تورّط 43 شخصية بتهريب الأموال والقضاء موضع تساؤل
فاجأت النائب العام الإستئنافي في جبل لبنان القاضي غادة عون، اللبنانيين، بحضورها مجدداً الأربعاء إلى مبنى شركة ميشال مكتف للصيرفة بمواكبة من عناصر أمن الدولة، وذلك بعد أقل من 24 ساعة على مثولها أمام مجلس القضاء الأعلى، الذي قرّر إلزامها تنفيذ قرار مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وإحالتها إلى التفتيش القضائي.
ووصلت عون إلى الشركة ومُنِعت من الدخول قبل أن يخلع مؤيدوها بوابة الشركة الخارجية لفتح الطريق أمامها للدخول بسيارتها، ثم خلعوا البوابة الحديدة الداخلية لتدخل عون وتصل إلى مكاتب الشركة لمصادرة ملفات ومعلومات إضافية. وكان الخبير المالي المكلّف من قبلها قد حضر إلى مكاتب الشركة ولم يتمكّن من الحصول على أيّ داتا.
التحقيقات الأولية أظهرت تهريب مليار و600 مليون دولار
بحسب معلومات “أحوال”، فإنّ “داتا الملفات التي صادرتها عون خلال دخولها المرة الأولى منذ يومين إلى مكاتب الشركة لم تكن كافية. وخلال اطلاعها على هذه الملفات تبيّن لها أن هناك معلومات ومعطيات كثيرة تحتاجها لاستكمال التحقيقات، تمهيداً لتوجيه الإتهامات للمسؤولين عن تهريب مليارات الدولارات إلى الخارج”. وتكشف مصادر “أحوال” أنّ التحقيقات الأولية والتدقيق بالداتا حتى الساعة أظهرا تورّط 43 مسؤولاً لبنانياً من الفئة العليا من سياسيين كبار وأصحاب مصارف ومصرفيين وضباط ومدراء عامين بتهريب حوالي 2 مليار و600 مليون دولار خلال 4 شهور بعد أحداث 17 تشرين 2019 ومنهم شخصيات”.
وبحسب ما تبيّن، فإنّ القاضي عون تستغل عدم تبلّغها بقرار مجلس القضاء الأعلى لإنجاز ملفها بأسرع وقت قبل أن يتمكّن المتورطون من إقفال الملف بطرق مختلفة. حيث أعلنت عون في حديث تلفزيوني من أمام الشركة بأن “ما صدر عن مجلس القضاء الأعلى بيان لا قرار ولم أتبلّغ به بعد”.
وبحسب أوساط مطلعة على الملف لموقعنا، فإنّ “رئيس الجمهورية ومعه التيار الوطني الحر يأسوا من سلوك القضاء تجاه ملفات الفساد وتحديداً ملف تهريب الأموال وتبخر ودائع اللبنانيين في المصارف. فقرّر الرئيس عون الضرب بيد من حديد والبدء بخطة قضائية – شعبية – أمنية لتحقيق الخطوة الأولى على طريق تنفيذ التدقيق الجنائي الذي يشهد مماطلة من عدة مستويات؛ لا سيّما بعد مشهد العشاء الذي جمع المسؤول الأميركي ديفيد هيل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أظهر دعماً أميركياً له، فضلاً عن تجميد الملاحقة الدولية لسلامة بجرم تحويل أموال. فكلّ هذه المعطيات دفعت فريق الرئاسة الأولى لأخذ المبادرة والإعتماد على الذات لمكافحة الفساد”.
ماضي: عون خالفت القوانين وعليها التنحي
تؤكد أوساط مقرّبة من القاضي عون لموقعنا أنها مصرّة على متابعة الملف ولن تتنحى نصرة للقضية الوطنية التي تتعلّق بمصير الودائع والنقد الوطني ومستقبل الاقتصاد اللبناني برمته. إلا أنّ المدعي العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي أعرب عن تفاجئه من استئناف عون لعملها والحضور مجدداً إلى شركة مكتف، وذلك بعدما تعهدت أمام مجلس القضاء الأعلى بالإلتزام بقراراته وبقرار مدعي عام التمييز بكف يدها عن الملف وتسليمه لقاضٍ آخر.
ويوضح ماضي لـ”أحوال” أنّ “عون خالفت القانون وعليها تنفيذ قرار المدعي العام التمييزي والتنحي عن الملف لمصلحة قاضٍ آخر”. ويشير ماضي إلى أنّ “المشهد الذي رأيناه على مستوى القضاء سابقة تحصل للمرة الأولى في تاريخ القضاء في لبنان”.
ويطالب ماضي التفتيش القضائي المبادرة ووضع يده على الملفات الخلافية، وإجراء التحقيقات اللازمة في أداء القاضية عون بملف شركة مكتف والبت بالقضية بأسرع وقت، إذا ما كانت عون مذنبة أو تبرئتها ثم يرفع التفتيش القضائي تقريره إلى المجلس التأديبي لاتخاذ القرار المناسب”. ويضيف أن قاضياً واحداً أو اثنين لا يستطيعان كشف ملفات الفساد، بل يحتاج ذلك إلى جهود مشتركة بين كل النيابات العامة والأجهزة القضائية كافة”.
يمين: يعود للنائب العام وحده توزيع المهام ضمن دائرته
في المقابل، يوضح الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين بأنّ مجلس القضاء الأعلى تبنى تفسير المدعي العام التمييزي للمادة 12 من قانون أصول المحاكمات الجزائية من خلال طلبه من القاضية غادة عون الالتزام بقرار عويدات المتضمن توزيع الأعمال بين المحامين العامين المعاونين لها في دائرتها، علماً بأنّ المادّة المذكورة تنص على أن “يرأس كل نائب عام دائرته ويوزّع الأعمال الداخلة في اختصاصه على المحامين العامين الذين يعاونونه”، بما يعني أنّ اختصاص توزيع الأعمال الداخلة ضمن اختصاص النائب العام الاستئنافي بين المحامين العامين المعاونين له، يعود للنائب العام الاسئنافي نفسه وليس إلى أيّ مرجع آخر، بحسب رأي يمين.
دور القضاء بكشف التآمر على النقد الوطني
اللافت في بيان ومقرّرات مجلس القضاء الأعلى بحسب مراقبين، هو تركيزه على المشكلة التي نتجت عن أداء القاضية عون، وتجاهل القضية الأساسية المتمثلة بفضيحة تحويل وتهريب الأموال إلى الخارج عبر شركة مكتف وغيرها. فالقضية هنا ليست أداء قاضية تجاه قضية وطنية محقة، بل هي التآمر النقدي على الوطن، وضرب سمعته وعملته الوطنية وثقة الخارج به، ما أدّى الى الكثير من الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية لا سيّما أزمة الودائع المصرفية وأزمة الدولار!
فلماذا لم يمارس القضاء دوره في فتح ملفات الفساد بدءاً بسرقة ودائع اللبنانيين المقيمين والمغتربين بدلاً من تلهيه بالبحث بأداء قاضية بمعزل عما إذا كانت مذنبة أم لا؟ ولماذا لم يأخذ مدعي عام التمييز والمدعي العام المالي القاضي المبادرة وتسلّم الملف والقيام بما قامت به القاضية عون وكشف الجهات المسؤولة عن تهريب الأموال بعز الأزمة التي اندلعت في 17 تشرين؟ ولماذا لم يطلب عويدات من القاضي علي إبراهيم التعاون مع عون، والإستفادة مما أنجزته لكشف الحقائق والحقيقة للناس؟ أو الطلب منها تسليم ما بحوزته للقضاء على الأقل؟ فهل يستغلّ مجلس القضاء الأعلى هذه “الخضة القضائيّة” للدفع باتجاه فتح ملفات الفساد بدءاً بتهريب الأموال الى الخارج، أم الهدف تمييع القضية الأساسيّة من خلال تشابك الملفات والاشتباك عليها وإدخال كل قضية فساد في الخلافات السياسية والطائفية الضيقة لإنهائها؟
محمّد حميّة
موقع أحوال