الإنفجار آت… أين؟ ومن يبدأ الحرب؟

ميخائيل عوض

في لبنان وأزمته حالة استعصاء. والاستعصاء يعالج بالكسر “طق البرغي”.

وفي عين الحلوة اشتباكات بلا قضية أو هدف يخدم المخيم أو التحرير.. ولا أحد يملك الحل أو الحسم، إذن هي للإشغال والتشويش والتسخين!

في غزة وعلى وقع اشتباكات عين الحلوة تظاهرات مطلبية تقمعها سلطة حماس واحتكاكات عشائرية لأسباب ثأرية. وفي الضفة مقاومة وسلطة مأزومة كشرت عن أنياب أجهزتها في محاولة أخيرة لتخديم الاحتلال وتصفية المقاومة وإجهاض نموذج جنين، وتعدي على الأهالي والمقاومين وتصدي بالرصاص الحي لتظاهرات في جنين احتفالاً بعمليات المقاومة في تل أبيب. وبين أركان السلطة تسابق على تقديم القرابين والشموع لإغراء الإسرائيلي ببدائل عن أبو مازن المترنح.

في إسرائيل أزمة بنيوية وعميقة وتظاهرات واحتكاكات بين فصائلها والجيش يخلوا من الطيارين والضباط والأطباء، ويتقلص حديثا حجم نخبة الاحتياط وكلام كثير عن حرب أهلية وعن خطر الانهيار قبل عمر الثمانين، وبين فصائل المقاومة وسلطة أبو مازن توازن وعجز عن إنتاج مصالحات وتسويات أو حسم التوازنات. وفي غزة ارتباك وتوتر خيارات بين سلطة مأزومة موعودة بوهم أموال الغاز والإعمار والامارة وبين مقاومة لا تستطيع الاستسلام وإلقاء السلاح. هكذا يتشعب الاستعصاء على الضفتين والاستعصاء يستوجب طق البرغي.

في شرق سورية تحرشات أميركية وتجاوز اتفاقات تنظيم الطيران بين روسيا وأميركا، وهما على أشد أزمة واشتباك في أوكرانيا وأفريقيا وعلى جميع المسارح في حرب شاملة، والطيران الروسي لا يسلم بتجاوز الخطوط الحمر ويتحرش بالمسيرات الأميركية لإلزامها الانضباط.

وحديث شائع عن استقدام قوات أميركية وأساطيل وحاملات طائرات وتحشيد قوى وتجهيز قسد وداعش والفصائل الارهابية التي اعادت أميركا تأهيلها وحشدها، وتتصاعد عمليات إرهابية باستهداف قوافل وقوعد الجيش السوري والحلفاء. وكثير من التقارير والمعلومات الرائجة عن اكتمال استعدادات أميركا لتصفية الوجود السوري والإيراني والفصائل المساندة شرق الفرات لإكمال الطوق البري على الوجود الروسي في سورية، ولنسف الطريق والحزام الصيني عبرها، ولقطع الإتصال الجغرافي بين بيروت دمشق طهران موسكو وبكين، وعودة للحديث عن دويلة إسلامية سنية تقودها داعش أو أشباهها في مستطيل الحدود العراقية- السورية “قلب قلب العالم وهدف حرب القرن” للربط بين الأطلسي وقاعدة أنجرليك وإسرائيل عبر الأردن والقواعد الأميركية في الخليج، وغالباً لإنشاء كردستان الكبرى لإسناد إسرائيل المترنحة، وبذلك تسعى أميركا لإعادة ضبط وتطويع بن سلمان وبن زايد وتقطع إلى الأبد إمكانية المصالحات العربية، وتنهي المصالحة الإسلامية بين إيران والسعودية، وتتحول الجهود لإنهاء الوجود الإيراني في العراق، تمهيداً لاستهداف إيران من الداخل وبإثارة التناقضات والنعرات الداخلية وأو بالحرب والتدمير…

الحديث الجاري عن شرق الفرات ومستطيل الحدود السورية- العراقية واستهدافاته تعيد التذكير بأنها الحرب العالمية العظمى بكل معانيها وتجلياتها، فإن نجحت أميركا ستغير قواعد ارتكاز التوازنات الاستراتيجية في الاقليم والعالم وستنجح بإيقاظ أوهامها  بقرن أميركي… يا للهول وماذا عن هزيمتها في العراق وأفغانستان وأوكرانيا وانحسارها في أفريقيا وأميركا اللاتينية، وتراجع هيمنتها العالمية وتأزماتها مع العالم الأنكلو- ساكسوني والأطلسي… ما أهون الحروب بالنظارات وعلى الورق وشاشات الكمبيوتر والحواسيب.

اللافت في التحليلات عما تحضر له أميركا شرق الفرات تتجاهل القوى الأخرى والوقائع التي تفيد بأنها أكملت الاستعدادات لحرب تصفية الوجود الأميركي والأطلسي في الاقليم، فمحور المقاومة وروسيا والصين والقوى المتضررة هي اليوم مئة ضعف ما كانته وما كانت قوتها عندما غزت أميركا أفغانستان والعراق بجيوشها وحلفائها، وعندما أطلقت ثعابينها وجيشها الإسلامي المسلح وقادت الحرب وخسرتها أميركا وخرجت ذليلة من أفغانستان ومهزومة في العراق، وفشل إسلامها في سورية وتونس والسودان، ويعاني في ليبيا واليمن وتركيا، وعين المنطق الاستنتاج أن كثيراً من الكلام للتهويل والتخويف والإرباك كمثل إعلان السفارة السعودية لمواطنيها في لبنان ولحقت بها سفارة البحرين، وعند التدقيق تبين أن لا مواطنين سعوديين أو بحرينين سواح في لبنان..

السؤال: لماذا لا نقلب الآية ونفترض أن التهويل والعراضات الخلبية وحرب العالم الافتراضي لتي تديرها غرف سوداء، تجري بسبب الخوف من عمل عسكري يستهدف اقتلاع الوجود الأميركي من شرق الفرات ومن العراق، وهذا قرار كان قد أعلنه السيد حسن نصرالله بإسم فصائل المقاومة ثأرا لاغتيال قاسم سليماني وربط بين هزيمة أميركا وتحرير فلسطين بلا حرب…

وماذا عن اكتمال جاهزية محور المقاومة وفصائله لخوض الحرب الكبرى حرب تحرير فلسطين، وقد أنجز حزب الله نقلته من الدفاع إلى الهجوم وناور وحشد قوة الرضوان على الحدود، وزرع خيم مزارع شبعا ويتحرش يومياً لاستدراج إسرائيل لفعل يستوجب، حرب تحرير فلسطين من البحر إلى النهر على ما بات لازمة خطاباته.

الحق يقال، المنطقة تغلي، والاستعصاءات ضاربة في كل الساحات والمسارح، وقد أرشدتنا التجربة وعلوم المجتمعات والحروب، أنه عندما تنسد السبل ولا يعود للحوار والدبلوماسية والسياسة من دور تتقدم الحرب التي هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وهي أشبه بالعمليات التجارية على حد توصيف العبقري كلاوز فيز.

يحول دون الحرب انفجار ما في إحدى الساحات وكلها مرشحة، فالعراق قابل للانفجار وغزة والضفة بلغ فيها السيل الزبى، ولبنان وحالة استعصائه، وسورية وعصف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية يزيد في توتراتها الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.

وإن انفجرت في مسرح تتراجع احتمالات الحرب الكبرى أو العظمى، وإن وقعت الحرب فزمن آخر وعوالم جديدة تنبثق وتولد.

لقد طال الانتظار ومل ايوب من صبر الصابرين وأصحاب البصيرة.

في المنطقة والاقليم غليان واستعصاء، وتوازنات جديدة تبحث عن فرص لفرض نفسها، وفي كل ساحة على حدا فرص لتسويات وتبدلات قد تنجز بلا حروب وانفجارات، وإن حصلت واحدة كاحتمال انتخاب رئيس في لبنان وتمكن البلاد من إدارة أزمتها فقد تتغير المعطيات وتنتفي الحاجة للانفجارات أو الحروب، وكذا إن تصاعدت وانفجرت أزمات كامنة في تركيا أو مصر، وتبقى العين على أفريقيا واحتمالات تطوراتها بعد النيجر ومسارات تصفية الوجود الفرنسي والأطلسي فيها كنتيجة لانحسار القوة المهيمنة، وتعثر حلفائها وسعي الأمم والشعوب للتحرر من الاستعمار والنهب.

زمن الحاجات إلى التغيير سريع العطب، وعندما تيبس الغابة يكفيها شرارة عابرة لإشعال الحريق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى