هل تكون العقوبات البديلة بوابة للحل السياسي – 2
بقلم محمد حسن العرادي- البحرين
كنت مستمعاً جيداً لما قدمه الإخوة النشطاء الحقوقيون في ورشة “الصعوبات التي تواجهه المشمولين بالعفو الملكي والمستفيدين من العقوبات البديلة والسجون المفتوحة” التي نظمتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان يوم الثلاثاء الموافق 7 يناير 2025، وكان أكثر ما شدني في الورشة مستوى الحوار المسؤول الدائر بين رئيس ومسؤلي المؤسسة والإخوة النشطاء من مؤسسات المجتمع المدني، وقد دفعني ذلك للتساؤل عن الأسباب التي تمنع بقية النشطاء الحقوقيون عن المشاركة في مثل هذه الورش التي تنظمها المؤسسة من أجل إثراء المواضيع التي تتناولها، بهدف إيصال أرائهم بصورة مباشرة والتعرف على توجهات وأفكار المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بدون وسيط.
لفتني أن أحد ممثلي المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان وهو أستاذ جامعي رد على أحد المشاركين في الورشة الذي طالب بتوسيع هامش تحرك المحكومين بالعقوبات البديلة والسماح لهم بالعمل مدفوع الأجر، من أجل تسيير وتنظيم شئون حياتهم المالية والمعيشية، فكان رد الأستاذ الجامعي بأننا يجب أن نتعامل مع العقوبات البديلة باعتبارها نوع من العقاب المفروض على المحكومين، وبالتالي فإنه من الطبيعي حرمانهم من بعض الامتيازات، ذلك أنهم يقضون ما تبقى لهم من العقوبة، الأمر الذي لا يتساوق مع المطالبات بمنحهم المزيد من الحريات ومن بينها حرية العمل مقابل أجر، فالقانون واضح وينص على أن المحكومين يقضون فترة العقوبة البديلة بدون أجر، ورغم أن الناشط الحقوقي حاول تدوير الزوايا والبحث عن منافذ للتخفيف على السجناء المفرج عنهم بالعقوبات البديلة، الا أن المساحة بدت أضيق من أن تتيح ذلك القدر من الانفتاح.
وعندما إنتهيت من الإستماع لأغلب وجهات النظر والآراء المطروحة، كان لي وجهة نظر مختلفة بشأن العقوبات البديلة، فهي في رأيي ورأي الكثير من المتابعين بوابة للحل السياسي وتجاوز تداعيات الأزمة التي مرت بلادنا بها إبان ما عرف بالربيع العربي، الذي أدخلنا جميعاً في أفعال وردود أفعال نتج عنها دخول أعداد كبيرة من المواطنين إلى السجون، ولما كانت أعدادهم كبيرة فقد تم البحث عن آلية عمل تساهم في الإفراج عنهم تدريجياً من أجل تنفيس الأزمة وعدم تفاقمها من جديد، والملاحظ بأن المجتمع قد تجاوب مع هذا الحلم الذي أعتبر في حينها حلاً إبداعياً وفر طريقاً معبداً لتجاوز الأزمة وتداعياتها.
وعليه فإن من المهم التعامل مع العقوبات البديلة بإعتبارها حلاً استثنائياً تم اللجوء إليه لحلحلة الأزمة وتنفيسها بشكل مقبول، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً لاستثناءات جديدة قد تساهم في تدعيم نظرية العقوبات البديلة، وجعلها البوابة الأنسب لايجاد الحلول الناجعة لمعالجة التداعيات تلك الأزمة التي أرهقت البلاد اكثر من عقد من الزمن، ومن المهم الالتفات إلى أن الأجهزة المعنية تطبق الكثير من الإشتراطات والمعايير والاستثناءات التي تراها مناسبة لإحالة المحكومين على العقوبات البديلة، من بينها تقدير المختصين بأن سلوك هؤلاء المحكومين وتعاملهم مع الجهات الأمنية يجعلهم مؤهلين لتخفيف عقوبة السجن والإفراج عنهم بالعقوبات البديلة أو عن طريق السجون المفتوحة فضلا عن العفو الملكي الخاص او الشامل.
وإذا كانت الأجهزة الأمنية والأنظمة العدلية هي من ترشح وتختار المحكومين المحالين للعقوبات البديلة وتتابع أوضاعهم خارج السجن، فإنها حتماً ستكون قادرة على التمييز بين السجناء وفق التهم التي حوكموا بها، كما أن التعامل معهم يمكن توفيقه حسب الفئة التي ينتمي اليها المفرج عنهم، وهي بكل تأكيد تستطيع التفريق بين السجناء الجنائيين والسجناء السياسيين، الأمر الذي يعزز الحاجة إلى وجود مسارين مختلفين ومنفصلين في طريقة التعامل مع كل فئة على حدة.
كما تستطيع الجهات العدلية المعنية توفيق أوضاع السجناء حسب التهم الموجهة اليهم، الأمر الذي سيساهم في تسهيل إندماجهم وإنخراطهم في المجتمع من جديد، وهنا أشير إلى أنه من المنطقي جداً أن تختلف معايير تطبيق العقوبات البديلة على كل فئة حسب التهم الموجهة إليها، ذلك أن المحكومين السياسيين يرون أنفسهم سجناء رأي إختلفوا مع الدولة في تفسير أو فهم بعض القوانين والإجراءات والحريات التي قاموا بممارستها، وبالتالي فإن إخضاعهم لقانون العقوبات البديلة قد يكون فرصة لإيجاد حل قانوني ذو صبغة سياسية لتسوية ملفاتهم وأوضاعهم بعد أن قضوا سنوات طويلة في السجن، بهدف إغلاق هذا الملف السياسي المؤلم الذي مضى عليه أكثر من 14 عاماً منذ أزمة فبراير 2011.
وفي المقابل فإن تطبيق العقوبات البديلة على السجناء الجنائيين يأتي كنوع من تخفيف العقوبة المنفذة عليهم، خاصة وأنهم قد إرتكبوا هذه الجرائم والمخالفات بشكل فردي وليس كتنظيمات او مجموعات، ومن ثم خضعوا للأحكام بصفتهم الشخصية ونالوا العقوبات الصادرة بحقهم كأفراد مدانين، من هنا نرى أن الفصل في التعامل بين الفئتين قد يساهم في التسريع بإيجاد الحل المناسب، مع حق السجناء عموماً في الحصول على فرصة أخرى وبدايات جديدة، تسمح لهم بإجراء المراجعات اللازمة والبحث عن طرق معيشية بعيدة عن التهم والقضايا التي أودت بهم إلى السجن، من جهة أخرى فإن هؤلاء السجناء سيعودون إلى بيوتهم وأسرهم لإستعادة ما فاتهم طيلة أيام السجن، فهل تتمكن العقوبات البديلة من إيجاد الحل السياسي المناسب وإطلاق آليات وديناميكيات جديدة تساهم في حل أزمة فبراير 2011، ذلك ما ننتظره جميعا.