احذروا الصهيوتركية العثمانية الجديدة ..؟
عراديات - 328
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
كثير من المواطنين العرب والمسلمين كانوا ينظرون إلى تركيا باعتبارها الظهر والسند لبقية دول العالم الاسلامي والعربي، وخاصة الدول المجاورة لها، ومن بينها دولتان عربيتان رئيسيتان هما العراق وسوريا، لكن واقع الحال يخبرنا بالكثير من القصص التي تناقض هذه النظرة والاعتقاد الخاطئ، بل تقدم صورة مغايرة تماماً تقف فيها تركيا في أول قائمة الأعداء والمتربصين، بل والمعتدين على الدول العربية، وقد شهدنا خلال العقود الماضية الكثير من الانتهاكات التركية العسكرية للأراضي العراقية والسورية بحجة ملاحقة ومواجهة التنظيمات الكردية المسلحة في هاتين الدولتين وخاصة حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان المعتقل في السجون التركية منذ اختطافه على الأراضي الكينية في فبراير من العام 1999 والحكم عليه بالإعدام الذي خفف لاحقاً إلى السجن المؤبد، وهو لايزال يقبع في السجون التركية.
ومنذ فترة طويلة تمارس تركيا حصاراً مائياً خانقاً ضد العراق وسوريا، وتتحكم في كمية المياه التي تمرر لهما من خلال (سد أتاتورك) الذي أقيم على نهر الفرات ودخل الخدمة في العام 1990، والذي يتحكم في كمية المياه المتدفقه إلى سوريا ومن ثم العراق، كما تتحكم تركيا في كمية المياه التي تتدفق إلى نهر دجلة الذي يخترق الأراضي العراقية من خلال (سد إيليسو) والذي دخل الخدمة في العام 2020 بطاقة كاملة، ودون شك فإن هذه السدود وغيرها كثير أقيمت على الأنهار الصغيرة وهي تساعد تركيا بإعتبارها دولة المنبع على التحكم في كمية مياه الأنهار التي تصل إلى سوريا والعراق بإعتبارهما دولتي المصب، الأمر الذي يؤثر على جودة الحياة المعيشية في البلدين العربيين ويحد من قدرتهما على الزراعة والري، أو الإستفادة من مياه الأنهار في توليد الكهرباء وتشييد الصناعات الأخرى.
وتمارس تركيا من خلال ذلك عملية لي ذراع ضد الدولتين العربيتين سوريا والعراق، تصل إلى حد الإبتزاز السياسي والعسكري والاقتصادي، وهو ما يعتقد بأنه السبب الرئيس في تراخي هذه الدول وترددها في مواجهة تدخلاتها العسكرية وانتهاكاتها المستمرة لاراضيهما بحجة مواجهة الأكراد في هذين البلدين الجارين لتركيا، وتجدر الإشارة إلى أن الأكراد يتوزعون على تركيا والمناطق الجغرافية المتجاورة معها بشكل متفاوت حيث يتوزع الاكراد على هذه الدول كالتالي (تركيا 20 مليون، إيران 12 مليون، العراق 8 مليون، سوريا 3.5 مليون) أي أن الغالبية العظمى (حوالي النصف) من الأكراد يعيشون داخل حدود تركيا ويشاركون في الحياة السياسية بشكل اعتيادي، من خلال حزب الشعوب الديمقراطي الذي تأسس في العام 2012 عبر إندماج عدد من الأحزاب اليسارية التي تتبنى الدفاع عن القضية الكردية، ويحظى هذ الحزب بتمثيل جيد في البرلمان التركي ( 600 عضو) وقد حصد الحزب أكثر من 10% من المقاعد النيابة، ويعتبر واحد من الأحزاب الرئيسية في البلاد، خارج إطار تحالفات حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة طيب رجب أردوغان.
ومع ذلك فإن تركيا التي تحتضن أكبر عدد من أبناء القومية الكردية وتشرعن عمل الحزب الذي يمثلهم في البرلمان، تقوم بافتعال الأزمات مع العراق وسوريا بشأن نشاط الأكراد الذين يشكلون اقلية في كلتا الدولتين، ولم تكتفي تركيا بمهاجمة وانتهاك الأراضي العراقية والسورية بحجة ملاحقة التنظيمات الكرية المسلحة مرات عديدة، بل إنها قامت برعاية عمليات زعزعة أمن الدولة السورية، وخاصة منذ ما عرف بالربيع العربي حيث لعبت تركيا الدور الأبرز في تحريك ودعم الجماعات المسلحة التي هاجمت النظام السوري بلا هواده طيلة السنوات الماضية، وصولاً الى أسقاط هذا النظام في 8 ديسمبر 2024، وقد جاءت تركيا بنظام بديل موالٍ لها، تم احتضانه وتدريبه وتسليحه داخل تركيا ، ثم في محافظة أدلب طوال أكثر من عشر سنوات ضمن ما عرف بالمناطق الآمنة التي أفرزتها التوافقات التركية الروسية الإيرانية فيما عرف (تفاهمات أستانة) والتي أدت في نهاية المطاف لسقوط وهروب الرئيس بشار الأسد لاجئاً إلى روسيا، وتحول تركيا إلى الراعي والعراب الأول للنظام السوري الجديد بقيادة احمد الشرع – ابو محمد الجولاني.
وأمام هذه الشهوة التركية للسيطرة على أراضي سوريا الخصبة وأسواقها وثرواتها الطبيعية، لاسيما آبار النفط والغاز الواعدة على السواحل السورية، وشغفها إلى استعادة ما تسميه بالمحافظات العثمانية، التي كانت تحت سيطرتها أبان حكم الدولة العثمانية التي هُزمت في الحرب العالمية الثانية، فإن النظام التركي يسعى لاستعادة أمجاد تلك الدولة من خلال تحالف صهيوتركي، تقوده وتدعمه وتحميه الولايات المتحدة الامريكية، وذلك يفسر الصمت الدولي المريب على الانتهاكات الصهيونية العسكرية للأراضي السورية، منذ نجاح ما سمي بالثورة السورية بقيادة (هيئة تحرير الشام) التي تضم بين عناصرها مرتزقة من تركيا وكافة دول العالم وعلى رأسها دول القوقاز، فهل تعود العثمانية الجديدة من خلال هذا التزاوج الصهيوتركي لتدمير وتقسيم ما تبقى من الدول العربية، وهل يتوسع هذا التحالف ليهدد دولا عربية أخرى، ذلك ما يجب أن نراقبه ونحذر منه خلال الأيام القادمة.