثورية شعبية أعمق من خلال التظاهرة التي نظمها ودعى إليها، وجمعت أكثر من 33 مليون مصري لتبرير إجراء الانقلاب، وهذه تؤكد على فطنته وشعبيته واجتماعيته وتعتبر عرائض سحب التفويض من مرسي ممارسة ديمقراطية ثورية نوعية وغير مسبوقة، تصلح لتصير أحد أهم قواعد الديمقراطية الشعبية والثورية
…./ يتبع
غداً، التحديات والأزمات، والخيارات المتاحة