
اكتشاف طريقة لقراءة أفكار قناديل البحر بالرغم من عدم امتلاكها أدمغة
أجواء برس
توصل العلماء إلى طريقة لقراءة أفكار قنديل البحر، إن جاز التعبير لأن قناديل البحر ليس لديها أدمغة.
و الجدير بالذكر أن مع بعض التعديلات الوراثية الذكية، يمكننا الآن مشاهدة كيف تعمل الخلايا العصبية في نوع صغير من قناديل البحر الشفافة معا لعمل حركات ذكية مستقلة معقدة، مثل الاستيلاء على الفريسة وأكلها.
وجد “ الباحثون درجة غير متوقعة من التنظيم العصبي”. وذلك
عندما قام الباحثون بتعديل قنديل البحر وراثيا -بحيث تتوهج خلاياه العصبية عند تنشيطها- ونشرت الدراسة في دورية “سِل” (Cell) يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
نموذج مثالي للدراسة
وكما يؤكد تقرير لموقع “ساينس ألرت” (Science Alert) فإن “كليشيا هيميسفيريكا” (Clytia hemisphaerica) كائن شبيه بقنديل البحر، وهو النموذج المثالي لدراسة هذا النوع من السلوك؛ ونظرا لأن هذا النوع من قناديل البحر صغير جدا (قطره نحو سنتيمتر واحد فقط)، فيمكن وضع جهازه العصبي بأكمله بسهولة تحت المجهر.
وقد ظهر هذا الحيوان الصغير بوصفه كائنا نموذجيا واعدا لدراسة دورة الحياة، ومن السهل نسبيا التلاعب بجيناته، ودراسته عن كثب في إطار مختبري، ومن الأمثلة على الدراسات التي أجريت بالفعل تلك التي تنظر إلى تطوره الجنيني، والأنماط التفاضلية للتعبير عن الجينات في أثناء مراحل حياته، والشفاء من الجروح.
وتجدر الاشا ة انه مثل معظم الكائنات المجوفة، “كليشيا هيميسفيريكا” لديه مورفولوجيا بسيطة نسبيا، وتم فك تسلسل جينومه بالكامل مارس/آذار عام 2019، واتضح أن جينومه بسيط للغاية، إذ يحتوي جسمه الشفاف على نحو 10 آلاف خلية عصبية فقط، مما يجعل من السهل تتبع جميع الرسائل العصبية.
أحافير حية
كما يرى بعض الباحثين أن الجهاز العصبي لهذا النوع من قنديل البحر تطور منذ أكثر من 500 مليون سنة ولم يتغير كثيرا منذ ذلك الحين. وبالمقارنة مع أدمغة الحيوانات اليوم، فإن الخلايا العصبية في هذه “الأحافير الحية” مرتبة بطريقة أكثر بساطة. ومع ذلك، لا يوجد نظام مركزي ينسق كل حركات المخلوق، فكيف ينجز أي شيء؟
في حين يقترح البحث الجديد أن الخلايا العصبية لنصف الدماغ يتم وضعها في شبكة شبيهة بالمظلة، التي تعكس جسمها بشكل وثيق. هذه الخلايا العصبية تقسم أكثر إلى شرائح، تشبه تقريبا الفطيرة أو البيتزا.
وبالتالي كل مجس على حافة الشكل الجرسي لقنديل البحر متصل بإحدى هذه الشرائح؛ لذلك عندما تكتشف أذرع قنديل البحر الفريسة وتلتقطها، مثل الروبيان (الجمبري)، يتم تنشيط الخلايا العصبية في هذه الشريحة الواحدة في سلسلة محددة.
أولا، ترسل الخلايا العصبية الموجودة على حافة شريحة “الفطيرة” رسائل إلى الخلايا العصبية في المنتصف، حيث يوجد فم قنديل البحر. يؤدي هذا إلى تحريك حافة شريحة “الفطيرة” إلى الداخل نحو الفم، ويجلب المجسات معه. وفي الوقت نفسه، يشير الفم بدوره إلى الطعام الوارد.
وفي غضون دقيقة من تعرفهم على الروبيان (الجمبري)، وجد المؤلفون أن 96% من قناديل البحر حاولت “نقل الطعام” ونجح 88% في ذلك الفعل. في نهاية المطاف، تم أكل جميع أنواع الجمبري البحري باستخدام هذا السلوك الغذائي.
تأثير الدومينو
لمعرفة الخلايا العصبية التي تسبب تأثير الدومينو هذا على وجه التحديد، حذف الباحثون نوعا من الخلايا العصبية يسمى الخلايا العصبية “+آر إف إيه” (RFA+) على حافة شريحة الفطيرة، وعندما فعلوا ذلك، لم يحدث الطي الداخلي غير المتماثل لجرس قنديل البحر، ولم يحدث انتقال الجمبري من اللوامس إلى الفم.
فيما كتب المؤلفون في دراستهم إن “الخلايا العصبية ’+آر إف إيه‘ مطلوبة لكل من الطي الهامشي الناجم عن الطعام والمستحث كيميائيا. في المقابل، لم يكن هناك خلل عصبي آخر، فيما يتعلق بالسباحة والتجعد، مما يشير إلى أن أنواع الخلايا العصبية الأخرى تتحكم في هذه السلوكيات”.
ولمعرفة كيف تتواصل الخلايا العصبية التي تتحكم في الفم مع الخلايا العصبية التي تتحكم في جرس قنديل البحر والعكس، بدأ الباحثون جراحيا في إزالة أجزاء معينة من جسم قنديل البحر. وعندما أزيلت أفواه قنديل البحر، استمرت المخلوقات في محاولة تمرير الطعام من مخالبها إلى أفواهها غير الموجودة، حتى عند إزالة مخالب قنديل البحر، فإن المستخلصات الكيميائية من الجمبري يمكن أن تحفز الفم على الالتفاف نحو مصدر الغذاء.
تغذية عصبية راجعة
كما تشير النتائج إلى أن بعض سلوكيات قناديل البحر يتم تنسيقها من خلال مجموعات مختلفة من الخلايا العصبية المنظمة وظيفيا، التي تقع حول محيط المظلة. والشبكة العصبية التي تربط جرس قنديل البحر بفمه، على سبيل المثال، يمكن أن ترتبط بالجهاز الهضمي.
وعندما حُرم قنديل البحر من الطعام، وجد المؤلفون أنه أسر فريسة أسرع مما كان عليه عندما لم يكن جائعا. ويشير هذا إلى نوع من التغذية الراجعة العصبية، وهو السماح لقنديل البحر “بمعرفة” أنه يحتاج إلى ملء جهازه الهضمي، ووضع شبكات “تغذية” أخرى محددة في حالة تأهب قصوى.
و بالتالي يقترح المؤلفون أنه “إذا كانت هذه النظرة الهرمية صحيحة، فإن السلوكيات المنسقة في الكائنات الحية التي تفتقر إلى دماغ مركزي ربما ظهرت عبر الازدواجية والتعديل في الوحدات المستقلة الأصغر، لتشكيل وحدات فائقة متفاعلة وظيفيا”، ولكن كيف يتم تحقيق هذه التفاعلات؟ لم يتحدد ذلك بعد!