
العراق ما بين نارين … الفراغ الدستوري والانسداد السياسي
. بقلم/ نزار عبدالرحمن الشنكالي.
بانتهاء يوم 6 نيسان 2022 ، وهو اخر موعد لانتخاب رئيس الجمهورية ضمن المدة الدستورية المحددة في المادة (74) وهي ثلاثين يوم وفي حين لم ينتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب خلال هذه المدة الزمنية فمن المفترض ان يدخل العراق في حالة الفراغ الدستوري.
الا ان المشرع العراقي سواء في الدستور او القوانين النافذة او القرارات الصادرة من الجهات القضائية العراقية لم يتطرق الى جملة “الفراغ الدستوري” او امكانية دخول العراق في مرحلة الفراغ الدستوري ، فالفترة الزمنية في الدستور هي فترة تنظيمية وليس حتمية اي لا يترتب على اثر عدم تطبيقها اي جزاء عقابي وفق الدستور او وفق القرارات القضائية الصادرة هذا من جانب.
ومن جانب اخر أقرت المحكمة الاتحادية العراقية بشرعية استمرار رئيس الجمهورية في اداء مهامه لحين انتخاب رئيس جديد وبحضور ثلثي اعضاء مجلس النواب لتحقيق النصاب القانوني للجلسة خلال فترة وجيزة لم تحدد مدة زمنية محددة تكون باتة وملزمة وانما مدة تكون اشبه بالمفتوحة وعلى ان يتم انتخاب رئيس جمهورية من بعد اعادة فتح باب الترشيح لمرة واحدة فقط من قبل مجلس النواب وذلك في قراراتها بالعدد (7 وموحدتيها ٩ و ١٠ /2022) و قرار (23وموحدتيها 25 /2022) ، وعليه فان رئيس الجمهورية الحالي مستمر في عمله وتسيير امور الدولة ولا يوجد نص او حالة تدل على خلو منصب رئيس الجمهورية التي تم تحديدها في الدستور وحتى في حالة الخلو هذه فان الدستور العراقي عالج هذه القضية وفق المادة (75 – رابعاً ) التي تنص على ان يحل رئيس مجلس النواب محل رئيس الجمهورية في حال خلو منصب رئيس الجمهورية وعدم وجود نائب له ، الامر الذي يدل على عدم وجود فراغ دستوري من الناحية القانونية وانما هناك حالة خرق للمدة الزمنية الدستورية.
عملية عدم التوافق السياسي والتضارب السياسي ما بين القوى السياسية وتحديدا ما بين “مثلث الاغلبية” او ما يسمى تحالف “انقاذ وطن” وما بين قوى “الاطار التنسيقي” او ما يسمى تحالف “الثبات العراقي” ساهم في عملية التجاوز على المدد الدستورية لاختيار الرئاسات واستكمال تشكيل الكابينة الحكومية ، هذه عملية عدم التوافق ناتجة من عدة امور خلافية جوهرية ما بين الاثنين منها ( الخلافات الشخصية ما بين بعض هذه القوى ولا سيما الخلاف ما بين قائد التيار الصدري السيد مقتدى الصدر ورئيس ائتلاف دولة القانون السيد نوري المالكي ، الكتلة الاكبر التي يحاول كل طرف ان يثبت وجودها وبالتالي تكون لها الحق في ترشيح رئيس الوزراء من ضمنها ، حقوق المكون الشيعي التي يحاول طرف واحد فقط الاستفراد بها وعدم اشراك الاخرين ومحاولة إقصائهم) هذه الامور وغيرها ساهمت في عملية تأخر انتخاب رئيس الجمهورية لعدة اسباب ومنها:
1- يحاول تحالف انقاذ وطن من تمرير مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالف معهم لرئاسة الجمهورية على خلاف العرف السياسي الكردي وتبرير ذلك ان تحالف انقاذ وطن يحاول ان يكسر الاعراف السائدة سابقاً ولكن من حيث التطبيق الواقعي فلا زالت نفس الاعراف السائدة سابقاً تجري وأهمها ما حصل في انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه.
2- وفق المادة (76 – اولا ) من الدستور ان يكلف رئيس الجمهورية رئيس مجلس الوزراء من الكتلة الاكبر عدداً الامر الذي يثير مخاوف القوى الاخر من امكانية رئيس الجمهورية الجديد ان يكلف شخصاً غير متفق عليه ويقوم بأقصاء الاخرين ومحاولة اضطهادهم.
3- الاستحقاقات الانتخابية فالقوى السياسية الاخرى تمتلك عدد من المقاعد ما يضمن لها الاستحقاق الانتخابي في السلطة التنفيذية لذا وجود شخص غير متفق عليه يضر بهذه الاستحقاقات الامر الذي ينذر بخطر مستقبلي يهدد عملية الوحدة.
4- السيطرة والنفوذ تحالف انقاذ وطن وفق مفهوم الاغلبية يحاول ان يكون موجود في السلطات التشريعية والتنفيذية كونه تحالف يمثل الاغلبية السياسية ويضمن له ذلك وفق العمليات الديمقراطية حكومة اغلبية تقوم بها قوى الاغلبية والقوى الاخرى تكون معارضة للحكومة ، الا ان سيطرة تحالف انقاذ وطن على السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية يهدد الاخرين من خلال الاستبداد مد النفوذ وتقييد دور المعارضة الحقيقي وممارسة جميع انواع الضغط من اجل منع عمل هذه المعارضة بشكل حقيقي ، حيث من يمتلك السلطتين التنفيذية والتشريعية يكون قادر على السيطرة والنفوذ دون الإكثار الى الاخرين وهذا يهدد السلم والامن السياسي والاجتماعي ولم يعالج تحالف انقاذ وطن هذه الاشكالية بعملية ضمانات حقيقية تكون اشبه بصك الامان للقوى الاخرى.
عملية عدم الاتفاق السياسي لن تطول كثيرًا ولا سيما في ظل الاوضاع الاقليمية والاقتصادية والمجتمعية السائدة وربما فترة الاربعين يوماً التي اطلقها السيد مقتدى الصدر ستكون حبلى بالتفاهمات والاتفاقات للخروج برؤية موحدة للمرحلة القادمة ، وابرز السيناريوهات المطروحة لذلك هي:
– ان يحصل اتفاق كردي ما بين القوى الكردية على مرشح واحد لمنصب رئيس الجمهورية ويكون هذا المرشح يراعي عملية التوازن ما بين القوى السياسية الشيعية والسنية الاخرى وهذا الخيار هو ما يدور الان.
– ان يحصل عملية اتفاق ما بين التيار الصدري والاطار التنسيقي على الكتلة الاكبر عدداً ومرشح رئيس الوزراء والضمانات البرلمانية والاستحقاقات الانتخابية بغض النظر عن شخص رئيس الجمهورية.
– ان يحصل اتفاق ما بين قوى الاطار التنسيقي والقوى السنية واغلب القوى الكردية والدخول بعملية ضمانات لكل الطرفين تضمن رؤية كل طرف.
– ان يذهب جزء من قوى الاطار التنسيقي مع تحالف انقاذ وطن لتشكيل حكومة على غرار ما حصل في حكومة السيد عادل عبدالمهدي في عام 2018 ، مع ضمان حقوق الاخرين الا ان هذا الامر غير مطروح حالياً من قبل قوى الاطار جميعاً رغم دعوات السيد مقتدى الصدر لذلك.