سوريا بعض الهواجس.. وكثير من الأمل القادم ..

عراديات 323

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

الجمعة 20 ديسمبر 2024

الزلزال الكبير الذي وقع في سوريا يوم 8 ديسمبر 2024 تسبب في تغيير خارطة المنطقة واصطفافاتها، وآثار الكثير من القلق والهواجس لدى الجميع، خاصة من ناحية توفر الحريات والحقوق الاجتماعية ومبادئ الحياة المدنية خوفاً على التنوع الأثني والتعدد المذهبي والسياسي الذي كانت تتميز به الدولة السورية أبان الحقبة التي انتهت برحيل بشار الأسد، والتي أدت إلى انكشاف هذا البلد العربي الكبير الذي تتجاوز مساحته 185 ألف كم2 أمام الاحتلال الصهيوني بشكل بشع ومخيف، وقد إستغلت “اسرائيل” الفرصه لتجتاح الحدود الدولية وتعربد فوق أراضي كافة المدن السورية دون أي رادع أو حساب لأي اتفاقيات أو مواثيق دولية.

 

واذا كان مهماً الإقرار بأن مقاومة الكيان الصهيوني أو الرد على هجماته على الأراضي السورية كانت محدودة جداً بل شبه معدومة خلال حكم الأسدين الكبير والصغير، إلا أن ميزان الردع بين الجانبين كان محكوماً بعوامل أخرى سمحت بضبط الاعتداءات والهجمات “الاسرائيلية” في حدود يمكن تحملها والتعايش معها من قبل النظام المنهار، وكانت “اسرائيل” تعلن دائماً (وهي كاذبة ومخادعة) بأن هجماتها تتركز على خطوط الإمداد الخاصة بدعم وإسناد المقاومة الإسلامية في لبنان، وتحددها أهداف الهجوم بالصواريخ الدقيقية التي كانت تقلق كيان الاحتلال.

 

لكنها مع سقوط الأسد الإبن وهروبه الغامض، إستغلت الفراغ الكبير الذي تركه النظام السابق، وتوغلت في الأراضي السورية بشكل لم يسبق له مثيل ومشين أمام العالم العربي المذهول والعالم الغربي المسطول، بدون أن تسجل أي دولة عربية أو أجنبية أي احتجاج يذكر، ودون أن تبدي القوى الحاكمة الجديدة في دمشق أي إمتعاض أو استنكار (بل أن بعض التصريحات تقول بأن دخول الجيش الاسرائيلي تم بالتنسيق مع النظام الحاكم الجديد) ، ولم تكتفي “اسرائيل” بذلك بل قامت بتدمير كافة القواعد العسكرية والمطارات ومخازن الذخيرة والعتاد الحربي، واحتلت مساحات شاسعة من المدن والقرى السورية يقدرها بعض المراقبين بأكثر من 250 كم2، وهيمنت على قمة جبل الشيخ التي تكشف كافة دول المنطقة عسكريا واستراتيجيا، وتتيح مجالاً للمراقبة البانورامية لمنطقة جغرافية هائلة لطالما حلم الكيان بالسيطرة عليها.

 

ومع كل هذا الحزن والهواجس والقلق الذي جاء فاجعاً مع السقوط المريع لحكم عائلة الأسد المستمر لأكثر من خمسة عقود، وكان الجميع ينظر له باعتباره أحد الأنظمة الحديدية التي شكلت المشهد العربي والاقيلمي وشاركت في تأسيس العديد من التحالفات والاصطفافات السياسية والعسكرية في المنطقة، من بينها وربما أهمها إتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا التي دغدغت وغذت الآمال العربية في الوحدة، بعد توقيعها من قبل رئيس سوريا شكري القوتلي ورئيس مصر جمال عبد الناصر في 22 فبراير 1958، وتم اختيار جمال عبد الناصر رئيسًا والقاهرة عاصمة للجمهورية الجديدة، لكن هذه الوحدة أنتهت سريعاً بعد الانقلاب العسكري الذي وقع في دمشق يوم 28 سبتمبر 1961، (من المصادفات أن عبدالناصر توفي بعد 10 سنوات من انفراط الوحدة في 28 سبتمبر 1971) ومن المفارقات ايضا أن حافظ الأسد صعد إلى سدة الرئاسة بعد مجموعة انقلابات وتصفيات لشركائه توجها يوم 22 فبراير 1971 بعد تمكنه من السيطرة على جميع مقاليد الحكم في سوريا.

 

وقد أتقن الرئيس حافظ الأسد إدارة التحالفات السياسية والاستراتيجية طوال حياته، وكان أغربها وأولها عمراً تحالفه مع الجمهورية الاسلامية (وهو النظام العلماني الدكتاتوري الصارم) في حربها ضد العراق التي يحكمها الفرع العراقي لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي ينتمي إليه حافظ في سوريا (رغم ان هذان الفرعان لم يتفقا يوماً سوى في تشابه المبادئ والافكار الفلسفية)، ثم شارك الأسد في حرب تحرير الكويت ضمن قوات التحالف الدولية بقيادة أمريكا (التي كانت تدعم صدام في حربه ضد ايران)، ومن الغرائب أيضا أن حافظ الأسد كان الشريك الرئيس لأنور السادات في حرب اكتوبر 1973 ضد العدو الصهيوني، ثم كان أبرز مؤسسي جبهة الصمود والتصدي التي تشكلت أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد التطبيعية بين مصر السادات ودولة الكيان 1979.

 

وبعد الإطاحة بحكم صدام حسين في العراق عام 2003، لعب الأسد الأبن دوراً بارزا في دعم المقاومة في لبنان ضد “اسرائيل” رغم أن قوات بلاده كانت قد إجتاحت لبنان في العام 1975 عبر قوات الردع العربية وفرض توازنات ميدانية ليست في صالح القوى اللبنانية الوطنية، وبهذا أضعفت وخلخلت الساحة اللبنانية وملئتها بالصراعات والأحقاد والكراهيات التي لاتزال آثارها باقية حتى الآن، ولربما كانت أحد الجهات الرئيسية التي غطت مذبحة مخيم تل الزعتر الفلسطيني التي حصلت في 12 أغسطس عام 1976 على أيدي القوات المارونية بقيادة حزب الكتائب وحلفائه وراح ضحيتها أكثر من 3000 فلسطيني، ولأن دوام الحال من المحال فإن هذا النظام قد سقط بكل ماله وعليه على يد تحالف من الحركات المسلحة (الاسلاموية) المدعومة من قبل تركيا وأمريكا و”اسرائيل” بطريقة مسرحية مرسومة الخطى، وربما بتواطئ بعض الأنظمة العربية والأجنبية مستفيدة من سقوط نظام الحكم السوري ، وقد أدى ذلك إلى انتشار الفوضى والخوف والقلق أثر الإعلان عن قيام نظام إسلامي هجين حليف للغرب الأمر الذي يمكن أن يجعله بوابة جديدة للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

 

لقد صرح قادة النظام السوري الجديد بأنهم لن يسمحوا لأي من التنظيمات الفلسطينية المسلحة بإستهداف “اسرائيل”، بل وطلبوا منهم تسليم السلاح وتفكيك قواعد التدريب العسكري والاكتفاء بالمكاتب (ربما يتم إغلاق هذه المكاتب أيضا تنفيذاً للأجندة الأمريكية)، كان مقاتلوا النظام الجديد وعناصره المسلحة يتلقون العلاج والدعم والإحتضان من قبل الكيان الصهيوني الإرهابي الأمر الذي يفسر عمق العلاقة بين الطرفين وتداخل المصالح، وهذا يعني بأننا أمام مشهد إنهيار نظام معاد للصهاينة، وقيام نظام بديل مهادن وصديق لهم وغير متضح التوجه أو الرؤية وربما متعدد الولاءات ايضاً.

 

ولأننا نعرف التربية القومية التي نشأ عليها أبناء سوريا، فإننا لا نستبعد ولادة حركات سورية مقاومة في القريب العاجل، خاصة مع وجود هذه التباينات الكبيرة والمنافسة بين الفصائل المسلحة التي تمكنت لسنوات من إرهاق نظام الحكم في سوريا ويقال بأن أعدادها يزيد عن 30 تنظيماً كل له ارتباطاته وتمويله، الأمر الذي يرجح إحتمالية التنافس وربما الاقتتال على السلطة،

وفي هذه الحالة فإن فرص التصدي للإحتلال الصهيوني ستتزايد وقد تُفتح الجبهة السورية ضد الاحتلال، بعد أن ظلت مغلقة طوال خمسون سنة بحكم توازن الرعب والردع وربما الاتفاقات السرية، أما وقد إنهار هذا النظام فإن المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، وقد نشهد إنتفاضة سورية عارمة ترفض الوضع الجديد وتعيد الإعتبار لعناصر المقاومة ضد الإحتلال، ودون شك فإن في الغيب عجايب، وقد يكون الخير في باطن الشر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى