
سوريا… حائط الصد الأخير
بقلم محمد حسن العرادي- البحرين
لا يهمني التوصيف كثيراً، ولن أستدرج إلى التصنيف أيضآً فمهما كانت الجهات والتنظيمات المسلحة والقوى التي تدير المعارك الحربية على الساحة السورية في محاولة إسقاط حكومة بشار الأسد، فإنها تخدم الأجندة الصهيونية بشكل مباشر، وتندرج جهودها في مشروع إقامة (إسرائيل الكبرى)، فهذا المشروع الاستيطاني الذي تَعرقَل في فلسطين ولبنان، عاد ليطل برأسه من بوابة إدلب وحلب، فإذا نجح هنا فإنه لن يتوقف عند أبواب العاصمة السورية دمشق بل سيتمدد وينتشر في كامل المنطقة بشكل دموي.
إن سقوط سوريا يعني إمتداد خط الهيمنة والاستعمار الجديد من تركيا إلى الأراضي المحتلة في فلسطين، وإذا حدث ذلك لا سمح الله فإن اللبنة الرئيسية في مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي بشر به شمعون بيريز، كونداليزا رايس، ترامب، نتنياهو تكون قد وُضعتْ في المكان والزمان المطلوب، وأصبح الكيان الصهيوني على خط تماس جغرافي مباشر مع أوروبا من خلال تركيا العثمانية، وعندها تلتقي مصلحة الاستيطان الصهيوني مع مصلحة الاستعمار التركي، وتنساب البضائع والأسلحة والعساكر والثقافة والسياحة بين الطرفين، حينها نُصبح نحن العرب مجرد تفاصيل في اللعبة الدولية.
لذلك أعتقد بأن سوريا لا تزال تشكل حائط الصد الأخير أمام هذا الانهيار الكبير، لقد أصبحنا أمام مشروعين أحدهما يلغي الآخر، طوفان الأقصى الذي إرتكزت أجندته على التصدي للمشروع الصهيوني في ابتلاع ما تبقى من فلسطين المحتلة أصلاً، ومن ثم التمدد في المحيط العربي، وطوفان الإستيطان الذي يستعجل في ابتلاع الدول العربية واحدة بعد أخرى قبل قضم ما تبقى من فلسطين، وفي الحالتين تقف أمريكا في خانة الأعداء المتآمرين والمستعمرين.
وإذا كانت تركيا قد تموضعت في موقع المتشفي والمصفق في الحالة الأولى وكانت تراقب شلال الدم الفلسطيني المسفوح على رمال غزة بعين من الرضى والكيدية، فإنها هنا تقوم بدور العراب المباشر في عملية ذبح سوريا الجريحة، والجميع يلاحظ أن الخليفة العثماني في تركيا قد غَضً الطرف عما يحدث في فلسطين ولبنان من مآسي ومجازر صهيونية يندى لها جبين الإنسانية، وراح يزود الكيان بما ينقصه من مواد غذائية لوجستية، ثم اكتفى بالتلويح بالكلام والخطب العظام ليبيعها على بقية اقطار الإسلام الغارقة في الخوف والتجهيل والظلام، لكنه اليوم كشر عن انيابه وانخرط في المشروع الاستيطاني الاستعماري بشكل سافر، ويخطئ من يعتقد بأن حاكم تركيا سيكتفي بقضم وضم محافظات أدلب وحلب وحماة، لأن أطماعه الإمبراطورية أكبر من ذلك بكثير، ومنذ البدء بيت النية بخبث شديد في احتلال هذه الأجزاء من سوريا واضافتها لامبراطوريته وما احتلال لواء الاسكندرون عن الذاكرة ببعيد، لما لهذه الأراضي السورية من قيمة كبيرة في الاقتصاد والثقافة، أما الكيان الصهيوني فإن جائزته الكبرى لن تكون إستكمال الإحتلال في الضفة وغزة وحسب، ذلك أن عينه واطماعه كانت ولا تزال على الضفة الشرقية (الأردن) وما ورائها (العراق)، ولا شك أن انفلات الأطماع والاستقواء بامبراطورية الشر اميركا اخرج الوحوش من عِقالها، فصارت تتكالب وتتصارع على ما تبقى من بلاد العروبة كما تتكالب الضباع على الفريسة.
لقد أصبح المشهد واضحاً، فإذا سقطت سوريا فإن احتلال أو اجتياح الأردن ولبنان يصبح تحصيل حاصل، وإذ ذاك تصبح حدود التحالف التركي الصهيوني ملامسة للعراق من الشرق والمملكة العربية السعودية من الجنوب، وتسقط بذلك أحلام الاستقلال والنهضة والتنمية الاقتصادية في الوطن العربي الذي سيكون هو (الرجل المريض) في هذا العصر ، فضلاً عن نهاية أوهام الوحدة العربية، وإذا أصبحت السعودية دولة مواجهة ضد هذا التحالف الشرس والطماع فإن دول الخليج ستصبح جميعها أمام تحد وجودي حقيقي، لذلك فإن الدفاع عن سوريا وإسنادها ومنع سقوطها بأيدي التحالف (التركي الصهيوني الارهابي) المغطى والمدعوم أميركياً وأوروبياً يصبح واجباً مقدساً ملزماً لجميع الدول والشعوب العربية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل كان الإجتياح الكاسح على غزة والعدوان السافر على لبنان طوال امثر من 14 شهرا ولا يزال، تمهيداً للانقضاض على سوريا (الجائزة الكبرى)، “ولاشك ان هذا هو المرجح لدى العقلاء من المتابعين” ذلك أن ما جرى من جرائم حرب إبادة أمام صمت مدوٍ رهيب لم يكن صدفة، فهل وقعنا نحن العرب جميعا في حرب ملهاة نتابعها عبر القنوات الفضائية بالبث المباشر لنكون مستعدين لتجرع الهزيمة المرة في سوريا كما ألفنا تجرع الهزائم والاذلال التاريخية الأخرى، وهل سنكون مهيئين نفسياً للدخول طواعية في العصر الصهيوني، أم أننا سنستيقظ ولو متأخرين، وماذا نحن قادرون أن نفعل، هل ننتصر لسوريا أم نتركها لقمة سائغة للأعداء.
لقد تنبهت السعودية وعدد من الدول العربية لهذه الأطماع التركية الصهيونية الاستيطانية القذرة، وبدأت في ترميم العلاقة مع سوريا، وأعلنت رفضها للحرب الارهابية التي تُشن عليها بتوجيه ورعاية أمريكية أوربية حاقدة، لكن ذلك لم يعد كافيا، فالأمر جلل وخطير، وأولئك العرب المساكين المغيبين الذين شمتوا في الفلسطينيين واللبنانيين وهم يذبحون بالسلاح الأمريكي والأيادي الصهيونية، سيبكون كثيراُ اذا اكتملت فصول المؤامرة، فهل يستيقض الواهمون المخدوعون بالتغيير والوعود الأميركية قبل فوات الأوان؟