بحث معمق: فلسطين في انتفاضة ثالثة مسلحة لا سبيل لها إلا النصر والتحرير 6/…
توازن القوى الاقليمي والعالمي انقلب في صالح محور المقاومة
دمشق حجر الرحى وانتصارها في الحرب العالمية العظمى بشارة التحرير من البحر إلى النهر…
ميخائيل عوض
حققت المقاومة وفصائلها في لبنان وفلسطين، باحتضان وإسناد سوري إيراني انجازات نوعية وانتصارات إعجازية. فعوضت عن اختلال التوازنات في البيئة العربية والاقليمية والعالمية، بعد أن تفردت أميركا في قيادة العالم، وتمكن الليكوديين من البيت الأبيض، وأصبحت السياسات والمبادرات الأميركية والعالمية في خدمة إسرائيل، وهذه ذروة ما بلغته إسرائيل من هيمنة وتسلط وامتلاك وسائط السيطرة والقوة.
أدركت الدولة العميقة في أميركا بأن انتصار أيار الـ2000 في لبنان وضع أسس لنهاية الدور الوظيفي لإسرائيل ومعها الأدوار الوظيفية لنظم وجغرافيا ثلاثية، سايكس بيكو- وعد بلفور-الاتفاق بين الأسرتين الوهابية والسعودية مع بريطانيا. فحزمت أمرها أولاً في أميركا نفسها وحسمت الانتخابات الرئاسية 2000 بشبهة تزوير وانقلاب عبر المحكمة العليا، وفوضت الصقور من المحافظين الجدد دعاة نظرية القرن الأميركي، وأطلقت يدها في العالم وفي العرب والمسلمين، فاستخدمت عملية 11 أيلول 2001 ذريعة لإعلان الحرب على العرب والمسلمين، بذريعة الحرب العالمية على الارهاب، ووصفها بوش الابن بحرب صليبية،، وبادرت أميركا لغزو أفغانستان بتغطية من قرارات الأمم المتحدة بعد أن أخضعت المنظمات الدولية والدول لقرارات أميركا بلا نقاش، وغزت العراق 2003، بذرائع كاذبة، والدوافع أن الأدوات التي كانت أعدت لخدمة المشروعات الغربية قد أفلست ولم تعد قادرة، فقررت أميركا أن تتولى المسالة بنفسها وعبر العودة إلى وسائل الاستعمار القديم بالاحتلال والغزو وإعادة بناء وهيكلة الأمم والدول، وأسمت لأفغانستان والعراق منتدبون وإداريون أميركيون لإدارتها. وفي مشروعها إسقاط خمسة عواصم والهدف مصر الجائزة الكبرى.
هزمت إسرائيل وباتت عاجزة وأصبحت عبئاً ثقيلاً، فكشفت أميركا توحشها وحشدت جيوشها وحلفائها لتحقيق غاياتها ولحماية إسرائيل، فانقلبت الوظائف سيد الكلب بات يعمل عند الكلب ولخدمته ولتأمينه، وعلى رغم ما توفر لأميركا المهيمنة عالمياً والعالم كأمن وراكد ومذعور من بطشها وهيجانها، وعدوانيتها، ضلت المقاومة بركنيها سورية وإيران وبفصائلها على السلاح وفي الميدان. وبادرت سورية لتبني وتأمين المقاومة العراقية واحتضانها وفي وسط آسيا تولت روسيا والصين وإيران إسناد المقاومة الأفغانية، فالاحتلال الأميركي لمنصتين هامتين في تقرير مستقبل الأقاليم والتوازنات لعالمية يهدد إيران، ويقيد صعود الصين ويكسر ضهر روسيا، وينهي مشروعها الأوراسي.
ومرة جديدة يمكر التاريخ والجغرافية، فالمشروعات الأميركية عبر إسرائيل وحلف المعتدلين العرب والمسلمين والناتو هزموا في حرب تموز 2006 في لبنان، وتكبدت أميركا وحلفها خسائر مهولة في العراق وأفغانستان وسورية لم ترضخ لتهديدات ولشروط كولن باول، ولا ارتهبت لاغتيال الحريري والحملة عليها في بيروت وفرض الانسحاب عليها من لبنان، وإيران لم ترفع راية بيضاء جراء تطويقها من العراق وأفغانستان ومحاصرتها، وفرض العقوبات الحادة عليها، وجهود الخليج لإثارة فتنه مذهبية، وأيقنت سورية وإيران بأن لا مفر من خيار الصمود والمقاومة بأي ثمن وبما توفر من إمكانات، ومسارح للاشتباك في غزة وفلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان وحيث توطنت الاحتلالات الأميركية وأمكن خلق ساحة اشتباك معها.
تحرير غزة 2005 وحرب 2006 في لبنان شكلت محطة مفصلية حسمت بأن خيار المقاومة هو الفاعل والصاعد، وأن لا خيار ثان للأمة والدفاع عن كرامتها وانتزاع حقوقها ولو استسلم العالم. فأشهرت الدولة العميقة الأميركية صراحة بهزيمتها وفشل استراتيجياتها وتكتيكاتها في تقرير بيكر هاملتون 2006، واعترفت بخسارتها في الحروب والغزوات، وقررت تغير جلدها في أميركا وتغير استراتيجياتها وأدواتها ومناطق تركيزها، فتحولت إلى آسيا والباسيفيك، وانتدبت أوباما الأسود والأفريقي ولأب مسلم، إلى بيتها الأبيض، وجال بابتسامته دول العرب والمسلمين مخادعاً ومطمئناً، في القاهرة وفي تركيا قرأ آيات من القرآن الكريم ومد يده الملغومة للمصافحة يخفي مشروعاً تدميرياً للعرب والمسلمين، وجرى تصوير تركيا الأردوغانية بالمعجزة الاقتصادية والإسلامية الوسطية والمعتدلة، وفوضت قطر بدبلوماسية مفخخة بإزاء سورية وإيران ومحور المقاومة، وتحولت جزيرتها إلى المدافع الأول عن خيار المقاومة، وفوض أردوغان وحمد آل ثان بتنويم سورية على مخدة حرير ورافقهم الرئيس الفرنسي بلغته الرقيقة وأناقته، وفي الخفاء كان البنتاغون يعيد تنظيم العلاقة مع القاعدة ويمول ويعد ألوية وكتائب الإخوان المسلمين والفصائل الإسلامية المتشددة، واتفقت أميركا مع حركة الإخوان المسلمين العالمية على إعادة هيكلة السيطرة الأميركية- الإسرائيلية على العرب والاقليم، وانصب الجهد الأميركي في تكثيف العلاقات مع حلف المعتدلين وتمكينهم من العرب والمسلمين، والدبلوماسية الأميركية الخبيثة لاطفت وساومت سورية وإيران لتأمين الانسحاب الأمن من العراق بحفظ ماء الوجه، وعندما عصفت بالعرب الفوضى من بوابات تونس نهاية 2010، ولم تك على جدول أعمال واشنطن، وانعتق الشعب من وهم الخوف من القمع والنظم واحتشدت الملايين في الشوارع وهرب بن علي أخطر المشتغلين مع الأجهزة الأميركية الأطلسية منذ كان ملحقاً عسكرياً في بولندا، واضطر للفرار فالتهبت مصر وانتفضت بمليونياتها تهدر “الشعب يريد اسقاط النظام” واضطر مبارك لإخلاء الساحة للمجلس العسكري وللمرحلة الانتقالية. أدركت أميركا أن فرصة ذهبية توفرت، وربما رمية من غير رامي قد جاءتها على طبق من فضة، وبينما سورية وإيران ومحور المقاومة في حال ارتباك وذهول ومفاجأة مما جرى في تونس ومصر والأخريات، نجحت أميركا وأجهزتها والناتو وحلفهم مع الإخوان المسلمين وفصائل الارهاب الأسود وقناة الجزيرة في تحوير الجهد والموجه إلى ليبيا، وتم غزوها، وإلى اليمن لإجهاض صعود أنصار الله، وتم التركيز على أهم وأخطر الأهداف وأثمنها، والعقدة التي عطلت مشاريع تصفية القضية الفلسطينية، سورية وقد هيأت ظروف وبيئات اجتماعية، كان الفريق الليبرالي الاقتصادي الذي تولى مواقع ومسؤوليات مؤثرة في بنيتها، اشتغل عليها وفرط بالكثير من قدراتها ومخازينها ودمر القطاع العام ومخزون الغذاء، وبدد الاحتياطيات من العملات الصعبة، فأطلق العنان لتحركات تحت عناوين اجتماعية وتلبية حاجات ملحة سرعان ما أسندت وجرى تبنيها ونفخها، فتسليحها وزج مئات آلاف المسلحين من أركان الكرة الأرضية الأربعة وبتمويل وشراكة وإدارة مباشرة من مجلس التعاون الخليجي، وقطر وتركيا وفرنسا، ومن الأردن والعراق ولبنان ومن كل الاتجاهات، وبقيادة أميركية إسرائيلية مباشرة وعلنية.
باشرت أميركا حملتها القصوى، ومشروعها، أن معركة حرب القرن قد أزفت وإن إسقاط سورية وتدميرها وتدمير جيشها ودولتها هي الجائزة العظمى والمنصة التي ستوفر لأميركا استئناف استراتيجياتها لإعادة هيكلة الاقليم والعرب، والإمساك بعنق تاريخ المستقبل والقبض على القرن الأميركي، فإسقاط سورية يمثل جوهرة وهدف كل الحروب والغزوات الغربية، وتقسيمها أو فرض الفوضى المستدامة فيها تؤمن لإسرائيل السيادة والمكانة، وتعيد نظم عناصر القوة والسيطرة في العرب والاقليم ما يوفر شروط إسقاط إيران والإطباق على روسيا، وتالياً احتواء الصين وجعلها مجرد مصنع ويد منتجة وأفواه مستهلكة في عالم أحكمت الليبرالية المتوحشة قبضتها عليه لقرن أقله.
وسورية على وعدها وعهدها وقيمها قلب العرب وقبضتهم المرفوعة وراية المقاومة التي لم تنكسها في تاريخها قط.
تحولت الأزمة من المطالب إلى مسلحين واستهداف المطارات والطيارين ومهندسي الصواريخ والنووي والرادارات، ومقرات الدولة والجيش، وتدخلت تركيا ومجلس التعاون الخليجي وجامعة المستعربين، واستضافت الأردن غرف العمليات والمعسكرات وفتحت الحدود اللبنانية مشرعة، وزجت أميركا بالمسلحين من العراق واحتضنت إعلان داعش، وأمنتها في غزوة الموصل وبررت عودتها وحشدت تحالف دولي، وأنشأت القواعد في سورية والعراق بصورة احتلالية واضحة لا لبس فيها. وحجر الزاوية في المخطط إقامة جدار من دولة سنية على الحدود السورية- العراقية، وإنشاء حاجز من الارهابين بين سورية ولبنان، لعزل ومحاصرة قلاع وحصون محور المقاومة والقطع بين بيروت دمشق- دمشق- بغداد وبغداد- طهران.
زج محور المقاومة بكل قوته وأدواته في الحرب العالمية العظمى التي تفرد بإدارتها وخوضها محور المقاومة من لحظة سقوط الاتحاد السوفياتي، ونجح في استنزاف وارهاق وإلحاق الهزائم بإسرائيل وإذلالها وكسر كل عناصر قوتها وسطوتها وهزم أميركا، وهي مهيمنة عالمياً، والأمم والقارات راكدة ومذعورة وخانعة، وأعلنها السيد نصرالله أنها حرب بين المحورين وامتداد للحروب، وهكذا تحولت سورية إلى مسرح الحرب الاقليمية ومع عاصفة السوخوي الروسية 2015 تحولت إلى العالمية العظمى، وتهزم فيها أميركا وأحلافها وإسرائيل وأدواتها وتتحول روسيا إلى قوة عالمية قادرة على اخضاع الأطلسي وتحجيم أميركا، ويتعاظم المشروع الأوراسي، وتصبح إيران دولة نووية وفضائية وصانعة الأحدث أنواع السلاح، ويتمكن أنصار الله من استنزاف وهزيمة السعودية وتحالفها ومجلس التعاون وبامتلاك أنصار الله للترسانة الصاروخية والمسيرات، وبإعلان السيد حسن نصرالله هزيمة إسرائيل في المعارك بين الحروب، وامتلاك المقاومة للقدرات لتصنيع المسيرات واختبارها في سماء فلسطين، وامتلاك تقنية تحويل الصواريخ كلها إلى دقيقة، تنضج كل الظروف وتتحقق الامكانات وتختل موازين القوى برمتها لصالح محور المقاومة، ولتأمين قدرته على تحويل الحرب من تحد إلى تحرير فلسطين.
وجرت اشتباكات وتطورات عسكرية ذات أهمية نوعية ودلالات هائلة الأهمية في تقرير موازين القوى بين محور المقاومة والحلف الأميركي- الأطلسي- الإسرائيلي وأدواته، تؤكد انحسار قدرات الكيان وحلفه، فقد اختبرت أميركا حرب العقوبات والحصارات، واستخدمت كل ما لديها وتملصت منها سورية وإيران ولبنان وقررت المقاومة كسر الحصار بتسيير قوافل الامداد النفطي لسورية ولبنان، تحت حماية صواريخ المقاومة في لبنان، وخاضت إيران باقتدار حرب الممرات والناقلات وحرب السفن وهزمت فيها أميركا وإسرائيل، وأسقطت أحدث طائرة تجسس أميركية ودكت قاعدة عين الأسد بالصواريخ رداً على اغتيال القائد قاسم سليماني ورفاقه في مطار بغداد. وفي حرب الدبلوماسية والتفاوض أخضعت إيران أميركا في الملف النووي وأذلتها وفي الحرب السيبرانية والسرية، والاغتيالات صارت يد محور المقاومة هي العليا وصواريخ الحرس الثوري وقعت علناً على نهج مطاردة الموساد والأمن الإسرائيلي كما في أربيل كذلك في أذربيجان، ووسط اسيا وتسير قافلة المقاومة إلى سبيلها القدس وتحرير فلسطين كلها على خطواتها الواثقة.
في هذه الظروف والتوازنات يمتشق شعب الجبارين السلاح وتنتفض فلسطين من النهر إلى البحر، وتستعد غزة وتعلن جاهزيتها للدفاع عن الأقصى وشعب فلسطين…
إنها الشروط والظروف الموضوعية الموفورة للتحرير الكامل، وقد دنت الساعة وثورة الشعب المسلحة الجارية لا خيار لها إلا النصر والتحرير..
… يتبع
غداً، العالم شهد ويشهد تحولات وأحداث في جلها ليس في صالح إسرائيل، بل تنتظم وتتقاطر توفر فرصة وظروف التحرير الكامل…
الأيام الجارية في فلسطين والأقصى تعبد طريق التحرير، وقد يتحقق بأسرع مما يظنه أكثر المتفائلين…