
ترامب… غطرسة لن تدوم – 3
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
وحيداً سوى من غروره وعنجهيته التي تكاد تطبق الخناق على ما تبقى من كبرياء أميركا التي بلغت من العمر عتياً ودخلت في مرحلة الخرف والزهايمر، فأصبحت تهذي وتخرف بما تعرف وما لاتعرف، وضعت نفسها شرطياً وقاضياً وعسساً يتجسس على الجميع ويتحكم في مصائر مختلف شعوب العالم، فبدأت هذه الشعوب تضيق بها ذرعاً، وتبحث لها عن بدائل تقيها غضب وسخط الكاوبوي الأميركي المنفلت من عقاله وعقله، والذي لا يزال يظن نفسه في عصر الاستعمار الأول حين إنتقلت أعداداً كبيرة من مجرمي أوروبا ومطاريدها إلى القارة الأميركية المكتشفة حديثاً، فعاثت فيها قتلاً وإبادة أودت بحياة ملايين البشر من الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين، حتى كادوا ينقرضون وتنتهي سلالاتهم التي عمرت تلك البلاد قرونا من الزمن بعيداً عن الحضارة الأوروبية الموبوءة.
وبذات العنجهية والغطرسة والنَفَسِ المتعالي، شرع ترامب العائد من معارك الاستحواذ والتوحش الرأسمالي في إطلاق تهديداته في كل الاتجاهات وحتى لأقرب حلفائه، متوعداً ومهدداً لهم بمزيد من الخضوع والخنوع والركوع أمام عظمة أمريكا التي يعمل على تعزيزها عبر مصادرة المزيد من أراضي الغير بالقوة والإرهاب والنهب والسلب، فها هو يتحدث عن انضمام كندا لأميركا الموشكة على الإنهيار، ويهدد بوضع اليد على جزيرة غرينلاند (تتمتع بحكم ذاتي يتبع الدنمارك) واقتطاعها لصالح أميركا من دون وجه حق، ولا يكتفي بذلك بل راح يتوعد المكسيك والصين وغيرها برفع الرسوم والضرائب على بضائعها الواردة الى بلاده، وسارع الى تضييق الخناق على المهاجرين من دول الجوار وبدأ في ترحيلهم بحجة عدم شرعية هجرتهم.
وبدون حياء أو خجل ها هو يخاطب الحكام العرب، إما أن تدفعوا وإما أن تخضعوا وتدخلوا الى بيت الطاعة، وفي الحالتين فإنه يتعامل مع البلاد العربية والإسلامية باعتبارها مجموعة مقاطعات تحت الهيمنة ومناطق نفوذ خالصة لأميركا التي تستطيع ذراعها العسكرية وأساطيلها الوصول إليها وفرض السطوة والسيطرة عليها في رمشة عين، وربما أقل من ذلك، وهكذا أصدر أوامره إلى بعض البلاد العربية باستقبال عشرات بل مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين ينوي تهجيرهم من أراضيهم ووطن أجدادهم بالإغراءات والإرهاب إن لزم الأمر، بحجة فتح المجال للكيان الصهيوني للتوسع والتمدد وضمان أمن “اسرائيل” وحمايتها من (المتوحشين العرب) “الذين يريدون إلقاء اليهود المساكين في البحر”.
وكأن اليهود لم يعيشوا في المنطقة العربية آمنين، يتمتعون بكامل حقوق المواطنة ردحاً من الزمن قبل أن يخترع المستعمر الأوروبي “دولة إسرائيل” بقرون، وقبل أن يبدأ هذا الكيان المسخ في قضم الأرضي الفلسطينية والعربية قطعة قطعة بدعم من الرعاة الأوربيون وأميركا ذاتها التي اعتبرت هذا الكيان العنصري ممثلاً لها وراعياً لمصالحها في المنطقة، على حساب ملايين المواطنين العرب من المسلمين والمسيحيين الذين لم يعرفوا الأمن والأمان والاستقرار والسلام منذ قامت دولة هذا الكيان في 15 مايو 1948 بدعم واحتضانٍ تامٍ من الإنتداب البريطاني البغيض.
ولأن الدول الكبرى والامبراطوريات الاستعمارية لا تعيش إلا على استغلال الدول الصغيرة وامتصاص مواردها، فإن الإمبراطورية الكوليانية الأميركية كشرت عن أنيابها المتعطشة للدم، وتخلت عن أراجيزها وأكاذيبها التي سوقتها عقوداً من الزمن مطبلة لحقوق الإنسان والعدالة والمساواة والنزاهة والشفافية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها وإقامة أنظمتها المستقلة، وها هي تفصح عن وجهها القبيح من جديد، وتنتهك كافة الأعراف والمواثيق الدولية والأخلاقية في العالم من أجل أن تتشبث بتفوقها وتفردها في الصدارة والاستعمار، وقد جن جنونها بعد أن أظهر لها التحدي كل من التنين الصيني والدب الروسي، خاصة مع تشكيل منظومة البريكس الاقتصادية وما تمثله من تحديات تهدد باختفاء الدولار كعملة عالمية.
وكأن أميركا قد أصبحت أسداً جريحاً يزأر بأعلى ما يمتلك من قوة صوت عله يُرعب من يسمعه فلا يقترب منه ويتحداه أو يقتحم عرينه ويكتشف ضعفه، ولكن هيهات لها ذلك، فكم من إمبراطوريات سادتي ثم بادت، هوت وتفككت على مدى التاريخ، ولن تكون أمريكا استثناء من هذه القاعدة، ومهما حاول ترامب المتعجرف تخويف الآخرين وتهديدهم، فإن العد التنازلي لإنهيار أميركا قد بدأ وسيصل إلى نهايته الحتمية، أما فيما يتعلق بتهجير الشعب الفلسطيني خارج وطنه فإنه لايزيد عن كونه “عشم إبليس في الجنة” فالشعب الفلسطيني صامد في أرضه وعليها ولن يتزحزح عنها، بل إن موعد العودة والتحرير قد أزفت ساعته خاصة بعد هذا الصمود الأسطوري الذي جسده أبناء غزة الأشاوس طيلة 15 شهراً.
ومن دون شك فإن غطرسة ترامب ستنكسر على المستوى العربي والدولي، وربما تنهار على أعتاب كندا والمكسيك ودول أميركا اللاتينية، التي بدأت في مواجهة والتخلص من الهيمنة والسيطرة الأميركية، ولم تعد تكترث لتهديدات ترامب الذي ستنتهي فترة حكمه الجديدة خلال السنوات الأربع بالفشل، كما انتهت سنوات حكمه السابقة بالفشل والكوارث الاي خلفها في مختلف مناطق العالم، وسيذهب مع حكومته إلى غياهب النسيان، وقد تكون غطرسته وصلفه الكبير هما الدافع الأكبر لتراجع الحزب الجمهوري الذي استحوذ، واحالته إلى التقاعد وفشله في الاستمرار مهيمناً على الحياة السياسية الأميركية، بعد أن يكون ترامب قد أقصى القيادات التاريخية لهذا الحزب وسلمه إلى مجموعة من المنتفعين والمتسلقين الذين سيفاجئهم حجم الفشل والإخفاق في تحقيق الوعود الضخمة التي أطلقها ترامب في ساعات زهو وانتشاء وغرور، عندها لن ينفع الندم، فلا تفرحوا أيها المتأمركون.